مقدساتنا تدنس.. وآثارهم ترمـــم
منذ 2009-09-19
عادت حكاية الآثار اليهودية في مصر
إلى الأضواء من جديد مع ترميم المعبد اليهودي موسى بن ميمون في
القاهرة القديمة؛ حيث أوقع جدلا حول ما إذا كانت الخطوة تأتي في سياق
دعم ترشح وزير الثقافة فاروق حسني لمنصب رئاسة اليونسكو، أم بضغط
أمريكي لإحياء تلك المواقع، أو بتنسيق مباشر مع مؤسسات ومراكز الآثار
الصهيونية!!
رداً على تلك الأقاويل نفى المجلس الأعلى للآثار ذلك مؤكدا أن ترميم المعابد اليهودية يأتي لكونها آثارا مصرية!!؛ فقد صرح زاهي حواس الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار المصرية في مؤتمر صحفي أن المجلس ينفذ حاليا مشروعات عدة لترميم عشرة معابد يهودية في البلاد، وأن أعمال الترميم مستمرة منذ أكثر من عام وأن مصر تنفق مئات الملايين من الجنيهات سنويا على ترميم الآثار الإسلامية والقبطية واليهودية باعتبارها آثارا مصرية"!!
ودخل على خط التصريحات سكرتير عام الطائفة اليهودية في مصر رؤوف توفيق، حيث قال : "يوجد 11 معبدا يهوديا مسجلة كآثار، جرى ترميم عددٍ منها، وأهمها معبد (بن عزرا) بمصر القديمة ومعبد (شعار هاشمايم) في شارع عدلي و(حوش موصيري) بمقابر اليهود بالبساتين ويجري العمل منذ مدة طويلة في ترميم معبد (موسى بن ميمون) بحارة اليهود ومعبد (موسى الدرعي) -الخاصة بطائفة القارئين- بالعباسية".
وترادف مع تلك التصريحات مفاجأة إسقاط الكيان الصهيوني في 25/5/2009 اعتراضه على ترشيح وزير الثقافة المصري فاروق حسني لمنصب المدير العام لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونيسكو).
حكاية اليهود وآثارهم في مصر!!
مع قلة عدد اليهود المصريين المقيمين في مصر حالياً؛ حيث لا يزيد عددهم على 200 يهودي وبعضهم يقدر عددهم بـ100 فقط، وعلى الرغم من اندماجهم داخل المجتمع المصري، إلا أن حكاية الآثار اليهودية في مصر أحييت مجددا؛ فقبل أربع سنوات تقريباً تولت وزارتا الثقافة والسياحة في مصر تجديد منطقة الفسطاط في حي مصر القديمة الذي يقع جنوب العاصمة التي تضم واحداً من أكبر المساجد في مصر هو مسجد عمرو بن العاص، حينها رأى الكيان الصهيوني أن تشمل عمليات الترميم الآثار اليهودية فيها، وتلقت القاهرة المقترح الذي كان معداً بإتقان، والمتضمن تقديرا لتكاليف الترميم بنحو 50 مليون دولار أمريكي، وأرفق مع الطلب استعداد أحد رجال الأعمال اليهود المقيمين في نيويورك تحمل تكاليف ترميم تلك الآثار، وكان فريق علمي من إحدى الجامعات العبرية انتهى من عملية بحث طويلة رصد خلالها أغلبية الآثار اليهودية في مصر، والتي ادعى أنها المباني التي يتجاوز عمرها 100 عام.
وتجنبت وزارتا السياحة والآثار في مصر الرد رسمياً على المقترح الصهيوني باعتبار أن تلك الخطوة تحتاج إلى قرار سيادي، يتجاوز صلاحيات الوزيرين المختصين، وفوجئ في ذلك الحين وزير الخارجية المصري ورئيس جهاز المخابرات خلال زيارتهما إلى واشنطن بطلب غريب من الحاخام اليهودي الأميركي (أندرو بيكر)، مسؤول العلاقات الدولية في اللجنة اليهودية الأميركية، بتأليف لجنة دولية تساهم وتشرف على ترميم الآثار اليهودية في مصر، بما تتضمنه من معابد وممتلكات ومقابر في القاهرة والإسكندرية؛ وتزامن طلب بيكر مع طلبات في السياق نفسه، كان آخرها إقامة مولد للنبي موسى في قرية في محافظة الشرقية يقال إنه عثر فيها على آثار من عصر النبي موسى!
وسبق ذلك طلب رسمي من الكيان اليهودي، موجه للحكومة المصرية لمساعدتها على استعادة نحو مئة مخطوطة خاصة بالتوراة، وسجلات المحاكم اليهودية، التي ادّعت أنه جرى الاستيلاء عليها بشكل غير قانوني خلال نزوح مئات الآلاف من اليهود المصريين إليها بعد نكبة فلسطين عام 1948!!، وترادف ذلك مع تحرك موجه لعشرين منظمة لليهود المصريين، التي تتّخذ من واشنطن وعواصم غربية مقراً لها، للسعي إلى شن حملة ضغوط سياسية ودبلوماسية على الحكومة المصرية للاستجابة للمطالب اليهودية.
وساهم الحاخام اليهودي المتطرف (عوفاديا يوسف) - المهاجر من مصر - في تلك الإدعاءات، وأرسل رسالة إلى وزارة الخارجية المصرية دعا فيها إلى "الإسراع في رد جزء هام من التراث اليهودي". وتزامن ذلك مع سعي اللوبي اليهودي في واشنطن إلى إقامة دعاوى قضائية ضد الحكومة المصرية لمطالبتها بدفع نحو خمسة مليارات دولار أميركي كتعويضات عن الممتلكات التي خلفها اليهود وراءهم لدى مغادرة مصر!!
هل سيقام متحف يهودي في مصر؟!
في السنوات الأخيرة جرت اتصالات عدة ومفاوضات بين علماء أثار يهود ومسئولين بالمجلس الأعلى للآثار في مصر، لدراسة طلب افتتاح متحف للتاريخ اليهودي في المنطقة التاريخية بالقاهرة القديمة، وترأس د.زاهي حواس رئيس المجلس الأعلى للآثار الوفد المصري في هذه المفاوضات، للبحث في تفاصيل للمشروع الذي يستند إلى مزاعم يهودية حول وجود الكثير من الآثار والمصنوعات اليدوية اليهودية من عصور قديمة لدى عدد من العائلات اليهودية سواء في مصر أم خارجها.
واعترض بشدة معظم علماء الآثار المصريين على إقامة متحف يهودي في مصر؛ لأنه سيعطي لليهود حقوقاً تاريخية في مصر غير موجودة في الواقع؛ حيث لم يكن لهم أية آثار تستدعي إقامة مثل هذا المتحف، ويحظى هذا الرفض بدعم وزير الخارجية المصري واعتراض الأمن القومي، نظرًا لأنه سيستدعي اتخاذ إجراءات أمنية مشددة في ظل الإقبال المتوقع عليه من جانب اليهود ولاسيما يهود الكيان الصهيوني.
وبعدها كشف مصدر مسؤول بوزارة الثقافة أن المحادثات بشأن إنشاء متحف لتاريخ اليهود بمصر مازالت مستمرة إلى الآن، وأنه في حالة عدم الموافقة على إنشاء هذا المتحف سيتم تخصيص قاعة بأحد المتاحف المصرية الكبرى لهذا الغرض"!! وكان د. زاهي حواس رئيس المجلس الأعلى للآثار صرح "أن فكرة إنشاء متحف لليهود مطروحة للنقاش"!
اليونسكو.. تدعم تهويد القدس وتدمير معالمها!!
والغريب في ظل هذه الأحداث ما قامت به لجنة التراث العالمي التابعة لليونيسكو خلال اجتماعاتها الأخيرة في كندا، بإصدار قرار يسمح لسلطات الاحتلال في فلسطين بالإشراف على باب المغاربة، وهو أحد أبواب المسجد الأقصى، وبذلك أباحت وأجازت منظمة اليونيسكو لسلطات الاحتلال إجراء الترميمات - حسب زعمهم - في باب المغاربة، وأعطيت بذلك السلطات اليهودية الشرعية الدولية من أجل إجراء التغيرات الشاملة في ساحات حارة المغاربة وبابه الذي هو جزء من المسجد الأقصى وأحد أبوابه.
وهذا القرار يضع باب المغاربة على لائحة التراث العالمي كتراث "يهودي"!!، الذي سيتيح لسلطات الاحتلال المضي قدماً في تنفيذ مخططاتها الرامية لتهويد مدينة القدس، وتغيير معالمها وطابعها الإسلامي، والسيطرة النهائية على المسجد الأقصى، وفرض أمرٍ واقعٍ لا يمكن رجوع اليهود عنه في أي مفاوضات جارية أو قادمة!
آثار ترمم ومقدسات تدنس!!
مقدساتنا في القدس والمناطق التي احتلت في عام 1948 م تدنس بكل قبح واستهتار، وما يطلق عليها آثار اليهود في مصر يُعمل على ترميمها وإدراجها ضمن قائمة الأماكن السياحية - السياحة الدينية -؛ لتكون مزاراً لمن! لليهود من العالم أجمع! فالآلة العسكرية اليهودية بالتنسيق مع المؤسسات المعنية في تهويد وتغيير معالم القدس وما حولها، وتغير المسميات لتصبح يهودية لإحداث التغيرات الواقعية على الأرض والمقدسات تمارس كل أنواع التهويد، فلم يترك حجراً ولا شجراً ولا زاوية إلا ادعوا أنها يهودية!!
ومع تغيير مسميات المناطق والطرق والمباني اتبعوا سياسة تغيير المصطلحات والتاريخ حتى وصلت الحرب على مصطلح " النكبة " لتغييب ذاكرة المسلمين في فلسطين، فعمدوا إلى شطب ذلك المصطلح ليس فقط من القاموس السياسي الفلسطيني والإسلامي، وإنما كذلك من قرارات ومواثيق الأمم المتحدة المتعلقة بالقضية!!
فمنذ احتلال اليهود لأرض فلسطين في عام 1948 م، لم ينقطع مسلسل الاعتداءات على مقدسات المسلمين، فتم تدمير أكثر من 1200 مسجد، الذي بقي منها في مناطق الـ«48» - التي كانت قائمة قبل الاحتلال- نحو 100 مسجد إلى الآن، وتلك المساجد لم تسلم من أناس عرفوا عبر التاريخ بسوء الخلق والكذب والافتراء والتحريف الذي اتخذوه وسيلة للكسب؛ حيث قامت المؤسسات الرسمية اليهودية بتحويل بعض المساجد إلى كُنُسٍ يهودية: كمسجد العفولة، ومسجد طيرة الكرمل، ومسجد أبو العون، وبعضها الآخر حُوِّل إلى خمارة كمسجد بيسار، وناد ليلي كمسجد السكسك في منطقة يافا، ومسجد عسقلان مازال يستعمل كمطعم ومتحف وغيرها الكثير الكثير.
وتقوم المؤسسة الصهيونية ببيع بعض المساجد ومسجدي الشعرة الشريفة والست سكينة في صفد شمال فلسطين تحولا إلى كنيس لليهود، وسمي مسجد الست سكينة بـ "كنيس راحيل" ومسجد أبو هريرة في واد حنين قضاء الرملة (وسط) إلى كنيس باسم "الراف غمليئيل"؛ ولم تسلم المقابر فقد حولوا مقبرة عبد النبي في يافا إلى فندق "هيلتون تل أبيب"، ومقبرة سلمي في يافا إلى شقق سكنية ومقبرة العفولة إلى موقف سيارات، والآن يعملون على بناء متحف ومبنى للمحاكم في مقبرة مأمن الله في مدينة القدس"!!
