كن من السبعة الذين يظلهم الله تعالى في ظله
فلنكن من السَّبعة، ولنسعَ إلى ذلك سعيًا حثيثًا، ولنلازِم الأفعال التي تَجعلنا في جوار هذه الصحبة الطيِّبة، في الظلِّ الشريف الكريم، ظل الله تعالى يوم لا ظلَّ إلا ظله.
بسم الله، والحمد لله، والصَّلاة والسلام على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وصحبه أجمعين. بشَّرنا الرسولُ صلى الله عليه وسلم ببشرى عظيمة في حديثه الشريف؛ فعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «سبعةٌ يُظلِّهم اللهُ في ظلِّه يومَ لا ظلَّ إلا ظلُّه: الإمامُ العادلُ، وشابٌّ نشأ بعبادة اللهِ، ورجلٌ قلبُه مُعلَّقٌ في المساجد، ورجلان تحابَّا في الله اجتمعا عليه وتفرَّقا عليه، ورجلٌ دعَتْه امرأةٌ ذات منصبٍ وجمالٍ فقال: إني أخاف اللهَ، ورجلٌ تصدَّق بصدقةٍ فأخفاها حتى لا تعلم يمينُه ما تُنفق شمالُه، ورجلٌ ذكر اللهَ خاليًا، ففاضت عيناه»، وفي روايةٍ: «ورجلٌ مُعلَّقٌ بالمسجد، إذا خرج منه حتى يعودَ إليه» (رواه مسلم).
الإمام العادل:
لا ريب أنَّ العدل من أسمى القِيَم التي سعى الإسلام إلى تَرسيخها، ومن أرفع الشمائل التي حثَّت الشَّريعة الإسلامية على توطيدها، قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا} [النساء:58]، وبصلاح وعَدل الإمام يَنصلح حال الكثيرين؛ ولذا كان الإمام العادِل له حظٌّ عظيم في أن يكون من السبعة الذين يظلُّهم الله تعالى في ظلِّه يوم لا ظلَّ إلا ظله.
شاب نشأ بعبادة الله تعالى:
النَّشأة في عبادة الله تعالى لها مدلول عظيم؛ فمَن نشأ في عبادة الله سبحانه، ترك ملذَّات الدنيا، وهجر مظاهر التمتُّع بها، وتمسَّك بحبه لله تعالى، وآثَرَ العبادة، وفضَّل النجاة، وعرَف حقيقةَ الدنيا، وقدر الآخرة حقَّ تقديرها، قال الله تعالى: {وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [الأعلى:17]؛ ولذا يَحظى من سار على هذا الدَّرب، وتمسَّك بهذا النَّهج بالشرف الرَّفيع، والنَّعيم بظلِّ الله تعالى في ظله يوم لا ظِلَّ إلا ظله.
رجل معلق قلبه في المساجد:
المساجد هي بيوت الله ذي الجلال والإكرام، إليها يَفِد المحبُّون، ويلزمها المخلِصون، يسارعون إلى تلبية النِّداء؛ ليكونوا من أهل الوَفاء، ويسيروا على نَهج الصَّفوة الأتقياء؛ فعن أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «المسجدُ بيتُ كلِّ تقيٍّ، وتكفَّلَ اللهُ لمن كان المسجدُ بيتَهُ بالروح والرَّحمةِ، والجَوازِ على الصِّراطِ إلى رِضوان الله، إلى الجنَّة» (حسَّنه الألباني)، ومن تعلَّق قلبه بالمساجد، كان من أهل التمتُّع بظلِّ الله تعالى يوم لا ظل إلا ظله.
رجلان تحابَّا في الله تعالى:
الحبُّ في الله تعالى من مَعالم الولاء والبَراء، وسبب عظيم لوجوب محبَّة الله تعالى، عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «زار رجلٌ أخًا له في قريةٍ، فأرصد الله له ملَكًا على مدرجته، فقال: أين تُريدُ؟ قال: أخًا لي في هذه القرية، فقال: هل له عليك من نعمةٍ ترُبُّها؟ قال: لا؛ إلَّا أنِّي أُحبُّه في الله، قال: فإنِّي رسولُ الله إليك: أنَّ الله أحبَّك كما أحببتَه» (صححه الألباني)، فالمسلم يحبُّ لوجه الله تعالى، لا لمصلحةٍ يَبتغيها، أو لفائدة يَجتبيها؛ ولذا كان المتحابُّون في ظلِّ الرحمن الكريم يوم لا ظل إلا ظله.
رجل دعَته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله تعالى:
إنَّ حفظ الفَرج من سِمات المؤمنين، التي بيَّنها الله الكريم في كتابه الحكيم، قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ . إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} [المؤمنون:5، 6]، والمسلم الذي يتخلَّى عن ملذَّات تتوافر له، ويتجنَّب شهوات تهيَّأَت له، ويُعرِض عن بيئة وفرَت له سُبل الرذيلة الفانية، سيَحظى بشرف وارتقاء لمراتب الصَّالحين الأتقياء، ويَنعم بظلِّ الله تعالى في ظلِّه يوم لا ظلَّ إلا ظله.
رجل تصدَّق بصدقة فأخفاها:
الصَّدَقة بستان مثمِر بالطَّيبات، وهي إشارة لمحبَّة العبد لله سبحانه، والقرب من الله جلَّ جلاله، وسبب لتكفير السيِّئات، وتكثير الخيرات، قال الله تعالى: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [البقرة:271]، ومن يحرص عليها، ويَسعى إلى إخفائها، ويتجنَّب إعلانها تفعيلًا للإخلاص، سيكون من أهل ظِل الله تعالى يوم القيامة يوم لا ظلَّ إلا ظلُّه.
رجل ذكر الله تعالى خاليًا ففاضَت عيناه:
ذِكر الله الملك من أعظم العبادات، وأجلِّ القربات، يقول الله تعالى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ} [البقرة:152]، والمسلم الذي يَذكر الله تعالى في خلوته، وتفيض عيناه بالدَّمع من خَشيته- سيَنعم بالأمان، ويَشعر بالسَّكينة والاطمئنان، ويجاور أهل ظلِّ الله ملِك الملوك يوم لا ظلَّ إلا ظله.
أخي الكريم، فلنكن من السَّبعة، ولنسعَ إلى ذلك سعيًا حثيثًا، ولنلازِم الأفعال التي تَجعلنا في جوار هذه الصحبة الطيِّبة، في الظلِّ الشريف الكريم، ظل الله تعالى يوم لا ظلَّ إلا ظله.
والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين.
حسين أحمد عبد القادر
- التصنيف:
- المصدر: