لكم دينكم ولي دين

منذ 2010-01-03

مما لا شك فيه أنه لا يخفى على كل مسلم حال الأمة الإسلامية اليوم، لكن البعض لا يدرك ولا يستطيع أن يستوعب الأشكال المختلفة للمؤامرات التي تدار لمحاربة الإسلام ومحاولة هدمه كمنهج وعقيدة داخل قلوب المسلمين.

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه وبعد،


مما لا شك فيه أنه لا يخفى على كل مسلم حال الأمة الإسلامية اليوم، لكن البعض لا يدرك ولا يستطيع أن يستوعب الأشكال المختلفة للمؤامرات التي تدار لمحاربة الإسلام ومحاولة هدمه كمنهج وعقيدة داخل قلوب المسلمين.

فإن الظاهر للعالم أجمع هو الاضطهاد للمسلمين ومحاولة إبادتهم بالقوة العسكرية واحتلال البلاد الإسلامية. لكن الخطر الأكبر هو محاولة اقتلاع الإسلام من جذوره من قلوب المسلمين وهى سياسة قديمة للحاقدين على الرسالات السماوية في كل زمان، فهذا بولس اليهودي الذي حقد على النصارى فتظاهر بأنه نصراني وأخترع مفهوم التثليث (أي أن الله ثالث ثلاثة) وأدعى إلوهية عيسى عليه السلام وتبعه النصارى بعد ذلك.

فهذا الفساد في المعتقد أشد من القتل واستخدام القوة العسكرية لأن أي فئة مهما تعرضت للاضطهاد العسكري مع امتلاكها لعقيدة سليمة ومنهج يمكن أن تهاجر إلى أي مكان ينعدم فيه الاضطهاد وتستمر دعوتهم، لكن إذا تم هدم عقيدتهم بداخلهم فهذا استئصال لتلك الفئة وإبادة لهم، وإن كانوا أحياء لكن دعوتهم ماتت.

وأشد شيء على المسلمين ما يتعرضون له الآن من تلبيس الحق بالباطل وسياسة قلب المفاهيم وتغييرها واستخدام عبارات صحيحة وتفسيرها تفسيراً باطلاً، وإسقاط الأدلة في غير موضعها.

ومن هذه المفاهيم التي جهلها المسلمون وحاول أعداء الإسلام تغييرها بالكلية واقتلاعها من قلوب المسلمين مفهوم (الولاء والبراء) وهذه محاولة لبيان مفهوم الولاء والبراء مع تصحيح بعض التصورات الخاطئة واسأل الله أن يجعل لها قبولاً وأن تكون خالصة لوجهه وتكون نصراً للإسلام ونفعاً للمسلمين.


مفهوم الولاء والبراء:


الولاء والبراء أو الحب في الله والبغض في الله من أوثق عرى الإيمان. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله» [حسنه الألباني بمجموع طرقه].

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «من أحب لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد أستكمل الإيمان» [صحيح رواه أبو داود وصححه الألباني].

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «المرء مع من أحب» [رواه البخاري ومسلم].

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «المرء على دين خليله» [مسند أحمد -إسناده صحيح].

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار» [صحيح مسلم]

وقال ابن عباس رضي الله عنهما: "من أحب في الله وأبغض في الله ووالى في الله وعادى في الله فإنما تنال ولاية الله بذلك ولن يجد طعم الإيمان وإن كثرت صلاته وصيامه حتى يكون كذلك".

لكن ما معنى الموالاة؟ ومن أمرنا الله أن نواليه؟ ومن أمرنا أن نتبرأ منه ونعاديه؟

الجواب:- معنى الموالي كما جاء في لسان العرب المحِب والناصِر والتابِع والحليف والمنعم عليه، والموالاة ضد المعاداة، والموالاة: المتابعة.


فهذه بعض معاني الموالاة:

أمر الله أن نوالى المؤمنين قال تعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} [المائدة:55-56] فأمر الله بموالاة المؤمنين وأختصهم بذلك وقال تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌٌ} [التوبة: 71].

