الوقف ... أدوار إنمائية

منذ 2016-01-19

يمتاز الوقف الإسلامي بأنه زاخر بحقائق مدادها نظام رباني، وتطبيق نبوي، وسنة متبعة في العهود الإسلامية؛ كثر خيرها وتوافرت دررها منذ القرن الأول، وإلى يومنا الحاضر.

وقد شُرع الوقف لتحقيق غايات ومقاصد من شأنها حفظ ضرورات الحياة بما يُصلح الدين والدنيا، وبما يوفر الحياة الكريمة ومتطلباتها وضروراتها، وأخرج بمؤسساته ومشاريعه وتطبيقاته على مر العهود الإسلامية نماذج وروائع يقف أمامها القارئ وقفة تقدير وإعجاب.

حقائق الوقف الإسلامي حقائق مضيئة وإشراقات منيرة؛ ننتقيها لنحيي بها سنة الوقف التي سنها رسولنا صلى الله عليه وسلم، وندفع بها الهمم والنفوس للبذل والعطاء ، لاستئناف مسيرة الوقف الإسلامي من جديد؛ جمعناها وغايتنا نشر ثقافة الوقف، وإحياء سنتة، وترغيب المسلمين للمساهمة في كل مجالاته ومساراته.

حقائق؛ شهد بها أهل العلم والاختصاص ، ووثقها الرحالة والمؤرخون من المسلمين وغيرهم، لتحفظ لنا الذاكرة والتاريخ ، لتبقى مفعمة بالخير والعطاء، وتثير الفخر في النفوس لاستمرار المشاريع الوقفية.

في هذه الحلقات نظمنا بعضاّ منها في عقد درّته " الوقف الإسلامي ودوره الحضاري"، لحفظ كنوز الوقف وروائعه وإشراقاته وإبداعاته، ليبقى الوقف الإسلامي بتشريعاته وأحكامه وخصائصه ومخرجاته لبنة أساس في نهضة المجتمعات والأمم.

وهذه الحلقة سنخصصها للحديث عن الوقف وأدواره الإنمائية:

1.  الوقف الإسلامي؛ نظام أثبت نجاحه على مر العصور، وآثاره وإنجازاته شاهدة على ذلك النجاح، ولهذا تضافر جهد العلماء، والفقهاء، وجهد الخلفاء والأمراء، وجهد الخيرين، والواقفين، وجهد عامة الأمة، في إيجاد الأوقاف، ورعايتها وحمايتها، ونمائها وديمومتها.
2.  الوقف الإسلامي؛ مجالٌ من مجالات تحريك الأموال واستثمارها، ويضمن الوقف بقاء المال وحمايته، ودوام الانتفاع به، والاستفادة منه أكبر مدة ممكنة، والمحافظة عليه من عبث من لا يحسن التصرف فيه.
3.  الوقف الإسلامي؛ له دور رئيسٌ في التنمية البشرية، فكانت مؤسسات الوقف تستوعب جُل الأيدي العاملة، وتعمل على كسب الكفاءات والتدريب والتأهيل لتنمية القدرات وصقل المهارات، بل وخصصت أوقافٌ لتدريب الأيتام وإكسابهم مهارات التعامل امتثالاً لقوله تعالى {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى} [النساء:6].
4.  الوقف - على مر العصور الإسلامية -كان مصدر تمويل دائم تتحقق به المصالح الخاصة والمنافع العامة، وإحدى الركائز الأساسية للنهضة الإسلامية الشاملة، حفظاً لحضارة الأمة وهويتها الإسلامية من خلال تحقيق المقاصد الشرعية والقيم الإسلامية، وحماية الثروات والأموال وصرفها في مصارفها الشرعية.
5.  الوقف الإسلامي - بمؤسساته ومشاريعه - كان الحجر الأساس الذي قامت عليه كثير من المؤسسات الخيرية والتطوعية، والإنتاجية، والتعليمة والصحية، والتنموية، فقد وعى المسلمون منذ القرون الأولى ما للوقف من مقاصد سامية ومصالح ملموسة في الحفاظ على مكانة الأمة وأمنها.
6.  الوقف الإسلامي كان وما زال حاضرًا في حياة الإنسان من مهده إلى لحده، سواء كان فقيرًا أم غنيًا، ملازمًا له في حياته ومماته، وأدركت الأمم غير الإسلامية ما فيه من مزايا قيمة، وأغراض سامية ، فعني كثير منها بوضع نصوص قانونية، لتنظيم نوع من التصرف يشبه الوقف في معناه، وأغراضه، وآثاره عندنا[1].
7.  الوقف الإسلامي أثره واضحٌ جليٌ على الدين والعلم والمجتمع والبناء والنماء، فبمشاريعه ومؤسساته حفظ الدين وثبتت العقيدة الصحيحة، وشاع العلم، وازدهر التأليف، ونما الاقتصاد، والعمران، واستقرت أموال وأحوال الناس بتحقق الأمن والرخاء، وطيب العيش في المدن والقرى.
8.  الوقف الإسلامي؛ حقق التوازن في المجتمعات وضمن مستقبل الأجيال القادمة بأن حفظ المال، وحماه من اعتداء المعتدين وضعاف الخُلق والدين والذين عملوا على استغلاله بل واستهلاكه ونهبه وتدميره في النهاية.
9. الوقف الإسلامي؛ تقاس به حضارة الأمم وتقدمها واستشعارها لمسئولياتها، ومشاركتها للعمل بما يخدم البلاد والعباد، لتنعم الأمة بالحياة الكريمة الهانئة. فهو عمل مؤسسي يمتاز بالاستمرار والتنظيم والتماسك والنماء وهو الأكثر تأثيرًا في المجتمع .
10.    الوقف الإسلامي؛ من أهم ميادين البر، وأغزر روافد الخير، وأفسحها مجالًا، وأعظمها أجرًا، وأبقاها عملًا، وأكثرها تأثيرًا، فقد كان للأمة خير معين، لسدّ حاجاتها، وسندًا لجهادها، ودعمًا لعلمائها ودعاتها، وحفظًا لهويتها وحيويتها، يحول الأفكار إلى أعمال حضارية مستمرة العطاء .
________________________
[1]- كتاب الوقف للشيخ عبد الجليل عبد الرحمن ، اعتنى بإخراجه د.عبد الله مزى ، المكتبة الملكية ، ط1 / 1430هـ/ 2009م  بمكة المكرمة ص 43 .

عيسى صوفان القدومي

- بكالوريس - تربية 1987م . - ماجستير - دراسات إسلامية 1998م . - دكتوراه - التاريخ والفكر الإسلامي 2012م.