لماذا المطالبة بحفظ الآثار اليهودية الآن؟
في الآونة الأخيرة ارتفع عدد اليهود الذين رفعوا قضايا للحصول على تعويضات إلى نحو 3500 قضية تبلغ قيمتها نحو 5 مليارات دولار، ويقف وراءهم الاتحاد الأوروبي وأمريكا اللذان أرسلا في فترة سابقة وفدا من لجنة الحريات الدينية الأمريكية التقى أعضاء الطائفة في القاهرة والإسكندرية، وأثار الوفد ملف أملاك اليهود في مصر؛ والجدير بالذكر أن الملفات التي يثيرها اليهود والضجة حول هذا الملف يتضمن توصيات تقول إن لليهود أملاكا في مصر التي يزعمون أنهم تركوها عقب حربي 1948 و1956!!
وقد صعد الكيان اليهودي عبر مؤسساته العلمية والتراثية نشاطه في عقد المؤتمرات والندوات وتقديم الدراسات لتوثيق ما يزعمون أنها أملاك اليهود في العديد من الدول العربية، ومصر على وجه الخصوص، والعمل على إيجاد قاعدة بيانات خاصة بها.
ولعل هذا النشاط الآن يهدف إلى إسقاط المطالبة بحقوق الفلسطينيين المغتصبة من أرض وممتلكات وحق العودة وغيرها، وجعل حقوقا أخرى يطالب فيها، تتقزم أمامها المطالب العربية والفلسطينية.. منها حقوق اليهود في العالم العربي، ومن ثم الوصول إلى إلغاء المطالبة بحقوق الفلسطينيين وممتلكاتهم التي اغتصبوها في العقود الستة الأخيرة.
من المفارقة الغريبة أن اليهود يتحدثون عن أملاكهم في مصر والمنطقة العربية وتساندهم جماعات ضغط غربية وأمريكية ويطالبون بأموالهم ويقدرونها بعشرات المليارات!!، ولا عزاء لحقوقنا في فلسطين وأملاكنا ووقفياتنا ومقدساتنا.. والمؤكد من سير الأحداث أن ورقة أملاك اليهود في الوطن العربي ستكون ضمن أحد أهم الأوراق للكيان الصهيوني في المفاوضات المقبلة لعملية السلام المقترحة؟!
فتاريخ الابتزاز اليهودي معروف، وهو لعبة أتقنها اليهود جيدا، وجنوا من خلالها مكاسب عدة، ماليا وسياسيا، إلا أنهم هذه المرة يريدون تحقيق أهداف أكثر فاعلية يثبتون من خلالها أن الفلسطينيين ليسوا وحدهم أصحاب حق العودة، بل اليهود أيضا، ومن ثم فإن الحل الأخير هو تخلي العرب عن حقوقهم، مقابل الحقوق التي تخلى اليهود عنها وهي ممتلكاتهم، وأن الفلسطينيين ليسوا فقط هم الضحية ولكن اليهود أيضاً، فهل يستطيعون إقناع العالم بهذا وسط المغالطات؟
ما سبق يؤكد عدم اكتفاء الصهاينة باغتصاب فلسطين، ومحاولات تهويد القدس، وتصفية قضية فلسطين تصفية نهائية، بل يتجاوزون ذلك إلى محاولات لتزوير تاريخ المنطقة والعبث به، وإيجاد مبررات لزرع أنفسهم في أي مكان فيها، كالمطالبة بإقامة متحف يهودي في القاهرة بدعوى أن الآثار اليهودية في مصر كثيرة، على الرغم من تأكيد علماء الآثار انه ليس لليهود في مصر آثار تستدعي وجود مثل هذا المتحف المستقل... ولا شك أن مثل هذه المطالبات تأتي في إطار مخططات اليهود ولهاثهم وراء مزاعم وأكاذيب لا أساس لها، لإيجاد موطئ قدم لهم بيننا.
كتب: عيسى القدومي
رداً على تلك الأقاويل نفى المجلس الأعلى للآثار ذلك مؤكدا أن ترميم المعابد اليهودية يأتي لكونها آثارا مصرية!!؛ فقد صرح زاهي حواس الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار المصرية في مؤتمر صحفي أن المجلس ينفذ حاليا مشروعات عدة لترميم عشرة معابد يهودية في البلاد، وأن أعمال الترميم مستمرة منذ أكثر من عام وأن مصر تنفق مئات الملايين من الجنيهات سنويا على ترميم الآثار الإسلامية والقبطية واليهودية باعتبارها آثارا مصرية"!!
ودخل على خط التصريحات سكرتير عام الطائفة اليهودية في مصر رؤوف توفيق، حيث قال : "يوجد 11 معبدا يهوديا مسجلة كآثار، جرى ترميم عددٍ منها، وأهمها معبد (بن عزرا) بمصر القديمة ومعبد (شعار هاشمايم) في شارع عدلي و(حوش موصيري) بمقابر اليهود بالبساتين ويجري العمل منذ مدة طويلة في ترميم معبد (موسى بن ميمون) بحارة اليهود ومعبد (موسى الدرعي) -الخاصة بطائفة القارئين- بالعباسية".
وترادف مع تلك التصريحات مفاجأة إسقاط الكيان الصهيوني في 25/5/2009 اعتراضه على ترشيح وزير الثقافة المصري فاروق حسني لمنصب المدير العام لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونيسكو).
حكاية اليهود وآثارهم في مصر!!
مع قلة عدد اليهود المصريين المقيمين في مصر حالياً؛ حيث لا يزيد عددهم على 200 يهودي وبعضهم يقدر عددهم بـ100 فقط، وعلى الرغم من اندماجهم داخل المجتمع المصري، إلا أن حكاية الآثار اليهودية في مصر أحييت مجددا؛ فقبل أربع سنوات تقريباً تولت وزارتا الثقافة والسياحة في مصر تجديد منطقة الفسطاط في حي مصر القديمة الذي يقع جنوب العاصمة التي تضم واحداً من أكبر المساجد في مصر هو مسجد عمرو بن العاص، حينها رأى الكيان الصهيوني أن تشمل عمليات الترميم الآثار اليهودية فيها، وتلقت القاهرة المقترح الذي كان معداً بإتقان، والمتضمن تقديرا لتكاليف الترميم بنحو 50 مليون دولار أمريكي، وأرفق مع الطلب استعداد أحد رجال الأعمال اليهود المقيمين في نيويورك تحمل تكاليف ترميم تلك الآثار، وكان فريق علمي من إحدى الجامعات العبرية انتهى من عملية بحث طويلة رصد خلالها أغلبية الآثار اليهودية في مصر، والتي ادعى أنها المباني التي يتجاوز عمرها 100 عام.
وتجنبت وزارتا السياحة والآثار في مصر الرد رسمياً على المقترح الصهيوني باعتبار أن تلك الخطوة تحتاج إلى قرار سيادي، يتجاوز صلاحيات الوزيرين المختصين، وفوجئ في ذلك الحين وزير الخارجية المصري ورئيس جهاز المخابرات خلال زيارتهما إلى واشنطن بطلب غريب من الحاخام اليهودي الأميركي (أندرو بيكر)، مسؤول العلاقات الدولية في اللجنة اليهودية الأميركية، بتأليف لجنة دولية تساهم وتشرف على ترميم الآثار اليهودية في مصر، بما تتضمنه من معابد وممتلكات ومقابر في القاهرة والإسكندرية؛ وتزامن طلب بيكر مع طلبات في السياق نفسه، كان آخرها إقامة مولد للنبي موسى في قرية في محافظة الشرقية يقال إنه عثر فيها على آثار من عصر النبي موسى!
وسبق ذلك طلب رسمي من الكيان اليهودي، موجه للحكومة المصرية لمساعدتها على استعادة نحو مئة مخطوطة خاصة بالتوراة، وسجلات المحاكم اليهودية، التي ادّعت أنه جرى الاستيلاء عليها بشكل غير قانوني خلال نزوح مئات الآلاف من اليهود المصريين إليها بعد نكبة فلسطين عام 1948!!، وترادف ذلك مع تحرك موجه لعشرين منظمة لليهود المصريين، التي تتّخذ من واشنطن وعواصم غربية مقراً لها، للسعي إلى شن حملة ضغوط سياسية ودبلوماسية على الحكومة المصرية للاستجابة للمطالب اليهودية.
وساهم الحاخام اليهودي المتطرف (عوفاديا يوسف) - المهاجر من مصر - في تلك الإدعاءات، وأرسل رسالة إلى وزارة الخارجية المصرية دعا فيها إلى "الإسراع في رد جزء هام من التراث اليهودي". وتزامن ذلك مع سعي اللوبي اليهودي في واشنطن إلى إقامة دعاوى قضائية ضد الحكومة المصرية لمطالبتها بدفع نحو خمسة مليارات دولار أميركي كتعويضات عن الممتلكات التي خلفها اليهود وراءهم لدى مغادرة مصر!!
هل سيقام متحف يهودي في مصر؟!
في السنوات الأخيرة جرت اتصالات عدة ومفاوضات بين علماء أثار يهود ومسئولين بالمجلس الأعلى للآثار في مصر، لدراسة طلب افتتاح متحف للتاريخ اليهودي في المنطقة التاريخية بالقاهرة القديمة، وترأس د.زاهي حواس رئيس المجلس الأعلى للآثار الوفد المصري في هذه المفاوضات، للبحث في تفاصيل للمشروع الذي يستند إلى مزاعم يهودية حول وجود الكثير من الآثار والمصنوعات اليدوية اليهودية من عصور قديمة لدى عدد من العائلات اليهودية سواء في مصر أم خارجها.
واعترض بشدة معظم علماء الآثار المصريين على إقامة متحف يهودي في مصر؛ لأنه سيعطي لليهود حقوقاً تاريخية في مصر غير موجودة في الواقع؛ حيث لم يكن لهم أية آثار تستدعي إقامة مثل هذا المتحف، ويحظى هذا الرفض بدعم وزير الخارجية المصري واعتراض الأمن القومي، نظرًا لأنه سيستدعي اتخاذ إجراءات أمنية مشددة في ظل الإقبال المتوقع عليه من جانب اليهود ولاسيما يهود الكيان الصهيوني.
وبعدها كشف مصدر مسؤول بوزارة الثقافة أن المحادثات بشأن إنشاء متحف لتاريخ اليهود بمصر مازالت مستمرة إلى الآن، وأنه في حالة عدم الموافقة على إنشاء هذا المتحف سيتم تخصيص قاعة بأحد المتاحف المصرية الكبرى لهذا الغرض"!! وكان د. زاهي حواس رئيس المجلس الأعلى للآثار صرح "أن فكرة إنشاء متحف لليهود مطروحة للنقاش"!
اليونسكو.. تدعم تهويد القدس وتدمير معالمها!!
والغريب في ظل هذه الأحداث ما قامت به لجنة التراث العالمي التابعة لليونيسكو خلال اجتماعاتها الأخيرة في كندا، بإصدار قرار يسمح لسلطات الاحتلال في فلسطين بالإشراف على باب المغاربة، وهو أحد أبواب المسجد الأقصى، وبذلك أباحت وأجازت منظمة اليونيسكو لسلطات الاحتلال إجراء الترميمات - حسب زعمهم - في باب المغاربة، وأعطيت بذلك السلطات اليهودية الشرعية الدولية من أجل إجراء التغيرات الشاملة في ساحات حارة المغاربة وبابه الذي هو جزء من المسجد الأقصى وأحد أبوابه.
وهذا القرار يضع باب المغاربة على لائحة التراث العالمي كتراث "يهودي"!!، الذي سيتيح لسلطات الاحتلال المضي قدماً في تنفيذ مخططاتها الرامية لتهويد مدينة القدس، وتغيير معالمها وطابعها الإسلامي، والسيطرة النهائية على المسجد الأقصى، وفرض أمرٍ واقعٍ لا يمكن رجوع اليهود عنه في أي مفاوضات جارية أو قادمة!
آثار ترمم ومقدسات تدنس!!
مقدساتنا في القدس والمناطق التي احتلت في عام 1948 م تدنس بكل قبح واستهتار، وما يطلق عليها آثار اليهود في مصر يُعمل على ترميمها وإدراجها ضمن قائمة الأماكن السياحية - السياحة الدينية -؛ لتكون مزاراً لمن! لليهود من العالم أجمع! فالآلة العسكرية اليهودية بالتنسيق مع المؤسسات المعنية في تهويد وتغيير معالم القدس وما حولها، وتغير المسميات لتصبح يهودية لإحداث التغيرات الواقعية على الأرض والمقدسات تمارس كل أنواع التهويد، فلم يترك حجراً ولا شجراً ولا زاوية إلا ادعوا أنها يهودية!!
ومع تغيير مسميات المناطق والطرق والمباني اتبعوا سياسة تغيير المصطلحات والتاريخ حتى وصلت الحرب على مصطلح " النكبة " لتغييب ذاكرة المسلمين في فلسطين، فعمدوا إلى شطب ذلك المصطلح ليس فقط من القاموس السياسي الفلسطيني والإسلامي، وإنما كذلك من قرارات ومواثيق الأمم المتحدة المتعلقة بالقضية!!
فمنذ احتلال اليهود لأرض فلسطين في عام 1948 م، لم ينقطع مسلسل الاعتداءات على مقدسات المسلمين، فتم تدمير أكثر من 1200 مسجد، الذي بقي منها في مناطق الـ«48» - التي كانت قائمة قبل الاحتلال- نحو 100 مسجد إلى الآن، وتلك المساجد لم تسلم من أناس عرفوا عبر التاريخ بسوء الخلق والكذب والافتراء والتحريف الذي اتخذوه وسيلة للكسب؛ حيث قامت المؤسسات الرسمية اليهودية بتحويل بعض المساجد إلى كُنُسٍ يهودية: كمسجد العفولة، ومسجد طيرة الكرمل، ومسجد أبو العون، وبعضها الآخر حُوِّل إلى خمارة كمسجد بيسار، وناد ليلي كمسجد السكسك في منطقة يافا، ومسجد عسقلان مازال يستعمل كمطعم ومتحف وغيرها الكثير الكثير.
وتقوم المؤسسة الصهيونية ببيع بعض المساجد ومسجدي الشعرة الشريفة والست سكينة في صفد شمال فلسطين تحولا إلى كنيس لليهود، وسمي مسجد الست سكينة بـ "كنيس راحيل" ومسجد أبو هريرة في واد حنين قضاء الرملة (وسط) إلى كنيس باسم "الراف غمليئيل"؛ ولم تسلم المقابر فقد حولوا مقبرة عبد النبي في يافا إلى فندق "هيلتون تل أبيب"، ومقبرة سلمي في يافا إلى شقق سكنية ومقبرة العفولة إلى موقف سيارات، والآن يعملون على بناء متحف ومبنى للمحاكم في مقبرة مأمن الله في مدينة القدس"!!
لماذا المطالبة بحفظ الآثار اليهودية الآن؟
في الآونة الأخيرة ارتفع عدد اليهود الذين رفعوا قضايا للحصول على تعويضات إلى نحو 3500 قضية تبلغ قيمتها نحو 5 مليارات دولار، ويقف وراءهم الاتحاد الأوروبي وأمريكا اللذان أرسلا في فترة سابقة وفدا من لجنة الحريات الدينية الأمريكية التقى أعضاء الطائفة في القاهرة والإسكندرية، وأثار الوفد ملف أملاك اليهود في مصر؛ والجدير بالذكر أن الملفات التي يثيرها اليهود والضجة حول هذا الملف يتضمن توصيات تقول إن لليهود أملاكا في مصر التي يزعمون أنهم تركوها عقب حربي 1948 و1956!!
وقد صعد الكيان اليهودي عبر مؤسساته العلمية والتراثية نشاطه في عقد المؤتمرات والندوات وتقديم الدراسات لتوثيق ما يزعمون أنها أملاك اليهود في العديد من الدول العربية، ومصر على وجه الخصوص، والعمل على إيجاد قاعدة بيانات خاصة بها.
ولعل هذا النشاط الآن يهدف إلى إسقاط المطالبة بحقوق الفلسطينيين المغتصبة من أرض وممتلكات وحق العودة وغيرها، وجعل حقوقا أخرى يطالب فيها، تتقزم أمامها المطالب العربية والفلسطينية.. منها حقوق اليهود في العالم العربي، ومن ثم الوصول إلى إلغاء المطالبة بحقوق الفلسطينيين وممتلكاتهم التي اغتصبوها في العقود الستة الأخيرة.
من المفارقة الغريبة أن اليهود يتحدثون عن أملاكهم في مصر والمنطقة العربية وتساندهم جماعات ضغط غربية وأمريكية ويطالبون بأموالهم ويقدرونها بعشرات المليارات!!، ولا عزاء لحقوقنا في فلسطين وأملاكنا ووقفياتنا ومقدساتنا.. والمؤكد من سير الأحداث أن ورقة أملاك اليهود في الوطن العربي ستكون ضمن أحد أهم الأوراق للكيان الصهيوني في المفاوضات المقبلة لعملية السلام المقترحة؟!
فتاريخ الابتزاز اليهودي معروف، وهو لعبة أتقنها اليهود جيدا، وجنوا من خلالها مكاسب عدة، ماليا وسياسيا، إلا أنهم هذه المرة يريدون تحقيق أهداف أكثر فاعلية يثبتون من خلالها أن الفلسطينيين ليسوا وحدهم أصحاب حق العودة، بل اليهود أيضا، ومن ثم فإن الحل الأخير هو تخلي العرب عن حقوقهم، مقابل الحقوق التي تخلى اليهود عنها وهي ممتلكاتهم، وأن الفلسطينيين ليسوا فقط هم الضحية ولكن اليهود أيضاً، فهل يستطيعون إقناع العالم بهذا وسط المغالطات؟
ما سبق يؤكد عدم اكتفاء الصهاينة باغتصاب فلسطين، ومحاولات تهويد القدس، وتصفية قضية فلسطين تصفية نهائية، بل يتجاوزون ذلك إلى محاولات لتزوير تاريخ المنطقة والعبث به، وإيجاد مبررات لزرع أنفسهم في أي مكان فيها، كالمطالبة بإقامة متحف يهودي في القاهرة بدعوى أن الآثار اليهودية في مصر كثيرة، على الرغم من تأكيد علماء الآثار انه ليس لليهود في مصر آثار تستدعي وجود مثل هذا المتحف المستقل... ولا شك أن مثل هذه المطالبات تأتي في إطار مخططات اليهود ولهاثهم وراء مزاعم وأكاذيب لا أساس لها، لإيجاد موطئ قدم لهم بيننا.
كتب: عيسى القدومي
المصدر: مجلة الفرقان
- التصنيف: