حجّ ملعون!!

منذ 2009-11-19

دعت منظمة سانت إجيديو للتبشير، قادة الديانات الكبرى العالمية، لمؤتمر يتضمن تتويجا لعملية التطبيع مع الصهاينة....




دعت منظمة سانت إجيديو للتبشير وأسقف مدينة كراكوف، الكاردينال ستانسلاف دجيفتش، قادة الديانات الكبرى العالمية، وبعض رؤساء الدول ورجال ونساء مثقفون، ليجتمعوا - سبتمبر 2009 - ، في لقاء دولي للأديان من أجل السلام، تحت عنوان "رجال وديانات" وعنوانه الفرعى: "على نسق أسيز، فى كراكوف"، أو "عقائد وثقافات"..


وكراكوف هي مدينة البابا السابق، يوحنا بولس الثاني، حيث تم تكوينه فيها ثقافياً وإنسانياً ودينياً.. وأصبحت المدينة مجال لقاء قادة الأديان الكبرى.. أما أسيز فهي البلدة الإيطالية التي أقام فيها يوحنا بولس الثاني بدعة "الصلاة الجماعية" لأول مرة، بين قادة مختلف الأديان العالمية، يوم 27/10/1986، ليستجدوا "إله كافة الديانات ليمنح السلام لعالمٍ وَصَمته آلام الإنقسامات والحروب"..


ولمن لا يعرف معنى عبارة "إله كافة الديانات" فى السياق الفاتيكاني نوضح أنها تعنى: "ربنا يسوع المسيح"!!..

وذلك هو ما نجح البابا الحالي فى انتزاعه بالخطاب المغرض الهدف والأساليب، الذي جعل 138 من القيادات الإسلامية في العالم يوقعون عليه، مقرّين، جهلا أو عن وعي، أننا نعبد نفس الإله - ويا لهول المهزلة!!

ومنظمة سانت إجيديو هي منظمة كاثوليكية تبشيرية تم تأسيسها في روما عام 1968، أي بعد قرارات مجمع الفاتيكان الثاني (1965)، التي ارست بدعة الحوار بين الأديان وتنصير العالم - والحوار هنا في نصوصهم يعنى "كسب الوقت حتى يتم الارتداد والدخول في سر المسيح".. وهي جمعية شديدة النشاط في المجالين الاجتماعي والدبلوماسي، وتعمل على المستوى المحلي والقومي والعالمي. كما يُعد الحوار بين الأديان من أهم نشاطاتها..


ويقام لقاء هذا العام احتفالا بمرور سبعين عاما على بداية الحرب العالمية الثانية، وعشرين عاما على سقوط حائط برلين والنظم الشيوعية في أوروبا الشرقية، من أجل "التوصل إلى طرق السلام والمصالحة".. ويقول موقع الفاتيكان أنه قد تم الإعداد للقيام "بحجّ غير مسبوق"، أى لأول مرة في التاريخ، سواء من حيث الحجم أو من حيث عدد المشاركين فيه، إلى موقع معتقل أوشفيتس-بيركنو، وذلك يوم 8 سبتمبر الحالى، "كعلامة للمصالحة والسلام للتأكيد على رفض جذري للعنف والحرب كأداة لحل الصراعات الدولية"..

ويبدأ برنامج الافتتاح يوم 6 /9 بقداس يترأسه الكاردينال دجيفتش، وبعد الظهر تعقد الجمعية الافتتاحية في استاد مدينة كراكوف. ويوم الاثنين 7 / 9 تقام 22 مائدة مستديرة في عدة أماكن بالمدينة، تتناول موضوعاتها عشرة محاور، هي: أوشفيتس، لا يمكن نسياهنا؛ ميراث يوحنا بولس الثاني؛ أمريكا اللاتينية في عالم متوحد؛ الأديان وتحدي المادية؛ حوار بين الدين والثقافة؛ الأديان في أسيا من أجل عالم بلا عنف؛ إفريقيا الفرص الواعدة؛ الأديان ونهضة إفريقيا؛ قوة الصلاة؛ الدين والعِلم"..

وفي اليوم الثالث والأخير، أي في يوم الثلاثاء 8 / 9، تقام مسيرة صامتة بطول الطريق المؤدي إلى معسكر الاعتقال بيركنو، والاحتفال بذكراه، بجوار النصب الدولي لضحايا النازية والفاشية!!. وفي بعد الظهيرة، بعد لقاءات الصلاة في أماكن مختلفة، سيجتمع أعضاء وفود الأديان في مسيرة سلام تؤدي إلى ميدان السوق حيث يقام حفل الختام..


وكان البابا بنديكت 16 قد استقبل يوم 31 أغسطس الفائت، رؤساء جمعية سانت إجيديو ، لتدارس اللمسات الأخيرة لذلك اللقاء الذي ستتم خلاله دراسة وتقييم مرور عشرين عاما على الحوار الذي بدأه يوحنا بولس الثاني، في نفس الأماكن التي عاش فيها ويلات الحرب وتجربة الحوار، بفضل أحد أصدقائه اليهود - حسبما أوضح موقع الفاتيكان.. ووضع ترتيبات ما بعده..


ويشير البيان إلى أهمية هذا العام، "من حيث الحضور الثري والهام لممثلين من مختلف بقاع العالم، والمنظمات المسيحية الدولية والديانات الكبرى، وبروتستانت وحاخامات، وحضور إسلامي هام من أندونسيا والهند ومصر والمغرب وتركيا ولبنان وساحل العاج وقطر، إضافة إلى ممثلين عن البوذية والهندوسية". وذلك بخلاف "رؤساء دول من قبرص إلى كوستاريكا، ومن ألبانيا إلى تيمور الشرقية، ومن بولندا إلى أوغندا"..

ومن أسلوب عرض الخبر، في حد ذاته، ومحاولة توسيع دائرة حضور مبالغ فيها بعبارات من قبيل "من.. إلى"، ندرك الأهمية المضفاة على ذلك اللقاء المشؤوم، الذى يتضمن تتويجا لعملية التطبيع الممجوجة مع الصهاينة، على الأقل فيما يتعلق بالمسلمين والعرب، فمن الواضح أن الوضع هنا له أبعاد أخرى!!. كما انه استمرار لمسلسل التنازلات المقنّعة التى يقدمها الفاتيكان للصهاينة.


وفي تحياته القلبية التي أرسلها البابا بنديكت 16، تحية للمساهمين في ذلك المؤتمر، بدأ قائلا:
"لا يمكننا ألا نتذكر الأحداث الدرامية التي أدت إلى صراعات بشعة في التاريخ وأدت إلى عشرات الملايين من الموتى وإلى ذلك الكمّ من المعاناة للشعب البولندي الحبيب؛ وصراع شاهد مأساة المحرقة وإبادة كمّ من الأبرياء. إن ذكرى هذه الأحداث تدفعنا للصلاة من أجل الضحايا ومن أجل الذين لا يزالوا يحملون آلاما في الجسد وفي القلب؛ ولتكن تحذيرا للجميع لكي لا يقعوا في تكرار مثل هذه الهمجية ولتكثيف الجهود لبناء سلام دائم في عصرنا الذي لا تزال توصمه الصراعات والخلافات، لنعطي للأجيال الجديدة ثقافة وأسلوب حياة يتميّزا بالحب والتضامن والتقدير للآخر".

"ومن هذا المنطلق فإن الأديان يمكنها بل ويجب أن تعطي الكثير بصفة خاصة لتدعيم العفو والمصالحة ضد العنف والعنصرية والشمولية والتطرف الذي يشوه صورة الخالق في الإنسان وتمحو أفق الله، وبالتالي تؤدي إلى احتقار الإنسان لنفسه. ليعاوننا الرب على بناء السلام انطلاقا من الحب والتفاهم المتبادل"..


ولو تأملنا بعض مفردات هذه الاحتفالية المغرضة على حدة، لطالعنا "الحرب العالمية الثانية"، وهو شأن لا دخل لنا به كشعوب إسلامية فقد كنا من ضحاياها ومعتدى علينا ولم نساهم في إشعالها؛ و"سقوط حائط برلين وسقوط النظام الشيوعي" هي من مخططات الفاتيكان والسياسة الاستعمارية الأمريكية، ولا دخل لنا بها إلا بانعكاسها علينا، بعد أن أصبحت السياسة الأمريكية قوة صليبية متفردة في الساحة العالمية تؤازر مساعي الفاتيكان الصليبية لتنصير العالم، بدءاً باقتلاع الإسلام والمسلمين.. وهو ما يدور حاليا منذ اختلاق مسرحية 11/9، القائمة على تل من الأكاذيب والمغالطات المثبوتة، وقد راح ضحيتها للآن، من أفغانستان وباكستان والعراق ولبنان وفلسطين، أكثر بكثير من عشرة ملايين من المسلمين.. وكل هذا الدمار المتعمّد واللا إنساني لا يعني شيئا في نظر قادة الغرب وفاتيكانه..


وإذا تأملنا "التحية القلبية" التي أرسلها البابا، كما قال، للمساهمين فى هذا المؤتمر، نجد أن كلها تدور حول تمجيد المحرقة والصهاينة، بل لقد أرسى فاحشة إجرامية لا سابقة لها في التاريخ بإعلانه عن إن الذهاب إلى مكان المحرقة هو ليس مجرد انتقال إلى مكان، وإنما هو مكان حجّ يحجّ إليه!!.. فهل وصل به الخلط إلى حد اعتبار المستعمرين -الغزاة- القتلة في مستوى المقدسات التي يُحج إليها؟!. إن كمّ التعنت الإجرامي المهين لقيامه برفع محرقة، مشكوك في أمرها أصلا، إلى درجة التقديس والمقدسات، محرقة تم فرض تصديقها على العالم بقرار من محكمة نارنبرج، ويجعل من الذهاب إليها مكاناً مقدساً يُحج إليه، وهو الذي أبى وتعالى عن الذهاب لمشاهدة ويلات المحرقة الحقيقية، التي لا تزال مشتعلة في قطاع غزة، لا من جراء عدوان الصهاينة الإجرامي في ديسمبر/ يناير الفائت فحسب، وإنما أيضا من استمرار حصار تعدى العامين ويؤدي فعلا إلى احتضار سكان غزة على مرأى ومسمع من الجميع، بعد أن تم الاستيلاء على أرض فلسطين ومقدساتها!!


أما الطامة الكبرى فتتمثل في فَهْم قبول تلك الوفود المسلمة والعربية الاشتراك فى احتفالية كل هدفها "مسيرة سلام للمصالحة مع الصهاينة"؟! كيف، ونحن كمسلمين وعرب، المعتدى علينا ونحن المسلوبة أراضينا ونحن المهانة كرامتنا بكل المقاييس؟!.. إلى متى ستظل تلك الحفنة من الهتّيفة تساق كما تساق الأغنام إلى المذبح؟!..

وتقف الكلمات حائرة بلهاء بحثا عن وصفهم بما يستحقونه.. فأي دعوة لمؤتمر ما هي دائما مصحوبة بسبب انعقاده، وتتضمن المحاور التي سيتم تناولها في النقاش والبرنامج الذي ستسير عليه الاحتفالية.. فلا يمكنهم قول أنهم ما كانوا يعرفون.. فكيف يسهمون في "مسيرة سلام ومصالحة" مع سفاحين رسميين وجزارين، داسوا على كل شيء في الوجود، حتى باتوا يتاجرون بأعضاء أبناء فلسطين؟؟ ويا لها من فضائح..


ولا أجد إلا لعنة الله لتكون في استقبال كل من شارك، لا في هذا المحفل الصهيوني فحسب، وإنما في تدهور حال المسلمين حتى باتت تتم مساومتهم على "سلام مزعوم" مقابل وجودهم.. سلام مسموم مقابل وجود الإسلام والمسلمين!!

وإلى ذلك الغرب الصليبي المتعصب، الذي تعدى فجوره السياسي كل الآفاق، وخاصة إلى "قداسة " البابا بنديكت 16، الذي بحاجة إلى مشاهدة أفعال الصهاينة الذين يدعو العالم للحج إلى نصبهم التذكاري والسجود لهم، أدعوهم لمشاهدة ما فعله الفوسفور الأبيض بمدارس غزة.


9/9/2009 م


المصدر: د. زينب عبد العزيز أستاذة الحضارة الفرنسية - بتصرف يسير