سهرة في خيمة رمضانية
منذ 2009-08-18
إن تلك الخيمة التي تسمونها رمضانية، لا يمكن أن تمتّ بصلة إلى هذا الشهر الفضيل لا من بعيد ولا من قريب !
ها هي
الساعة تقترب من السابعة والنصف صباحاً وليلى وباسم لم يصلا بعد إلى
باحة الجامعة التي تعوّدا أن يلتقيا فيها مع باقي
الزملاء.
ولقد أثار هذا التأخير قلق زميلَيْهما سناء وفراس اللذين كانا بانتظارهما للذهاب إلى الكافيتيريا كما يفعلون كل صباح.
ولقد أثار هذا التأخير قلق زميلَيْهما سناء وفراس اللذين كانا بانتظارهما للذهاب إلى الكافيتيريا كما يفعلون كل صباح.
- سناء:
غريب هذا التأخير! ... هيا، لن ننتظرهما، قم بنا نتناول طعام الإفطار
وهما يعرفون أين يجداننا...
***
- ليلى: آسفة على التأخير، لقد تأخرت في النوم، كيف حالك يا سناء؟ كيف حالك يا فراس؟ على فكرة كل عام وأنتم بخير...
- سناء: وأنتِ بخير...آه، تذكرت... لقد بدأ شهر رمضان، وليلى يا فراس لا تفوِّت صيام هذا الشهر...
- ليلى: معكما حق.
وحاولت ليلى من ثمَّ أن تغير الموضوع لأنها تعرف رأيهما فيه بشكل جيد فقالت: أين باسم ؟ ألم يأت بعد؟
- فراس: لا، لم يحضر، أكيد أنه بعد أن تسحَّر ذهب إلى المسجد لصلاة الفجر لذلك تأخر في النوم أيضا!
- باسم: لا، لم أتأخر في المسجد مع أنني صليت الفجر هناك.
هكذا أجاب باسم الذي وصل لتوِّه وسمع كلام زميله فراس، وأضاف قائلاً:
لقد صادفت زميلاً لنا على الطريق واستوقفني مستفسراً عن بعض الأمور.
- فراس: بعض الأمور؟ ما هي يا تُرى؟ أكيد تتعلق بأحكام الصيام وصلاة التراويح، فأنت شيخ الجامعة وليلى شيختها... وارتفع صوت فراس مقهقهاً.
انتفضت ليلى بعد أن غَلا دمُها وفتحت فمها لكي تتكلم ... ولكن باسم تدخل بسرعة وأشار إليها بيده وأخذ زمام الكلام.
- باسم: لا تحاول استفزاز ليلى كالعادة فهي هذه المرة لن تجيبك لأنها صائمة، أليس كذلك يا ليلى؟ ولكن أنا سأجيبك، حقاً إن الأمور الذي سأل عنها زميلنا عادل كانت تتعلق بالصيام والصلاة، ارتحت الآن!
- فراس: عادل؟ عادل نفسه زميلنا؟ هذا آخر شخص كان يمكن أن أظن أنه يهتم لأمور الدين، وضرب كفاً بكف وقال: سبحان مغيِّر الأحوال.
- باسم: هذه أفضل كلمة قلتها منذ الصباح، فعلاً سبحان مغيّر الأحوال، فالله عز وجل إذا أراد بعبدٍ خيراً هداه للإسلام ،والحمد لله فلقد كان عادل من هؤلاء المهتدين. وعلى فكرة، عَوْدَته للإسلام ليست وليدة اللحظة، هل لاحظت كيف تغيَّر سلوكه مؤخراً؟ لقد أخبرني أنه بدأ بالصلاة منذ فترة وهو يحضر بعض الدروس الدينية وسألني إن كان يستطيع مرافقتي لأداء صلاة التراويح ليلاً...
-فراس: آه... جيد.
وفي تلك اللحظة حاول فراس أن يبدِّل الموضوع فقال وهو يشعل سيكارته: ما هي مشاريعكم لليلة ؟
قال باسم وهو يكظم غيظه: فراس، يا ليتك تطفئ السيكارة، فنحن في شهر رمضان والناس صائمون ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا ابتُليتم بالمعاصي فاستتروا"، وأنت تعرف رأيي في الدخان، لكن إذا أردت أن تفعل فأرجو أن تحترم مشاعر الآخرين
فراس: أوه، آسف...
أطفأ فراس السيكارة وكرر سؤاله السابق وحاول أن يوجه كلامه إلى سناء التي أجابت بسرعة: أنا ليس لدي شيء... ما هي مشاريعكم أنتم؟ كما تفعلون أفعل!
- فراس: وأنت يا باسم وأنتِ يا ليلى؟
- قالت ليلى معتذرة: أنا لا أخرج من البيت في هذا الشهر، لا تحسبوا حسابي.
باسم: هات يا فراس، أتحفنا، ما هو مشروعك؟
سأله باسماً وهو شبه موقن بالإجابة!
- فراس: ما رأيكم؟ أفكر أن نكون من أوائل الأشخاص الذين يدشنون الخيمة الرمضانية التي افتتحت حديثاً في منطقتنا؟ لا أظن أنك يا باسم تمانع؟ فليس في الأمر مخالفة شرعية، لن نذهب إلى مكان فيه رقص وخمور، كل ما يباع هناك مأكولات رمضانية، سحلب، كلاج، تمر هندي... ما رأيكم يجب أن تجيبوني سريعاً لكي أتمكن من الحجز في أسرع وقت ممكن.
- فرحت سناء بالاقتراح وقالت: واو، أنا أذهب، ولكن ليس باكراً السهرة لا تبدأ قبل الحادية عشرة، ياي، أحب هذه الأجواء الرمضانية، أشعر بروحانية في تلك الليالي.
- باسم: رمضانية؟ وروحانية أيضاً؟ يا سبحان الله، من أين تستشفين هذه الروحانية ؟ هل تجدينها في روائح الدخان العفن الذي يخرج من الأفواه كما يخرج الدخان الأبيض من السيارة الخربة؟ أم هل تجدينها في الاختلاط الماجن بين الشباب والبنات الذين جُلُّ همهم ينصبّ في ارتياد تلك الخيم التي تفخر بنقل حيّ لأجمل السهرات الرمضانية يُظهر المرأة وهي تنفخ الدخان في وجه المصور أو يُظهر الشاب وهو يدير أعماله المتراكمة من خلال هاتفه النقال؟
أم لعلك تجدينها بمرافقة تلك المذيعة التي تحرص بعباءتها الخليجية الفضفاضة على إضفاء جو إسلامي روحاني على السهرة؟
أم لعلك أخيراًَ تبحثين عنها بين نبرات هذا المطرب أو ذاك المغني الأخصائي في أداء الأغاني الرمضانية، والذي يتخذ له اسماً معبراً من وحي المناسبة كشيخ الطرب أو سلطان الطرب؟ ومن يدري لعله قد يظهر للطرب في يوم من الأيام أمراء و خلفاء... فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
ماذا أقول؟ إن محنتنا في هذا الشهر الفضيل كبيرة، وأنا متأكد أن العالم الغربي المتحضّر ينظر إلينا عبر شاشات التلفاز وابتسامة الشماتة بادية على وجهه ويقول: تمام ، ما دامت هذه الخيم الرمضانية موجودة فلا خوف علينا من أن يفكر المسلمون في الجهاد...
يا سبحان الله ، أتستمدين، يا سناء، هذه الروحانية وأنت في جو يعبق بالمخالفات الشرعية؟ إن كان في الاختلاط أو في لعب الورق أوفي الثرثرة أو النميمة التي تضيّع على المسلم أجمل أوقاته التي يفترض به استغلالها بالعبادة وقراءة القرآن والذكر وصلاة التراويح؟ ثم، لأسألكِ سؤالاً: ماذا تفعلين في ليلة القدر؟ المفروض أن تحيي هذه الليلة بالعبادة والذكر وتلاوة القرآن، هذا هو الأصل، ولكن رواد الخيم ماذا يفعلون في تلك الليلة المباركة ؟ أنا أظن أنهم يحيونها على طريقتهم الخاصة حيث ترتفع قيمة بطاقة الدخول لاحتمال رؤية تلك الليلة المباركة أو على الأقل تخيّلها من وراء الغبار الأبيض المنتشر داخل الخيمة.
إن تلك الخيمة التي تسمينها رمضانية، يا زميلتي، لا يمكن أن تمتّ بصلة إلى هذا الشهر الفضيل لا من بعيد ولا من قريب، إذ أن هذا الشهر هو شهر إعمار وقت وليس شهر إهدار وقت، والله سبحانه وتعالى عندما يفتح باب الرحمة ويصفد باب الشياطين لم يفعل ذلك على إطلاقه، فالعاصي المُصرّ على معصيته لن ينال الخير في هذا الشهر إذا لم يجاهد نفسه ويغيّر أحواله، وإذا كان الله عز وجل قد أعاننا بإغلاق أبواب الشياطين فهل نقوم نحن بأيدينا ونفتح الباب لهؤلاء الشياطين؟
- ثار فراس في تلك اللحظة وشعر أن في كلام باسم اتهاماً شخصياً له، فقال مهاجماً باسماً ومدافعاً عن نفسه: ما بالك منذ الصباح جئت تهاجم يميناً وشمالاً، وكأنك تخاطب أناساً كفاراً لا يؤمنون بالله؟ نحن - حبيبي - مسلمون، صحيح أننا لا نصوم ولا نصلي ولكننا نوحِّد الله ونتمنى من الله عز وجل أن يهدِيَنا كما هداك وهدى زميلنا عادلاً؟
أنا بالمناسبة لا أترك الصوم جُحوداً وإنكاراً، فأنا على رغم أني لا أصوم لست راضياً عن نفسي، فإن في داخلي صراعاُ دائماُ أتمنى من كل قلبي أن يزول كي أتمكن من أن أصوم مثلكم ومن يدري لعلي أفوقك تقوىّ وإيماناً...
إن سبب عدم قيامي بالعبادات يعود لإحساسي بعدم جدوى صيامي وصلاتي، فقد قمت في حياتي، القصيرة نسبياً، بارتكاب معاصٍ عديدة أشعر كلما تذكرتها أني مهما فعلت لأكفر عنها فلن يغفر الله لي... صدقني هذا هو ببساطة السبب، فأنا والحمد لله لست ملحداً...
- حاول فراس أن يُخفيَ تأثّره الذي بدا واضحاً من نَبْرة صوته، ثم نظر إلى سناء موجهاً لها سؤال نَجْدة وتأييد: ما رأيك يا سناء؟ هل كلامي صحيح؟ أجيبي لماذا هذا السكوت... أجيبي.
- سناء: أنا... أيضاً لديّ الإحساس نفسه... فأنا على سبيل المثال لا أصلي، ولست محجبة، وألبس على الموضة، فكيف أصوم، أشعر إذا صمت وكأني أضحك على ربي؟
- أخذت ليلى الكلام هنا وقالت لسناء: وأنا أيضاً لستُ محجبة ومع ذلك أصوم، وأنا في الأيام العادية قد أصلي بشكل متقطع ولكني في رمضان أحرص على الصيام والصلاة، ولا أخلط بين العبادات، فعدم ارتدائي الحجاب لا يعفيني من فروضي التي أمرني بها الله عز وجل، فلكل عبادة حسابُها، لا تخلطي بينهما...
افعلي كما أفعل، فأنا أحرص دوماً في خلال شهر رمضان المبارك على تغيير ولو شيء بسيط في عاداتي وتصرفاتي، فشهر رمضان بالنسبة لي هو شهر التغيير، فالله عز وجل عندما يغيّر عاداتنا في الطعام والشراب، وحتى في النوم خلال هذا الشهر فإنه يعطينا الدليل الحسي على قدرتنا على تغيير أنفسنا، كل ما هو مطلوب منا أن نعمل على استحضار أجواء رمضان في الأيام العادية تماماً كما نستحضرها في هذا الشهر المبارك، وعندئذ يأتي الدعم من الله عز وجل الذي يقول: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد: 11]، فالمطلوب منا الامتثال لأوامر الله عز وجل وأن نبادر إلى إصلاح ذواتنا، وإن شاء الله أنا متأكدة أنك إذا نويت وتوكلت على الله فإنها لن تمر فترة طويلة حتى تجدين تحسناً ملحوظاً قد تستغربينه أنت نفسك، صدقيني.
ها، ما رأيك في أن تبدأي هذا التغيير منذ اللحظة؟ ماذا قلتِ؟
هادي: هاي شباب، كيف حالكم، كل عام وأنتم بخير...
قلنا هاي، ماذا هناك؟
هو، هو، أنا هادي أكلمكم، أجيبون ... ما بكم؟ ما هذا الوجوم؟ هل مات أحد ولم أعلم به؟ إن شاء الله لا، على فكرة جئت أعرض عليكم مشروع (بِعَقِّد) ما رأيكم لو نذهب جميعاً إلى الخيمة الرمضانية الجديدة التي افتتحت في منطقة...
- ليلى: آسفة على التأخير، لقد تأخرت في النوم، كيف حالك يا سناء؟ كيف حالك يا فراس؟ على فكرة كل عام وأنتم بخير...
- سناء: وأنتِ بخير...آه، تذكرت... لقد بدأ شهر رمضان، وليلى يا فراس لا تفوِّت صيام هذا الشهر...
- ليلى: معكما حق.
وحاولت ليلى من ثمَّ أن تغير الموضوع لأنها تعرف رأيهما فيه بشكل جيد فقالت: أين باسم ؟ ألم يأت بعد؟
- فراس: لا، لم يحضر، أكيد أنه بعد أن تسحَّر ذهب إلى المسجد لصلاة الفجر لذلك تأخر في النوم أيضا!
- باسم: لا، لم أتأخر في المسجد مع أنني صليت الفجر هناك.
هكذا أجاب باسم الذي وصل لتوِّه وسمع كلام زميله فراس، وأضاف قائلاً:
لقد صادفت زميلاً لنا على الطريق واستوقفني مستفسراً عن بعض الأمور.
- فراس: بعض الأمور؟ ما هي يا تُرى؟ أكيد تتعلق بأحكام الصيام وصلاة التراويح، فأنت شيخ الجامعة وليلى شيختها... وارتفع صوت فراس مقهقهاً.
انتفضت ليلى بعد أن غَلا دمُها وفتحت فمها لكي تتكلم ... ولكن باسم تدخل بسرعة وأشار إليها بيده وأخذ زمام الكلام.
- باسم: لا تحاول استفزاز ليلى كالعادة فهي هذه المرة لن تجيبك لأنها صائمة، أليس كذلك يا ليلى؟ ولكن أنا سأجيبك، حقاً إن الأمور الذي سأل عنها زميلنا عادل كانت تتعلق بالصيام والصلاة، ارتحت الآن!
- فراس: عادل؟ عادل نفسه زميلنا؟ هذا آخر شخص كان يمكن أن أظن أنه يهتم لأمور الدين، وضرب كفاً بكف وقال: سبحان مغيِّر الأحوال.
- باسم: هذه أفضل كلمة قلتها منذ الصباح، فعلاً سبحان مغيّر الأحوال، فالله عز وجل إذا أراد بعبدٍ خيراً هداه للإسلام ،والحمد لله فلقد كان عادل من هؤلاء المهتدين. وعلى فكرة، عَوْدَته للإسلام ليست وليدة اللحظة، هل لاحظت كيف تغيَّر سلوكه مؤخراً؟ لقد أخبرني أنه بدأ بالصلاة منذ فترة وهو يحضر بعض الدروس الدينية وسألني إن كان يستطيع مرافقتي لأداء صلاة التراويح ليلاً...
-فراس: آه... جيد.
وفي تلك اللحظة حاول فراس أن يبدِّل الموضوع فقال وهو يشعل سيكارته: ما هي مشاريعكم لليلة ؟
قال باسم وهو يكظم غيظه: فراس، يا ليتك تطفئ السيكارة، فنحن في شهر رمضان والناس صائمون ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا ابتُليتم بالمعاصي فاستتروا"، وأنت تعرف رأيي في الدخان، لكن إذا أردت أن تفعل فأرجو أن تحترم مشاعر الآخرين
فراس: أوه، آسف...
أطفأ فراس السيكارة وكرر سؤاله السابق وحاول أن يوجه كلامه إلى سناء التي أجابت بسرعة: أنا ليس لدي شيء... ما هي مشاريعكم أنتم؟ كما تفعلون أفعل!
- فراس: وأنت يا باسم وأنتِ يا ليلى؟
- قالت ليلى معتذرة: أنا لا أخرج من البيت في هذا الشهر، لا تحسبوا حسابي.
باسم: هات يا فراس، أتحفنا، ما هو مشروعك؟
سأله باسماً وهو شبه موقن بالإجابة!
- فراس: ما رأيكم؟ أفكر أن نكون من أوائل الأشخاص الذين يدشنون الخيمة الرمضانية التي افتتحت حديثاً في منطقتنا؟ لا أظن أنك يا باسم تمانع؟ فليس في الأمر مخالفة شرعية، لن نذهب إلى مكان فيه رقص وخمور، كل ما يباع هناك مأكولات رمضانية، سحلب، كلاج، تمر هندي... ما رأيكم يجب أن تجيبوني سريعاً لكي أتمكن من الحجز في أسرع وقت ممكن.
- فرحت سناء بالاقتراح وقالت: واو، أنا أذهب، ولكن ليس باكراً السهرة لا تبدأ قبل الحادية عشرة، ياي، أحب هذه الأجواء الرمضانية، أشعر بروحانية في تلك الليالي.
- باسم: رمضانية؟ وروحانية أيضاً؟ يا سبحان الله، من أين تستشفين هذه الروحانية ؟ هل تجدينها في روائح الدخان العفن الذي يخرج من الأفواه كما يخرج الدخان الأبيض من السيارة الخربة؟ أم هل تجدينها في الاختلاط الماجن بين الشباب والبنات الذين جُلُّ همهم ينصبّ في ارتياد تلك الخيم التي تفخر بنقل حيّ لأجمل السهرات الرمضانية يُظهر المرأة وهي تنفخ الدخان في وجه المصور أو يُظهر الشاب وهو يدير أعماله المتراكمة من خلال هاتفه النقال؟
أم لعلك تجدينها بمرافقة تلك المذيعة التي تحرص بعباءتها الخليجية الفضفاضة على إضفاء جو إسلامي روحاني على السهرة؟
أم لعلك أخيراًَ تبحثين عنها بين نبرات هذا المطرب أو ذاك المغني الأخصائي في أداء الأغاني الرمضانية، والذي يتخذ له اسماً معبراً من وحي المناسبة كشيخ الطرب أو سلطان الطرب؟ ومن يدري لعله قد يظهر للطرب في يوم من الأيام أمراء و خلفاء... فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
ماذا أقول؟ إن محنتنا في هذا الشهر الفضيل كبيرة، وأنا متأكد أن العالم الغربي المتحضّر ينظر إلينا عبر شاشات التلفاز وابتسامة الشماتة بادية على وجهه ويقول: تمام ، ما دامت هذه الخيم الرمضانية موجودة فلا خوف علينا من أن يفكر المسلمون في الجهاد...
يا سبحان الله ، أتستمدين، يا سناء، هذه الروحانية وأنت في جو يعبق بالمخالفات الشرعية؟ إن كان في الاختلاط أو في لعب الورق أوفي الثرثرة أو النميمة التي تضيّع على المسلم أجمل أوقاته التي يفترض به استغلالها بالعبادة وقراءة القرآن والذكر وصلاة التراويح؟ ثم، لأسألكِ سؤالاً: ماذا تفعلين في ليلة القدر؟ المفروض أن تحيي هذه الليلة بالعبادة والذكر وتلاوة القرآن، هذا هو الأصل، ولكن رواد الخيم ماذا يفعلون في تلك الليلة المباركة ؟ أنا أظن أنهم يحيونها على طريقتهم الخاصة حيث ترتفع قيمة بطاقة الدخول لاحتمال رؤية تلك الليلة المباركة أو على الأقل تخيّلها من وراء الغبار الأبيض المنتشر داخل الخيمة.
إن تلك الخيمة التي تسمينها رمضانية، يا زميلتي، لا يمكن أن تمتّ بصلة إلى هذا الشهر الفضيل لا من بعيد ولا من قريب، إذ أن هذا الشهر هو شهر إعمار وقت وليس شهر إهدار وقت، والله سبحانه وتعالى عندما يفتح باب الرحمة ويصفد باب الشياطين لم يفعل ذلك على إطلاقه، فالعاصي المُصرّ على معصيته لن ينال الخير في هذا الشهر إذا لم يجاهد نفسه ويغيّر أحواله، وإذا كان الله عز وجل قد أعاننا بإغلاق أبواب الشياطين فهل نقوم نحن بأيدينا ونفتح الباب لهؤلاء الشياطين؟
- ثار فراس في تلك اللحظة وشعر أن في كلام باسم اتهاماً شخصياً له، فقال مهاجماً باسماً ومدافعاً عن نفسه: ما بالك منذ الصباح جئت تهاجم يميناً وشمالاً، وكأنك تخاطب أناساً كفاراً لا يؤمنون بالله؟ نحن - حبيبي - مسلمون، صحيح أننا لا نصوم ولا نصلي ولكننا نوحِّد الله ونتمنى من الله عز وجل أن يهدِيَنا كما هداك وهدى زميلنا عادلاً؟
أنا بالمناسبة لا أترك الصوم جُحوداً وإنكاراً، فأنا على رغم أني لا أصوم لست راضياً عن نفسي، فإن في داخلي صراعاُ دائماُ أتمنى من كل قلبي أن يزول كي أتمكن من أن أصوم مثلكم ومن يدري لعلي أفوقك تقوىّ وإيماناً...
إن سبب عدم قيامي بالعبادات يعود لإحساسي بعدم جدوى صيامي وصلاتي، فقد قمت في حياتي، القصيرة نسبياً، بارتكاب معاصٍ عديدة أشعر كلما تذكرتها أني مهما فعلت لأكفر عنها فلن يغفر الله لي... صدقني هذا هو ببساطة السبب، فأنا والحمد لله لست ملحداً...
- حاول فراس أن يُخفيَ تأثّره الذي بدا واضحاً من نَبْرة صوته، ثم نظر إلى سناء موجهاً لها سؤال نَجْدة وتأييد: ما رأيك يا سناء؟ هل كلامي صحيح؟ أجيبي لماذا هذا السكوت... أجيبي.
- سناء: أنا... أيضاً لديّ الإحساس نفسه... فأنا على سبيل المثال لا أصلي، ولست محجبة، وألبس على الموضة، فكيف أصوم، أشعر إذا صمت وكأني أضحك على ربي؟
- أخذت ليلى الكلام هنا وقالت لسناء: وأنا أيضاً لستُ محجبة ومع ذلك أصوم، وأنا في الأيام العادية قد أصلي بشكل متقطع ولكني في رمضان أحرص على الصيام والصلاة، ولا أخلط بين العبادات، فعدم ارتدائي الحجاب لا يعفيني من فروضي التي أمرني بها الله عز وجل، فلكل عبادة حسابُها، لا تخلطي بينهما...
افعلي كما أفعل، فأنا أحرص دوماً في خلال شهر رمضان المبارك على تغيير ولو شيء بسيط في عاداتي وتصرفاتي، فشهر رمضان بالنسبة لي هو شهر التغيير، فالله عز وجل عندما يغيّر عاداتنا في الطعام والشراب، وحتى في النوم خلال هذا الشهر فإنه يعطينا الدليل الحسي على قدرتنا على تغيير أنفسنا، كل ما هو مطلوب منا أن نعمل على استحضار أجواء رمضان في الأيام العادية تماماً كما نستحضرها في هذا الشهر المبارك، وعندئذ يأتي الدعم من الله عز وجل الذي يقول: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد: 11]، فالمطلوب منا الامتثال لأوامر الله عز وجل وأن نبادر إلى إصلاح ذواتنا، وإن شاء الله أنا متأكدة أنك إذا نويت وتوكلت على الله فإنها لن تمر فترة طويلة حتى تجدين تحسناً ملحوظاً قد تستغربينه أنت نفسك، صدقيني.
ها، ما رأيك في أن تبدأي هذا التغيير منذ اللحظة؟ ماذا قلتِ؟
هادي: هاي شباب، كيف حالكم، كل عام وأنتم بخير...
قلنا هاي، ماذا هناك؟
هو، هو، أنا هادي أكلمكم، أجيبون ... ما بكم؟ ما هذا الوجوم؟ هل مات أحد ولم أعلم به؟ إن شاء الله لا، على فكرة جئت أعرض عليكم مشروع (بِعَقِّد) ما رأيكم لو نذهب جميعاً إلى الخيمة الرمضانية الجديدة التي افتتحت في منطقة...
د. نهى قاطرجي
المصدر: موقع صيد الفوائد
- التصنيف: