لو كان الأمر بيدِي!!
منذ 2009-12-01
.. ولو كان الأمر بيدي لجعلت (شافيز) رئيسا للجامعة العربية !
لو كان الأمر بيدي لأدرجت الصراع مع الصهاينة في جميع مناهج التعليم في بلادنا، وقررت فيها الطريق إلى تحرير فلسطين وفق النهج الإسلامي، وأنه يمـرُّ عبر إعادة وحدة الأمة معتزة بدينها.
ولجعلت مادة، (قضايا الأمّة والصراع الدولي في ضوء القرآن والسنة)، مادة أساسية في كلّ كليات الشريعة، ومعاهد الخطابة، وتتناول ثلاثة مباحث رئيسة: المكائد الغربية على الأمة الإسلامية ودور الصهاينة فيها، رسالة الأمة الحضارية وكيف تقوم بها الأمـّة، النظام السياسي الإسلامي والطريق إلى استعادة دوره الموحّد والناهض بالأمة، ولو كنت مديرا لجامعة تدرّس الشريعة لوضعت في هذا العلـم مؤلفا، ومعـه متن، أو نظم، ليحفظه الطلاب، ذلك أنّ من أعـظم أسباب ظهور طائفتي: (السلعمانية)، و(السلعبيدية)، هـو غياب فقـه هذا العلـم بين طلاب الشريعة، حتى إنَّ أحدهـم ربما يتخرّج، وهـو يمشي بين الناس كالأهبل لايدري ما الذي يجري حوله!!
ومن الطرائف أنَّ سائلا سأل أحد هؤلاء عن موقف المسلمين في بلادهم ذات الصراع السياسي المحتدم من إحدى القضايا، فقال له المفتي: "تسمع وتطيع لولي أمركم"!!، فقال له السائل: "إنّ حاكم بلدنا العربي يا شيخ ـ وفق الدستور ـ من دين غير الإسلام أصـلا"، فلم يصدقه؟!!
ولو كان الأمر بيدي لفرضت على القنوات الإسلامية بثّ ساعة يومية موحّدة عن فلسطين، يُركّـز فيها على معاناة غزة، ويُطلب من جميع الدعاة أن يكون لهم دور في تحريض المسلمين على فكّ حصارها، وتثبيت أهلها على خيار المقاومة، ولو جُعلت هذه الساعة بثّا مشتركاً مع قناة الأقصى المباركة فبها، ونعمـت.
ولجعلت لقضية المسجد الأقصـى خصوصية أكبر، وأبرزتها في جميع وسائل الإعلام الإسلامية، بحيث تظهر على طرف الشاشة دائما، حتى يتم تحريره.
وبهذه المناسبة أقترح على جميع الحركات الجهادية أن تبني لها منبراً (رمزيا) حقيقيا للأقصى، وتُظهـر صورته على منابرها الإعلامية، من طالبان إلى فلسطين، مروراً بفصائل الجهاد في العراق، لإبراز التنافس على تحريره، وفي ذلك رسالة عظيمة تحيي في الأمّـة روح العزيمة على الانتصار، وترفع معنوياتـها، وتوحّدهـا على أعظم قضاياها.
ولو كان الأمر بيدي لجعلت أكثر من نصف الإنفاق في العمل الخيري الإسلامي في تأسيس شبكة عملاقة من القنوات الفضائية الداعية إلى الإسلام بكلّ اللغات العالمية المشهورة، مع أنّ هذا المشروع يتبنـّاه بعض الدعاة، وأُخبـرت أنهـم يعانون من صعوبـة إقناع المحسنين بأنّ الإنفاق الخيري في هذا المشروع العمـلاق أفضل وأجدى وأعظم بركة على المسلمين من غيره؛ لأنّ الناس إذا اهتدوا للإسلام، أو أحينـاه في قلوبهم سيبنون مساجدهم ومعاهد القرآن من أموالهم، وذلك خيـرٌ من أن نبني مساجد تكلّف الملايين وربمـا لا يصلّي فيها إلاّ النزر اليسيـر!!
وفائدة هذا المشروع ـ أيضا ـ أنه يكسر الطوق عن الحصار على الإسلام، ويُعجـز اعداءه عن ملاحقــته، ذلك أنّ الإسلام إذا انتشر في جميع الأرض بالإعلام الإسلامي بجميع اللغـات فسنوسّع ساحات انبعاثه، فربما يظهر فيه من الشعوب غير العربية من يقوم به إذ تخلّـى عنه العـرب، قال الحق سبحانه: {وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم} [سورة محمد: 38]، ولا ننسى كيف قام العثمانيون الأتراك بهذا الدين، فملؤوا الأرض من نوره، ونشروا حضارته، وحموا بيضته، قرونا متطاولة.
ولو كان الأمر بيدي لوفـّرت من أموال العمل الخيري قسطاً وفيـراً لضخّ السلاح إلى غزة استعدادا للمعركة القادمة التي يتوعـَّد بها الصهاينة إخواننا في حماس، وبقية الفصائل المجاهدة.
ولوضعت مشروعا يتعاون فيه الجميع لإزالة القيود التي فرضها الغرب على العمل الخيري الإسلامي، ليمنعهـا من نصرة قضايا المسلمين.
ولأعدت قضية استقلال الشيشان إلى الواجهة مرة أخرى، مع التأكيد على الاستفادة من الأخطاء التي أدّت إلى الفشل, فقد أصبح قديروف اليوم يسخـّر (الدعاة) لتثبيت حكم (بوتن) على الشيشان!!
ولو كان الأمر بيدي لجمعت العلماء، والدعاة، ونشطاء الصحوة، في مؤتمر عام، يؤخذ فيه الميثاق لنصرة الشعوب الإسلاميّة لاسيما في البلاد المحتلة، وعلى رأسها فلسطين ـ وإن كره الطغاة ـ وتوضع فيه البرامج الدعوية، التي تحلّ فيهـا مفاهيـم ثقافة العـزّة والمقاومة، مكان ثقافة الانهزام، ونهج دعـم مشاريع النهضة والتغيير، بدل مشاريع الخنوع للواقع، وينبثق عن هذا المؤتمر، تجمعٌ لعلماء ليس فيهم متشوّف لمنصب دنيوي، ولا طامع في تزلـّف لسلطة، ولا خائف من عصا سلطان، تجمـّع يمـدّ الجسور إلى كلّ الحركات التي تقاوم الطغيان الغربي على العالم، ويغطيها بشرعية الإفتاء، وسلطانه الباهـر على القلـوب، والعقول.
ولجعلت الحركة الجهادية تضع لنفسها دستـوراً يشبه دستور طالبان، يضبط مسيرة الجهاد المباركة، ويحـدد الثوابـت، ويترك مساحة للإجتهاد الذي تعذر فيه الحركات الجهادية في المتغيرات، ليحميها من الغلـوّ والعبثيّة، والفوضى والجهل، وشتات الرأي، والراية، والصراع الداخلي، وشطحات العجلة، و(العنتريات ) في غير محلّهـا، وحرق المراحـل بسذاجة سياسية مثيرة لشفقة المحبّ، وسخرية العـدوّ ! مما حوّل بعضها إلى وقود يحرق في مشاريع أخرى من حيث لا يشعرون!!
ولو كان الأمر بيدي لأمرت بأن يُنشـر بين الحركات الجهادية كيفية الاستفادة من وسائل العصر ـ كما استفاد النبيُّ صلى الله عليه وسلم من وسائل عصره ـ في إدارة الصراع، ومنها الوسائل الإعلامية، والطرق السياسة العصرية كالمناورات السياسية وعقد التحالفات والالتفاف على أهداف العدوّ سياسيا، وكسب الرأي العام لصالح مشروع الجهاد، وكيفية إدارة الأزمات ..إلخ، فجهل هذه الوسائل في عصرنا تماما كجهل أنواع الأقواس، أو كيفية حصار القلاع في الأزمنة الماضية، فهـي مؤثرة جداً في واقعنا المعاصر.
ذلك أنَّ المطّلـع على بعض التجمّعات يجدها في (عتمة أميّة سياسية) قـد جعلتـها عرضة لإتخاذ خطوات عميـاء في إدارة الصـراع، فصارت نتيجتـها أنها تحاصر نفسها بنفسهـا، وربـّما تقضي على مشروعها وهي لا تدري، أو تتحوّل إلى أداة بيد غيرها، وذلك أدهى وأمـر.
ولو كان الأمر بيدي لجمعت الفصائل الجهادية في العراق ـ وغيره أيضا ، وقلت العراق لأنهّـا الأكثـر خلافا للأسف ـ لوضع ميثاق شرف يؤكـّد فيه الجميع على شعار (كلّ البنادق نحو العدوّ) ويغلب روح الأخوة الإسلامية، ويطرد دعاة الشقاق، ومؤجّجـي نار الخلافات، وروح الفرقة، بنشر المطاعن، وتوزيع الاتهامات، وتصيّد الأخطاء، فذلك كلّه لا يخرج إلاّ ممن لا يبتغي وجه الله في الانتصار للأمّة، بل همُّه منصـبُّ على نصر حزبه، وجماعته، فهـو يضـيق ذرعـاً بإنجازٍ لغير طائفـته، وذلك هو داء الشحُّ الذي قال عنه النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «أهلك الذين من قبلكم» [رواه مسلم].
ولوكان الأمر بيدي لمنعت كلَّ من لا يعرف بالتتلمذ على شيوخ العلم، ويُعلـم كونه متأهلا للفتوى، منزّهـا عن التزلـّف للحكومات، متجرداً عن الطمع في المناصب أن يفتـي في قضايا الأمّة الإسلامية، وأن يُضرب على يد العابثين بقيادة الرأي في الأمـّة، حتى أسلموها لكلّ مفلس، فضلا عن أشباح (النيك نيم)!!، والمجاهيل في ظلمـة (المناهيـل) ..إلخ
ولجعلت لمنابـر العلوم الشرعية، أوقافـاً تغنيها عن قيـود السلطات الفاسدة، وتقوم هذه الأوقاف بأعباء إغناء العلماء عن الحاجة إلى أحـد، حتى يتـمّ تحرير الفتـوى من أغلال الطغاة، فقد أفسـدوا فيها أيمّـا إفساد.
ولوضعت في كلِّ قطر إسلامي مؤسسات معنية بالهجوم على مشاريع التغريب الثقافية، وكشف زيفها، بتأهيل الدعاة، والمفكرين، لذلك.
ومن آخر خبائثهم ما قاله خبيث في صحيفة الثقافة اليمنية عدد 503، يتهم فيه القرآن بالتحريف بمقال بعنوان (أخطاء عمرها أربعة عشر قرنا)!!، وفي جميع البلاد العربية من هذه الحثالة، شرذمة يتبنـّاها الغرب الصليبي، وينفخ في هزالها الثقافي والأدبي ليفرضها على الساحة الثقافية بالقرارات السياسية والهيمنة الإعلامية، وإن التصدّي لهم لمن أعظم الواجبات، لاسيما أولئـك الذي ينشطون هذه الأيام، في عقـر دار الوحي، في جزيرة الإسلام، من أحفاد مسيلمة الكذاب لعنهم الله.
ولو كان الأمر بيدي لجعلـت الحكـّام العرب في بيت أفقر أسرة في غـزّة، وجمعت لهم أطفال غزة يلقون عليهم محاضرات عن الكرامة وعـزّة الإيمان وأهداف الأمّة الإسلامية، ثم بعد ذلك خيرتهم بين أن يطبقوا هذه المحاضرات ويوحّدوا الأمـة لمواجهة تحدياتها، أو يرحلوا ـ قاتلهم الله ـ عنـّا.
ولأعدت ترتيب البنوك الإسلامية، وتنظيم تعاملاتها وفق الشريعة الإسلامية؛ فقد دخل عليه كثير من الأخطاء، والتخبّط، والمعاملات غير الشرعية، فأفقدتها رسالتها، ومن أعظم أسباب ذلك، أخذهـا الفتوى ممن يتقاضى راتبـه منها، وكان الواجب أن تكون ثمة هيئة منفصلة تتقاضى راتبا من أوقاف مستقلة، هي التي تفتي للبنوك الإسلامية!!
ولو كان الأمر بيدي لجعلت (شافيز) ـ فإنا لله وإنا إليه راجعون ـ رئيسا للجامعة العربية، ولو مؤقّـتا، على الأقل حتى يتم إصلاح النظام العربي بالإسلام، ثم لعله يسلم هذا البطل، فيستمر في منصبه.
ولأمرت بتأليف كتاب (شرايين مفتوحة) جديد، يحصي جرائم أمريكا، وبريطانيا، والصهاينة في بلادنا منذ قـرن ـ بالتواطؤ مع خونة الزعماء العرب ـ وأمرت بتوزيعه نسخة مجانية لكلّ بيت مسلم من جاكرتا، إلى نواكشـوط، وشمالا إلى استانبول، وجنوبا إلى عدن، على حساب منظمة المؤتمر الإسلامي، بدل هذه المؤتمرات التي تعقدها بلا فائدة، وتنفق عليها الملايين!!
ولو كان الأمر بيدي لأضفت إلى قناة (صفا) المباركة، قنوات أخرى تفضـح الفكر الباطني السردابي القادم من طهران، والمتآمر على أمّتنا، الحالم ببناء إمبراطورية عنصرية باطنية على حطام حضارة الإسلام.
ولو كان الأمر بيدي لجمعت كلَّ القوى في اليمن في إتجاه إحباط مخطط الحوثيين، وإفشال مشروع تقسيم اليمن، ليس حبـَّا في نظام حكم عربي فاشل، ولكن دفعا لأعظم شـرّ بتحمّل ما دونه.
وكذلك جعلت الأولوية لإفشال المخطط الإيراني على دول الخليج والبلاد العربية والإسلامية، فشـرّ واقعنا المريـر، أقـلّ من ذلك الشـرّ بكثيــر، وتوحيد الجهـود لدحر المـدّ الصفوي، مقـدّم على ما سواه.
ولتعـلم الأنظمة التي تريد مواجهة المشروع الصفوي الذي يرفع شعار أممي، ويتجاوز حدود المستعمر برسالة حضارة، تريـد مواجهـته بشعار الوطنية القزم والأحمق والفارغ، أنهم إلى طريق الفشل سائرون، والإيرانيون سيجرونهم إلى معارك مخطط لها؛ لاستدراجهم إلى استنزاف يضعفهم، ولا يُستبعد دعمٌ خفي للغرب!!
ولو كان الأمر بيدي لنشرت هذا المقال في كلّ مكان راجيا من الله ثوابه، ولكن هذا البيان، وعلى الله البلاغ، وهو حسبنا ونعم الوكيل، نعم المولى، ونعم النصير.
حامد بن عبد الله العلي
أستاذ للثقافة الإسلامية في كلية التربية الأساسية في الكويت،وخطيب مسجد ضاحية الصباحية
- التصنيف: