سؤال ولدي المتكرر

منذ 2016-02-03

كيف نفهم تقدم العصاة والبعيدين عن ربهم في شئون الدنيا، وغناهم، وقوتهم التكنولوجية، في وقت يعاني منه المسلمون والمؤمنون ويلات الألم في الحياة؟!

سألني ابني الصغير: كيف نفهم تقدم العصاة والبعيدين عن ربهم في شؤون الدنيا، وغناهم، وقوتهم التكنولوجية، في وقت يعاني منه المسلمون والمؤمنون ويلات الألم في الحياة؟! ولمعرفتي أنه سؤال يلح على أذهان كثير من أبنائنا أردت التعليق عليه، فقلت له: إن الله سبحانه قد جعل للكون قوانين ونواميس لايحيد عنها، وجعل أسبابًا لكل نتيجة.

فقد ساوى في شأن المادة والأسباب بين جميع الناس، فمن أخذ بالأسباب فقد طبق القانون الكوني، ومن أهملها فقد أهمل الشرط. لكنه سبحانه وعد المؤمنين بالتوفيق والسداد والرعاية إن هم أطاعوه واتقوه، {وَمَن يَتَّقِ اللَّـهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا} [الطلاق:4​]، إذن فالمؤمن الذي يأخذ بأسباب النجاح الحياتي يتفق فيه أمران: القانون الكوني والتوفيق الإلهي؛ فيكون عمله مباركًا ويثاب عليه إن هو أخلص فيه لربه.

وأما غير المؤمنين، فيجازون بحسب جهدهم وعملهم، فالله يعطي الدنيا للمؤمن وغيره إذا هم سعوا إليها، لكنه لايعطي الآخرة إلا لمن يحب من المؤمنين. على جانب آخر فبعض الناس يريد الحياة نقية بلا شائبة، صافية بلا كدر، فإن أصابه بلاء انزعج وطار عقله باحثًا عما يمكن أن يفرغ فيه طاقته المكبوته من أمور الدنيا، ويبحث جاهدًا عن زيادة المتاع ويزداد تعلقه بزخرف الحياة ناسيًا التعلق بالله ربه.

وقد ذكر الله مثاله ووصف وصفه بدقة القرآن الكريم في آيات تدعو للتدبر يقول الله تعالى: {وَ مِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ فَإِنْ أَصابَهُ خَيرٌ اطمَأَنَّ بِهِ وَ إِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَب عَلى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَ الاَخِرَةَ ذَلِك هُوَ الخُْسرَانُ الْمُبِينُ. يَدْعُوا مِن دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضرُّهُ وَ مَا لا يَنفَعُهُ ذَلِك هُوَ الضلَلُ الْبَعِيدُ. يَدْعُوا لَمَن ضرُّهُ أَقْرَب مِن نَّفْعِهِ لَبِئْس الْمَوْلى وَ لَبِئْس الْعَشِيرُ. إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَ عَمِلُوا الصلِحَتِ جَنَّتٍ تجْرِى مِن تحْتهَا الأَنْهَرُ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ . مَن كانَ يَظنُّ أَن لَّن يَنصرَهُ اللَّهُ فى الدُّنْيَا وَ الاَخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسبَبٍ إِلى السمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطعْ فَلْيَنظرْ هَلْ يُذْهِبنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظ} [الحج:11-15].

والبعض الآخر -من جانب آخر- يظن أنه كلما تقرب إلى الله سبحانه أقبلت عليه الدنيا، وذهبت عنه الآلام بالكلية، وصفت له الحياة فلا مصيبة ولا مشكلة، ويتوقع أن تكون الدنيا مفتوحة له والأمور سهلة عليه ولا إزعاج له في شأن من الشئون، وكلاهما فهم خاطىء؛ فقد جعل الله سبحانه من سننه في خلقه أن الحياة لاتصفو من كدر، كما شاء سبحانه أن يبتلي المؤمنين بأنواع الابتلاءات والاختبارات، وكلما كان العبد في إيمانه أقوى وأعلى كلما كان ابتلاؤه أشد واختباره أصعب.

وليس هناك أرقى ولا أعظم مقامًا من مقام النبي صلى الله عليه وسلم بين الناس، وليس هناك أكرم على الله منه، ومع ذلك فقد ابتُلي صلى الله عليه وسلم وأوذي أشد أنواع الابتلاء والإيذاء. وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من يرد الله به خيرًا يصب منه» (أخرجه البخاري) . وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أراد الله بعبده الخير عجل له العقوبة في الدنيا, وإذا أراد الله بعبده الشر أمسك عنه بذنبه حتى يوافي به يوم القيامة» (أخرجه الترمذي وصححه الألباني). وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله تعالى وما عليه خطيئة» (أخرجه الترمذي وصححه الألباني)فهذه الأحاديث وغيرها تبين لنا أن الله سبحانه يبتلي أهل الإيمان؛ ليختبرهم ويعلم الصادق من الكاذب، وكذلك ليطهرهم وينقيهم من ذنوبهم حتى يلقوه وما عليهم ذنب.

فعلينا أن نُري الله منا خيرًا، وأن نصبر في ابتلاءاته واختباراته سبحانه، وأن نعلم أن فيها خيرًا كبيرًا لنا وحكمة عظيمة لا ندركها، فنرضى بكل ما أصابنا الله به ولنسلم به ولنصبر عليه وليلهج لساننا بحمده عز وجل في كل حال. قال سبحانه: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ. وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت:3]. 
---------
خالد رُوشه