الحوصيـُّون!!
منذ 2009-12-07
"الذين يختارون صبَّ الزيت على لهب الصّراع سيحترقون بنيرانه": متكي وزير خارجية إيران عن الأزمة الحوثية!!
"الذين يختارون صبَّ الزيت على لهب الصّراع سيحترقون بنيرانه": متكي وزير خارجية إيران عن الأزمة الحوثية!!
هكذا أطلق وزير الخارجية الإيراني تحذيره شديد اللهجة، مرسلاً رسالة إلى دول الخليج مفادها أنَّ الحوثيين ماهم إلاَّ واحدة من النيران التي أحاط بها النظام الإيراني الخليج الذي لايعترف به إلاَّ (فارسيّا) -الخزان النفطي الأعظم في العالم- ليستعملها في مشروعه التوسعي.
ولاريب أنَّ -كما ذكرنا ذلك مرارا سابقا- التصدِّي للمخطَّط الصفوي على رأس الأولويات ومن أوجب الواجبات، ويخطىء خطأ فادحـاً الذين يحسـنون الظنَّ بالحوثيين -ولا أقول الزيدييين- وكذلك الذين يريدون أن يوقفوا استئصال فتنتهم، كما ضلَّ الذين أحسنوا الظنَّ بحزب حسن نصر من قبل، وقرؤوا مشروعه بسذاجة مثيرة للشفقة، وقـد بيَّنت عوارها في مقال (الانتصار للشيخ ابن جبرين -صبَّ الله عليه شآبيب رحمته- والردّ على السـذّج والمخدوعين) قبل 3 سنوات عندما كان المخدوعون يطبلون لـ(انتصارات) حسن نصر الوهميّة.
ولكن تعالوا بنا لنقرأ المشهد حول باب المندب بصراحـة قــد آن أوانهـا، وبصورة أدق حان زمانـها:
فمن الواضح أنَّ النظام الإيراني استطاع أن يحقـِّق في اليمن إختراقا هائلا وخطيراً جداً أوصله إلى أنَّ يجـر دول الخليـج إلى أزمة عويصة ليس من السهل التكهُّن بمستقبلها، وأنَّ النظام الإيراني إنما عيْنُه على السيطرة على باب المندب -أعطاهم أفورقي جزيرة يدعمون منها الحوثيين!!- كما مضيق هرمز...
وهدفه أن يضع دول الخليـج أمام مأزقـيـن:
أما أن تواجه المشكلة مواجهة مباشرة ولا (تحوص) عنها، أعني مواجهة النظام الإيراني الذي لم ينفـكّ يشعل عليها النيران منذ نجاح الثورة الخمينية، وهذا يعني وضع نفسها أمام صـراع يرى النظام الإيراني أنـه غير متكافئ مع نظام ثوري هائل القدرات العسكرية والدهاء السياسي.
وقد وزَّع مخالبه الحاقدة في كلّ مكان داخل وحول دول الخليج محيطا بها خاصرة الخليجيين من جميع النواحي، طولا من العراق الذي فُتح فيها مكتب للحوثيين -أو يكاد- وأُعلـن فيه الدعم اللامحدود لهـم إلى الطائفة الإسماعيلية المحاذية لليمن، وعرضـاً من الحجاز التي يحرص فيه الإيرانيون على الوجود الدائم في الحرمين والتهديد باستغلال الحج، إلى المنطقة الشرقية التي يعيث فيها شيعة القطيف فسادا.
والمأزق الثانـي أن تبقى دول الخليـج تنجـرَّ لحروب الاستنزاف بالوكالـة التي تثقل كاهلها إلى جانب مشكلاتها، والتمدُّد الصفوي داخل كياناتها -الأخطر في الكويت مستفيداً من اتصاله مـع جنوب العراق- حتى تضعف وتتهاوى، ليتلقـّف ثمار ذلك المشروعُ الصفوي ولو على حطام تقسيم جديد للجزيرة العربـية... يعطي للشيعة دولة لليمن، وشرق وجنوب السعودية، وجنوب العراق، وربما مـع الكويت، والبحرين، في صفقة تاريخية مع الغـرب، ينطلقون منها إلى حلم فارس الكبـرى الذي تتساقط كلّ الدول العربية تحت قدميه!!
وليت شعري إنَّ المدهـش في هذا المشهد لذلك البون الشاسـع بين المخطط الرهيب للمدّ الإيراني في دول الخليج الموالية لأمريكا والصمت الأمريكي تجاهه، وأعجـب منه منح أميركا الضوء الأخضر للدعم الإيراني للحوثيين عندما صرحت تصريحا أزعج الحكومة اليمنية أنه لا دليل على تدخل إيراني في الأزمة الحوثية!!، أما غضُّهم الطرف عن الدعم المالي اللامحدود من تجار الكويت والخليج للجيوب الصفوية من لبنان إلى صعدة فليس له تفسير سوى أنَّ الصفقة التي لا زالت تجري بينهم وبين الإيرانيين على شيء ما لم تضع أوزارها بعـد!!
ذلك أنَّ هاتين القوتين المتصارعتين على هذه المنطقة قـد تختلفان على كلِّ شيء سوى هدف واحد لا يختلفون عليه أبـدا وهو تحطيم حضارة الإسلام وإطفاء نورها، أولئك بدافع الأطماع الصهيوصليبية، وهؤلاء بأحقاد دين باطني لا يرى له عدوَّا سوى الإسلام وأهله.
ولعمري لقد أخطأ صدام حسين في أمور كثيرة، ولكنه قطعا أصاب كبـد الحقيقة في رؤيته للخطر الصفوي، وأنَّ طريقة مواجهته يجب أن تكـون بدايتها ونهايتها هي ضرب رأس الحية، هذا ولا شيء سواه.
وأما الحيوص عن ذلك كما تفعل دول الخليج فهو عين البلاء ودرك الشقاء، وهـو تحقيق لهدف النظام الإيراني نفسه.
ذلك أنه يتحـرّك في الأزمة الحوثية ومثيلاتها على هذه الأهداف:
أولا: تشتيت الجبهات على دول الخليج وتفريق الحرائق فيها ليضعها أمام مشكلات متعددة تمزقها؛ حتى تنشغل بذلك عـن مواجهـة الخطر الإيراني المتمدِّد.
ثانيا: يستغل فتح هذه الجبهات ورقات تفاوض يستفيد منها في رفع شروط صفقته مع الغرب التي يصـرّ فيها على قبول الغرب بإيران الدولة المحورية الأولى في المنطقة وعقد الصفقات الكبرى معها لوحدها وتهميش دور الدول الأخرى كلّها.
ثالثا: إرسال رسالة تحذير لمن يريـد إثارة الداخل الإيراني بأنَّنـا قادرون على فعل العكس معـكم.
ولاريب أنَّ النظام الإيراني يعلم أنـّه لن يحصل على فرصة مواتية لما يفعله في دول الخليج أفضل مما هي الآن؛ فسلطـة عمان موقفها الغامض حمل سلطانها على الطيران إلى نجاد يهنئه بعد إخماد المعارضة مباشرة!!، والكويت تنهشها (الصراعات الهابطة وسط الأخطار المحدقـة)، وقطر كعادتها تصافح كلَّ الأيدي، والبحرين على شفا جرف، والسعودية تعيش ما تعيشه من مشكلات الداخل التي تزداد سوءا، وها قـد جاءتها مشكلة الحوثيين لتطمّ الوادي على القرى!!
إلى جانب أنَّ النظام الإيراني نجح في سرقة الخطاب الحضاري الإسلامي بنفاق علمته التقيّة عبـر القـرون كيف يتقنه!!، فأظهر دول الخليج بصورة المتآمر على الأمّة، المتخلـِّي عن قضاياها، حتى بدت كثير من الشعوب العربية لا تبالي بما أصابها.
هذا والناظر فيما يـرى لتصيبيه الحيرة في كلِّ ما جرى ويجري، فكيف آل الأمر بهذه الدول أن تمنـح العراق الذي استطاع أن يحميها من عدوِّها الألـدّ؟!، وكان الأقـدر على فهم الخطر الصفوي ونهج التعامل معه!! تمنحـه للنظام الإيراني بالسماح باحتلال العـراق على حسابها الشخـصي؟!! ، دون أن ينفق النظام الإيراني في ذلك فلسـاً!!
وقـد فعلت ذلك، وهي تعلم أنَّ الدائرة ستدور عليها!!!
وكيف بقيت تتغاضى عن كلِّ المشكلات الداخلية التي ستتحول إلى ألغام يفجرّهـا النظام الإيراني فيهـا؟!!
وكيـف أهملت اليمن حتى عشَّش فيها شيطان الحوثـي الإيراني، وباض، وفرَّخ.
وكيف انجرت إلى أن تحارب مشروعها النهضوي بأيديها وتقطع كلّ علاقة لها بامتدادها السنّي المقاوم في العالم الإسلامي!!!، حتى تخلـَّت عن المقاومة في فلسطين لصالح إيران بل حاربتـها!!
وكيف ألقـت بنفسها في أحضان الخداع الصهيوأمريكي، ففرَّطت في أسباب القوّة الذاتية، حتى صارت جيوشها هزيلة ضعيفة بالنسبة لدول المنطقة، وكيف وثقت في الحماية الأمريكية لها، وهي ترى بأمِّ عينها إلى أي حال يصير من يثق فيها في كلِّ مكان؟!!
وليس بخاف الجـواب، وذلك أنّ الفـرق بين النظام الإيراني ودول الخليج -وكلّ الدول العربية الأخرى- أن النظام الإيراني قرر أن يحمل مشروعا حضاريا عالميا، ويدخل حلبة الصراع العالمي منافسـاً، وهذه الفكرة الكبيرة حملته على أن يأخـذ بوسائل وأدوات المنافسة التي ينشدهـا، وهي سنن وضعها الله تعالى لأسباب القوة فغـدا يسخـّر لها الثروة والجهود حتى تحول إلى قوة مؤثرة، تظهر بصورة النـدّ للقوى العالميـة، وهي تعلم أنه مهما طال الزمن فالغرب سيقبل في النهاية بالتفاوض مع القوي، وأمّـا الضعفــاء فسيتحولون إلى بنود المفاوضات!!
بينما أرادت دول الخليج أن تبقى تابعة، واضعة رقبتها في طوق أمريكا، وليس لديها فكرة حضارية وراء ذلك، ففرطت في كلِّ أسباب القوة الذاتية، بل عملت على تعطيل ما بيدها منها، حتى أصبحت اليوم نهبا لكل طامع، تنهشهـا أنياب كلّ جائع.
وقد ذكــرنا مراراً أنـّه لا سبيل لهـم إلى الخروج من مخالـب الخطــر الصفوي بأن يكونوا (حوصيين)، يحيصون عن مواجهة التحدّيات بالاختباء وراء غيـرهم، بل بإصلاح حالهم مع الله أولاً، ومع علماءهم، ومفكرين، وشعوبهم ثانيا، واستجماع أسباب القوى الذاتية ثالثا، والقيام بمشروع الأمة الحضاري بما فيه احتضان المقاومة لسحب البساط من تحت الصفويين رابعا، وإصلاح ما أفسدوه في العراق لإعادته كما كان درعا واقيا، وقلعة للأمّة خامسا، وتبنّي (المظلوميات) داخل إيران سادسا، وإعلان الحرب على المد الصفوي حتى إنهاء خطره.
ووالله لو أنهم فعلوا ذلك فسيكتشفون أن هذا الخطر الصفوي أشدّ هشاشة من الهشيم، وأنه إنما يقتات على ضعفهم وتفرقهم وشتات أمرهم فحسب.
أما مـا هم فيه الآن من التخبـُّط، فليس سوى استدراج لشَرَك العدوّ نفسه.
فإما أن يلطف الله تعالى بالأمّة فيهلك الصفوية من داخلها، أو يسلط الله عليها عدوَّا آخر، سائلين ربنا اللطيف ذلك،
وإلاَّ فإنـّه سوف يشغل المنطقة بالفتن إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعـولا .
اللهم هل بلَّغـت، اللهم فاشــهد.
والله المستعان، وعليه توكلنا، حسبنا الله ونعم المولى، ونعم النصيـر.
المصدر: موقع الشيخ حامد العلي
حامد بن عبد الله العلي
أستاذ للثقافة الإسلامية في كلية التربية الأساسية في الكويت،وخطيب مسجد ضاحية الصباحية
- التصنيف: