دراسة لأسباب الاحتقان الطائفي في مصر

منذ 2009-12-28

ما سألت أحدا عن التوزيع الديني في مصر إلا و أعطاني رقما بعيدا جدا عن الصحيح. انظر الرسم البياني وسترى العجب...


لقد كثر الكلام جدا عن الاحتقان الطائفي في مصر، ونحن هنا بصدد تحليل هادىء لأرقام واقعية لها مؤشرات ودلائل خطيرة. وننوه أنه إن لم يتم التعامل معها بذكاء وفطنة فقد يصل الأمر إلى حد الانفجار حيث تساق البلد قهرا لتنفيذ مخططات تتفق مع برنامج لا يخدم إلا أعدائنا.

كما ننوه بعد أن يتبين المسئول الحقيقي عن ذلك الاحتقان، أننا لا نرضى باتخاذ ردة الفعل العنيفة كحل قد تترتب عليه خسارة أكبر في غالب الأمر، بل لابد من مراجعة هادئة من كل فرد مسلم، وأن يشعر بأهمية المسئولية الموكلة إليه والملقاة على عاتقة، وأن يأخذ بكل أسباب القوة المادية والمعنوية المتاحة. ذلك الأمر أصبح ضروري اليوم أكثر من أي وقت سابق.


دراسة لأسباب الاحتقان الطائفي في مصر

أولا: التوزيع الديني في مصر

ما سألت أحدا عن التوزيع الديني في مصر إلا و أعطاني رقما بعيدا جدا عن الصحيح. انظر الرسم البياني وسترى العجب. حتى لا يتهمنا أحدا بالادعاء الكاذب، الأرقام مأخوذة عن الإحصاء المصري الرسمي حتى عام 1988. بعد ذلك العام قدمت الكنيسة التماسا للرئيس المصري لعدم إذاعة الرقم حتى لا تثار فتنة، والحقيقة أن هذا التعتيم كان الهدف المقصود منه هو خدمة أجندة يديرها بعض متعصبي النصارى كما سنبين بإذن الله تعالى.
الرقم الخاص بعام 2009 هو احصاء صادر عن أحد مراكز الدراسات في نيويورك، و يمكن اعتباره جهة محايدة تماما. كما أنه متوافق مع الأرقام الخاصة بالأعوام السابقة.


ثانيا: ملاحظات عامة

- النسبة الحالية للنصارى (تقترب من 5%) أقل بكثير مما كان يتوقعه الغالب الأعم، وهو ما يعزز الرؤية أن الكنيسة تبذل دورا كبيرا جدا لتأخذ حجما أكبر من قدرها. يمكنك هنا استعادة عدة مشاهد: الحرص على بناء الكنائس عند مداخل القاهرة، كما يبدو جليا جدا مشهد الكنيستين المتقابلتين في أحد مداخل العاصمة. والسؤال هنا هل ازدحمت إحداهما حتى يبنون أخرى مقابلة لها. هذا فضلا عن الحكم الشرعي لبناء الكنائس في بلاد إسلامية.

- نسبة غير المسلمين في تناقص دائم: فقد تناقص العدد وباطراد من 8% عام 1948 إلى ما يقارب 5% عام 2009 (في 60 عاما فقط!!!). وهنا يجيبك د.جمال حمدان في كتابه الموسوعي "شخصية مصر" موضحا أن ذلك يرجع لعاملين أحدهما هو قلة عدد المواليد لدى النصارى، و الآخر هو دخول العديد منهم في الإسلام ولله الحمد.

- الإسلام دين الفطرة: نعم فها هي الصورة جلية أمامنا لتحول سكاني تلقائي إلى الإسلام بالكامل. لم نرى إجبارا أو إكرها، بل على العكس الدعوة الإسلامية محاربة، و يكتم كثيرا جدا من النصارى العائدين إلى دين الفطرة إسلامهم خوفا من العاقبة.

- التوزيع السكاني غير متوافق أبدا مع التوزيع الاقتصادي في مصر: فالنصارى يسيطرون على الاقتصاد المصري بنسبة كبيرة جدا (تصل إلى %30-40%) ، وربما هذا ما أعطى انطباعا سائد بالكثرة العددية. هذه السيطرة راجعة إلى عدة أسباب:

- المواجهة التي غرر بالحكومة لخوضها مع ذوي التوجه الإسلامي ومحاربتهم اقتصاديا. خذ مثلا قضايا شركات توظيف الأموال، ثم اعتقال ومصادرة أموال رجال الأعمال لدى جماعة الإخوان وهو ما قد صب في النهاية في إضعاف الاقتصاد لدى الأغلبية المسلمة عما كان ينبغي أن يكون عليه.

- الحرية الاقتصادية الكاملة المتروكة لرجال الأعمال النصارى، وليس ذلك فحسب بل المساندة والدعم من جانب الدولة. هذا المناخ غير المتكافىء قد يضع مصر في مأزق يبكي عليه الجميع في القريب العاجل.

- الثقافة الاستهلاكية لدى الغالب الأعم من المسلمين في هذا العصر، والجري وراء تفاهات بدلا من بناء أنفسهم لأداء الدور المأمورين به من تبليغ الرسالة.

- ضعف التعليم لدى كثير جدا من المسلمين، وهذه نقطة يجب التركيز عليها، وتحتاج إلى بحث منفصل بذاته.

- السيطرة على الإعلام غير متوافقة أبدا مع التوزيع السكاني: فتجد شخصية قبطية شهيرة تمتلك قنوات تلفزيونية وصحف بالإضافة إلى أحد أكبر المواقع المصرية على الانترنت، و بالتأكيد يستخدم هذه الوسائل الإعلامية لخدمة أهدافه سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.



ثالثا: ردة فعل هوجاء للكنيسة

- هنا ينبغي علينا أن نتذكر تحذير تم إطلاقه في أحد مؤتمرات الكنيسة بأن النصارى في مصر عرضة للانقراض كالديناصورات، بل وصرحوا علانية (في مؤتمرهم الكنسي) بأنه لا صحة لهذا العبث الذي يثيرونه في الإعلام من أن الفتيات يتم اختطافهن وإجبارهن على اعتناق الإسلام.

- كل هذا الخوف دفع الكنيسة إلى ردة فعل هوجاء تتمثل في محاولة دعم الأنشطة التنصيرية من خلال مواقع البالتوك وقنوات تنصيرية على الانترنت وبعض الأنشطة التنصيرية السرية التي بدأت تظهر إلى العلن. وينبغي التأكيد ثانية على خطورة هذا الوضع فهم وإن كانوا لا ينجحون في اصطياد إلا المغفلين والفاسقين إلا أن خروجهم من الإسلام هي خسارة كبيرة لهم أنفسهم فوالله ما بعد الدنيا من دار إلا الجنة أو النار. هذه الأفعال لا تزيد الزيت إلا غليانا.

- الصياح العالي جدا عندما ينتشر خبر دخول أحد في الإسلام، والضغط على الحكومة المصرية لتسليمه إليهم. وهو ما أدى إلى أن أصبحت الحكومة المصرية في موقف حرج جدا (الجميع مازال يذكر قضية وفاء قسطنطين، وإن كانت ليست الوحيدة ولكنها الأشهر). لذلك لابد من وجود منبر إعلامي يتعامل مع هذه القضية ويكسب الرأي العام المسلم و يوجهه بأسلوب رشيد للدفاع عن المسلمين الجدد.

- التركيز من جانب وسائلهم الإعلامية على الهوية الفرعونية لمصر في محاولة لطمس الهوية الإسلامية، وقد انساق ورائهم بعض المخدوعين.

- تساؤل منطقي: لا يمكن أبدا إنكار شبهة التواطؤ والعمل المنظم بتوجيه من الكنيسة المصرية للسيطرة على موارد الاقتصاد والإعلام ومحاولة تضخيم حجم النصارى في مصر لتمرير دعوى أنهم مظلومين وحقوقهم مهضومة!!!


رابعا: نهاية حتمية إن استمر هذا السيناريو

- مع الوقت بدأ يسري شعور بين المسلمين (95%) بأنهم مضطهدون بشكل واضح في بلد يشكلون أغلبيته. قارن بين استيلاء الكنيسة الواضح على أراضي الدولة باعتراف كبار رجال الكنيسة بأنفسهم و تسامح الدولة معهم، في حين تقوم الدولة بهدم مستشفى خيري إسلامي لأن من أنشأه هم الإخوان المسلمون!!! (والقياس على ذلك كثير)

- استمرار الأمر على هذا الوضع سيؤدي إلى تغلغل أكبر للنصارى و امتلاك أكبر لموارد الدولة قد يؤدي مع الوقت إلى مسخ الهوية الإسلامية شيئا فشيئا. هذا سيؤدي إلى زيادة الاحتقان الطائفي شيئا فشيئا مما سيقود حتما إلى الانفجار.

- أحمل الكنيسة المصرية ببرنامجها و أجندتها المسئولية الكاملة ن حالة الاحتقان الطائفي، وأدعو المسئولين في مصر إلى التنبه لهذا الأمر وأخذ حيطتهم.

- قد يظن النصارى أنهم يستخدمون الغرب لتحقيق أهدافهم، ولكن في حقيقة الأمر هم من يتم استخدامهم فعلا، فهم بافتضاح حقيقة عددهم القليل هذا (بل والمتناقص أيضا) لن يمكنهم المطالبة بشيء. إن كل دورهم الذي يستعملون للقيام به هو التمهيد لإخراج المشروع الإسلامي من مصر ومحاولة تغريبها لتكون خادم مطيع للمشروع الصهيوصليبي.


خامسا: أنسب الطرق للتعامل مع هذه المعضلة

سأتحدث هنا عما يمكن للأشخاص الجادين فعله، أما دور الدولة فليس هذا مكانه ولا أوان ذكره.
- محاولة استعادة السيطرة على موارد الدولة الحيوية:
- ينبغي على المسلمين التخلي عن الثقافة الاستهلاكية المقيتة التي جعلتهم في ذيل الأمم. وفعلا تنافس الدنيا و الجري وراء التفاهات لا يجلب إلا نهاية الأمة، فقد جاء في الحديث "ما الفقر أخشى عليكم من بعدي، ولكن أخشى أن تفتح عليكم الدنيا فتنافسوها كما تنافسها الذين من قبلكم فتهلككم كما أهلكتهم".

- الاهتمام بالتعليم والثقافة العامة على أعلى المستويات. ينبغي لكل مسلم أن يهتم بدراسة العلوم الشرعية الرئيسية و توجيه أبنائه لها فالفترة القادمة يتوقع لها أن تكون فترة فتن ولابد من العلم من أجل الوقاية، ثم يتوسع بعد ذلك في القراءة في شتى المجالات حتى يتم تشكيل جيل قوي لا يمكن لأحد أن يستغني عنه (حتى وإن كان يرغب في ذلك). عندها ستتغير القوة الفاعلة وتنتقل إلى من هو أحق بها وأهلها.

- يدخل في التعليم و بناء الأمة أن يتم التركيز على توجيه الشباب الملتزم للعمل في مجال التعليم سواء المدرسي أو الجامعي وأن يكونوا قدوات طيبة، فذلك باب كبير جدا للإصلاح لا يمكن إغفاله.

- التركيز على التفوق في العمل "ولكن مع المحافظة على الثوابت الشرعية" حتى لا تضيع المناصب ذات السطوة من بين أيدي المسلمين الذين حملوا أمانة تبليغ الحق إلى الكون كله. هذه نقطة هامة جدا.

- ضرب عرض الحائط بكل دعاوي تحديد النسل، فهذه الدعاوي في حقيقة الأمر لا تهدف إلا إلى تغيير التركيبة السكانية للحصول على مكاسب أكثر.

- الدعوة إلى الله بين المسلمين وغير المسلمين، ففي النهاية الأمر ليس صراع عرقي أو قبلي، بل هو صراع بين الحق والباطل، فمن كان عدوا لك بالأمس يمكنه أن يصير من أشد مناصريك غدا إذا تغلغل الإيمان في قلبه. وهنا يجب على المرء أن يكون داعيا إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة.

- نشر حقيقة وخطورة الموقف بين عوام المسلمين وتبيين أن هناك مكيدة يتم تدبيرها بليل حتى يكون الجميع على وعي من المخاطر الحقيقية.

- محاولة إيجاد منابر إعلامية قوية وواعية لصد الهجمة الفرعونية، التي ما هي إلا خطوة لطمس الهوية الإسلامية.


نكتفي بهذا القدر الآن وللحديث بقية حول حقيقة دعاوى اضهاد النصارى في مصر.

 

المصدر: محمد نصر