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه»[متفق عليه]. فأختص الأخوة بالمسلمين.

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إنما وليي الله وصالح المؤمنين»[رواه البخاري].

وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُم مِّنَ الْحَقِّ} [الممتحنة: 1].

فأمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم بموالاة المؤمنين، ولا يجب صرف معاني الموالاة من محبة ونصرة ومتابعة ومناصحة إلا لمؤمن، وحذر تعالى في تلك الآية من موالاة الكافرين وأمر ببغضهم والبراءة منهم ومن كفرهم لمعاداتهم لرب العالمين.

وقال تعالى: {لَّا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ۖ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَن تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً ۗ وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ ۗ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ} [أل عمران: 28]، فأخبر الله تعالى أن من والى الكافرين فقد تبرأ الله منه لأنه ترك ولاية المؤمنين ولا يجتمع النقيضان.

وقال تعالى: {لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ۚ }[المجادلة: 22]، فأخبر الله تعالى بأن الإيمان بالله واليوم الآخر ومودة الكافرين لا يجتمعان في قلب مؤمن.

وأمر تعالى بالتأسي بإمام الأنبياء والعالمين إبراهيم عليه السلام فقال تعالى: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّىٰ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُُ} [الممتحنة: 4].

وفى تلك الآية قدم الله البراء من الكافرين العابدين لغير الله على البراء من معبوداتهم من دون الله، لأن الإنسان قد يتبرأ من كل معبود من دون الله ولا يتبرأ ممن عبدها فلا يكون أتى بالواجب المفروض عليه مع ملاحظة أن قوم إبراهيم عليه السلام لم يكونوا محاربين كما يزعم البعض.

وقال تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ * إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ * وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الزخرف:26-28]،ومعنى {جَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ} هي لا أله إلا الله أي مولاة الله والمؤمنين والبراء الواجبة من الكافرين ومعبوداتهم.

وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ ۘ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [المائدة: 51] فنهى الله المؤمنين عن موالاة اليهود والنصارى وبين لهم حرمة ذلك، وأخبر أن من والاهم فهو منهم.


وبين سبحانه وتعالى أن موالاة الكافرين سبب لعن الأمم السابقة تحذيراً لنا كي لا نقع في مثل ما وقعوا فيه فيصيبنا ما أصابهم من سخط الله تعالى، فقال تعالى:
{لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ ۚ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ* تَرَىٰ كَثِيرًا مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ} [المائدة: 78 -80].

وعن عمرو بن العاص قال سمعت النبي صلى الله عليه و سلم جهاراً غير سر يقول: «إن آل أبى ليسوا بأوليائي إنما وليي الله وصالح المؤمنين ولكن لهم رحم أبلها ببلاها» [رواه البخاري].ومعنى ببلاها أصلها بصلتها.

فتبرأ النبي صلى الله عليه وسلم من أهله لكونهم كفار ونفى ولايتهم عنه.
فهذه بعض نصوص القرآن والسنة التي تبين صراحة وجوب محبة وموالاة المؤمنين والتبرؤ وبغض الكافرين ومعبوداتهم.

فهذا أصل من أصول الإسلام كما هو واضح إلا أن هناك شبهات يلقيها أعداء الإسلام والمنافقون تنفيذاً لمخططات الكافرين لتغيير المفاهيم وقلب الموازين لتغيير العقيدة الإسلامية وتمييعها داخل نفوس المسلمين.
وإن شاء الله بعد عرض الشبهات المثارة والرد عليها يتضح لكل مسلم مدى الافتراء والكذب على الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ويظهر الحق لمن أراد الحق.


الشبهة الأولى:

يعلل البعض موالاة الكافرين بحجة أن الإسلام دين محبة وليس دين كراهية وعداوة فكيف تكون البراءة إذًا من الكفار.

الجواب:

إنها كلمة حق أراد قائلها باطلاً. نعم الإسلام دين محبة وليس دين كراهية وعداوة، لكن ليس معنى هذا أن المحبة تكون للأشياء والمعتقدات الباطلة المبغوضة لله، فمثلًا أهل العصيان الذين يرتكبون المعاصي من ُشْرب خمر وسرقة وقتل وزنى وظلم وطغيان هل يقول عاقل بأنه يجب على المسلمين محبتهم ومحبة أفعالهم لأن الإسلام دين محبة؟ بالطبع لا.

وأكبر المعاصي الشرك بالله لذلك فأرحم الراحمين لا يغفر لمن أشرك به، قـال تعـالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَىٰ إِثْمًا عَظِيمًا } [النساء: 48]، لأن الشرك بالله أكبر من سائر المعاصي التي تقع على الأرض، كما أن التبرؤ من الشرك وأهله ليس معناه ظلمهم وأكل حقوقهم بالباطل ولا معاملتهم بسوء خلق. بل يكون العدل فيهم مع البراءة من شركهم دعوةً لهم للإسلام، وواجبًا شرعيًا أمر الله ورسوله به حتى ينجوا في الدنيا والآخرة.

فالبغض الذي يأمر الإسلام به إنما هو رحمة بغير المسلمين وحكمة رب العالمين وسنة النبيين كما أخبر الله عن أبى الأنبياء إبراهيم عليه السلام: {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِّلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ ۚ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ} [التوبة: 114].
ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة حين قال: «إن آل أبي ليسوا بأوليائي ولكن لهم رحم أبلها ببلالها يعني أصلها بصلتها» [رواه البخاري].

إن قوله صلى الله عليه وسلم في أبى العاص بن أمية وكان مشركاً أول أمره ثم أسلم وحسن إسلامه، فانظر كيف يتبرأ النبي صلى الله عليه وسلم من أهله بشركهم ومع ذلك يصل الرحم، فأعلن عداوتهم والبراءة منهم، وأنهم على باطل ومع تلك المعاملة الطيبة وصلة الرحم تكون الدعوة للإسلام.

وحديث أسماء بنت أبى بكر حين قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: «يا رسول الله قدمت علي أمي وهى راغبة أفأصل أمي قال: نعم صلي أمك»[رواه البخاري].
فنزلت الآية: {لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينََ} [الممتحنة: 8]. أنظر تفسير القرآن العظيم لابن كثير، فأنظر إلى العدل والرحمة والحكمة، وليس كما يزعم أهل الزيغ أن المحبة والرحمة معناها موافقة الكافرين على كفرهم وإقرارهم عليه.

وأخيراً، إن المحبة الحقيقية هي محبة الهداية لأهل الملل الكافرة ومحبة إخراجهم من الظلمات إلى النور والخوف عليهم من خسران الدنيا والآخرة إن ماتوا على كفرهم، فهذه المحبة الحقيقية التي من متطلباتها بغض ما هم عليه من كفر بالله ورسوله.

وأنظر إلى هذا المعنى في فعل النبي صلى الله عليه وسلم عندما زار الغلام اليهودي وهو على فراش الموت، فذهب إليه النبي صلى الله عليه وسلم خوفًا عليه من أن يموت على الكفر، وأمره أن يسلم فأسلم، وخرج النبي صلى الله عليه وسلم من عنده وهو يقـول: «الحمـد لله الذي أنقـذه بي من النار» [رواه البخاري].

وفى قصة أبى طالب حين حضرته الوفاة فزاره النبي صلى الله عليه وسلم وعرض عليه الإسلام خوفًا من أن يموت كافرًا لكنه أبى، ومات على كفره خوفًا من معايرة قومه له مع علمه بالحق. فانظر إلى فعل النبي صلى الله عليه وسلم الذي هو رحمة للعالمين، ولنا فيه أسوة حسنة، فهذه هي المحبة الحقيقية التي تدفع كل مسلم أن يدعو غيره من الملل الكافرة للإسلام، وبالطبع يكون ذلك بطريقة حسنة، فهذه هي المحبة بمفهومها الصحيح، وليس كما يفعله منافقي عصرنا وتبعهم في ذلك الجاهلون من إعلان أن الكفار من يهود ونصارى على حق وأن عقيدتهم سليمة ولا فرق بينهم وبين المسلمين، وحتى لو كان هذا على سبيل المجاملة فهو تضليل وخداع وليس محبة ورحمة.


الشبهة الثانية:

يقول البعض أن اليهود والنصارى ليسوا كفارا لأنهم أهل كتاب وأصحاب أديان سماوية فكلها من عند الله ولا فرق إذًا بين المسلمين وبين اليهود والنصارى.

الجواب:

هذه الشبهة احتوت على أكثر من خطأ وإليك بيان الحق فيها.

الخطأ الأول:

قولهم "أن اليهود والنصارى ليسوا كفارًا فهذا مخالف لصريح القرآن والسنة النبوية.

قال تعالى: {للَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ۖ} [المائدة:72].

وقال تعالى: {لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ ۘ وَمَا مِنْ إِلَٰهٍ إِلَّا إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۚ ٌ} [المائدة:73] فهم زعموا أن عيسى بن مريم إله وبعضهم قال أبن الله تعالى الله عما يقولون.

وقال تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ۖ ذَٰلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ ۖ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَبْلُ ۚ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ ۚ أَنَّىٰ} [التوبة: 30].

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار»[رواه مسلم].

الخطأ الثاني:

قولهم "إن اليهود والنصارى ليسوا كفارا لأنهم أهل كتاب وأصحاب أديان سماوية".
نعم اليهود والنصارى أهل الكتاب وأصحاب دين سماوي، فهذا قول حق مقصود به باطل. ليس معنى أنهم أهل كتاب أنهم مؤمنون لأنهم كفروا بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم فاليهود قتلوا الأنبياء والنصارى أدعت الإلوهية في عيسى بن مريم عليه السلام وكلاهما حرفوا كتبهم وفرقوا بين الله ورسله وآمنوا ببعض وكفروا ببعض فذكر الله مصيرهم فقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ أُولَٰئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ} [البينة: 6].

ومع أنهم أهل كتاب إلا أنهم لا يعلمون توحيد الله عز وجل لذلك لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل إلى اليمن قال له: «إنك تقدم على قوم من أهل الكتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه أن يوحدوا الله تعالى» [رواه البخاري].

وقال تعالى في اليهود والنصارى: {فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَٰذَا مِنْ عِندِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا ۖ فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا يَكْسِبُونَ} [البقرة: 79].

فاليهود والنصارى أهل كتاب لكنهم كفروا بكتبهم وحرفوها وسبوا الله تعالى كما في الحديث الصحيح عن أبى هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «قال الله: كذبني بن آدم ولم يكن له ذلك وشتمني ولم يكن له ذلك فأما تكذيبه إياي, فقوله: لن يعيدني كما بدأني, وليس أول الخلق بأهون علي من إعادته, وأما شتمه إياي فقوله: اتخذ الله ولداً و أنا الأحد الصمد, لم ألد و لم أولد, ولم يكن لي كفوا أحد»[/color] [رواه البخاري].

والشتم: الوصف بما يقتضى النقص ودعوى الولد لله يقتضى الحدوث وهو غاية النقص لله سبحانه.

وقال تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ ۚ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا ۘ} [المائدة: 64].
وهل من يسب الله سواء كان من أهل الكتاب أومن غيرهم يكون مـؤمنًا نعوذ بالله من الخذلان والعمـى.

الخطأ الثالث:

قولهم: "لا فرق إذاً بين المسلمين وبين اليهود والنصارى"

هذا عدل الظالمين لأن هناك فارقًا كبيرًا بين أهل الإيمان وأهل الكفران، وبين أهل التوحيد وأهل التثليث وبين من ينزهون الله من كل نقص ومن يصف الله بكل نقص.

فهم أدَّعَوا لله الولد والزوجة وقالوا أن الله مات وأنه تعالى ثالث ثلاثة، فهل من العدل التسوية بين الحق والباطل وقد قال تعالى: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ } [القلم: 35-36]. وإن كان الله لم ُيَسوً بين الطائع والعاصي فكيف يسوى بين المؤمن والكافر؟.

قال تعالى: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ ۚ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [الجاثية: 21].

وقال تعالى: {وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَىٰ وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلَا الْمُسِيءُ ۚ قَلِيلًا مَّا تَتَذَكَّرُونَ} [غافر: 58]

فكيف يسوى بين أهل الإيمان والبصائر وبين أهل الكفر والعمل؟!

ولم يُسَوِّ الله بين أهل العلم وأهل الجهل قال تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ۗ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ } [الزمر: 9].

فإن العدل ليس المساواة المطلقة بل العدل المساواة بين المتماثلين، والعدل أيضاً يعنى وضع الشيء في موضعه فهذا هو المفهوم الصحيح.

وليس من العدل إطلاق أوصاف الإيمان والحق على أهل الكفر والباطل فيكون ذلك عين الظلم، أما من طمس الله على قلبه وبصيرته فيرى الحق باطلًا والباطل حقًا ونعوذ بالله من الخذلان ونسأل الله أن يجعل لنا نورًا يكون لنا فرقاناً لرؤية الحق والإيمان وتجنب الباطل والكفران.


الشبهة الثالثة:

ينكر البعض أن اليهود والنصارى كفار ويستدل على أنهم مؤمنون وهم والمسلمون سواء ببعض آيات القرآن في غير موضعها كقوله تعالى: {كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ} [البقرة: 285]. وقوله تعالى: {وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَىٰ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ} [المائدة: 82]. وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات:13].

الجواب:

البيان الإجمالي: تلك الآيات ليس فيها دلالة على أن اليهود والنصارى مؤمنون أو أنهم والمسلمون سواء لأنهم بتروا ما قبلها وما بعدها ليلبسوا على الناس دينهم، وأمثال هؤلاء كمثل من يقول قال تعالى: {لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ} [النساء:43]. وقوله تعالى: {فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ} [الماعون:4]. ويستدل بها على أن الله حرم الصلاة وأنه سيعذب المصلين فهل يصح ذلك؟ بالطبع لا، لأن الآيات خارجة عن سياقها وغير كاملة فقال تعالى: {لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [النساء: 43] وقال تعالى: {فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ} [الماعون: 4-5] فعندما تتم الآيات يظهر المعنى المقصود بها.

واليك الجواب التفصيلي:

الآية الأولى: قوله تعالى: {كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ} [البقرة: 285].

الآية ليسـت متعلقة لا باليهود ولا بالنصارى، ويكفى لمعرفة المقصود قراءة الآية من أولها قال تعالى: {الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ۚ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ ۚ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۖ غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} [البقرة: 285].

فالآية تتحدث عن الرسول عليه الصلاة والسلام ومن آمن معه، فهم آمنوا بما أنزل الله إليهم ولم يفرقوا بين الله ورسله ولم يفرقوا بين أحد من رسله ولم يؤمنوا ببعض ويكفروا ببعض، بل آمنوا بالله وملائكته وكتبه ورسله إيمانا كاملاً ثم قال تعالى: {كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ} .

وهذا إجمال بعد تفصيل فـ{كُلٌّ} هنا عائدة على النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته. فالآية ليس لها علاقة باليهود والنصارى لا من قريب ولا من بعيد، بل تتحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته وإيمانهم بما أنزل إليهم وما أنزل من قبل وطاعتهم ودعائهم وتسليمهم لأمر الله.

أما من يقول أن {كُلٌّ} عائدة على أهل الملل الثلاثة فهذا ميل عن الصواب ومحاولة لتحريف المعنى الصحيح لكلام الله لاستدراج وخداع البسطاء من المسلمين لتغيير عقيدتهم إرضاءً للكافرين. نسال الله العافية.

الآية الثانية: قوله تعالى: {وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَىٰ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ} [المائدة:82].

الإستدلال بهذه الآية على أن النصارى مؤمنون وأنهم على حق فهذا باطل، لأن المذكورين في الآية هم القسيسون والرهبان الذين يؤمنون بعيسى كنبي وليس كإله ويؤمنون بالتوراة والإنجيل قبل تحريفهما، ويؤمنون بالنبي صلى الله عليه وسلم من خلال تبشير الكتب السماوية السابقة به ويكفى لمعرفة المقصود من الآية قراءة الآية التي بعدها قال تعالى: {وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَىٰ أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ ۖ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ * وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَن يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ} [المائدة:83-84].

قال ابن كثير في تفسير الآية (82) عن عبد الله بن الزبير عن أبيه "أنها نزلت في النجاشي وأصحابه".

وقال بن عباس "حبر الأمة" في الآية (83) "أنهم كانوا كرابين (فلاحين) قدموا مع جعفر بن أبى طالب من الحبشة فلما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن آمنوا وفاضت أعينهم".

فالمقصود بالنصارى والقسيسين والرهبان المذكورين في الآية هم الذين آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم وأسلموا لله رب العالمين وهؤلاء مثل ورقة بن نوفل والنجاشي كانوا نصارى ومن اليهود عبد الله بن سلام ومخيرق.

لذلك قال تعالى في أهل الكتاب المتبعين للحق: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ * وَإِذَا يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ} [القصص:52-53]. فهم كانوا يؤمنون بالنبي صلى الله عليه وسلم ولما سمعوا القرآن آمنوا به وعلموا أنه الحق واتبعوه.

أما اليهود والنصارى اليوم فهم لا يؤمنون بالرسول صلى الله عليه وسلم ويكذبونه ولا يؤمنون بالقرآن بل يعادون الإسلام وأهله، ويحاربونهم بالسلاح تارة وبإلقاء الشبهات تارة أخرى قال تعالى فيهم: {وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [البقرة:120]. وقال تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} [المائدة: 72]، وقال تعالى: {لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ} [المائدة: 73].

وأخبر الله تعالى قول عيسى لهم: {إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ ۖ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ} [المائدة: 72].

الآية الثالثة: قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات: 13].

يستدل بعض الجهال والمنافقين بهذه الآية على محبة اليهود والنصارى وأنهم والمسلمون سواء بسواء ولا فارق بينهم، انظر كيف يفترون على الله الكذب، والمعنى الصحيح للآية كما ورد في كتب التفسير أن جميع الناس في الشرف بالنسبة الطينية إلى آدم وحواء عليهما السلام سواء، وإنما يتفاضلون بالأمور الدينية وهى طاعة الله تعالى ومتابعة رسوله صلى الله عليه وسلم، فتفاضل الناس عند الله تعالى بالتقوى لا بالأحساب، ورأس التقوى الإيمان بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فإن ذهب ذلك الإيمان تساوى الناس في البشرية. لكن من الناحية الدينية فإن الله لا يقبل من عبد عملاً إلا بالإيمان كما قال تعالى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الزمر: 65].

ومن ذلك يتبين لك أن الإستدلال بهذه الآية على صحة اعتقاد اليهود والنصارى وأنهم متساوون هم والمسلمون في صحة الإعتقاد، وكلهم على حق وكلهم سواء فهذا باطل، بل هم متساوون في النسبة الطينية البشرية أما من الناحية الإعتقادية الإيمانية فهم كفار بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم ولا يقبل الله منهم صرفًا ولا عدلاً يوم القيامة.

أما من يحتج بأن لبعض الكفار أعمالاً حسنة وجليلة وخيرية ويحتج بأنهم أفضل من المسلمين لتلك الأعمال، فنعم قد يكون لهؤلاء الكفار أعمال خيرية إلا أنهم يجازون بها في الدنيا وليس لهم في الآخرة حسنة ولا يقبلها الله منهم قال تعالى: {وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ} [التوبة: 54]. وقال تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّىٰ إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ ۗ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [النور: 39]. وقال تعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا} [الفرقان: 23]. وقال تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَّهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ} [محمد: 8] أي أحبط أعمالهم.

وعن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: قلت يا رسول الله بن جدعان كان في الجاهلية يصل الرحم ويطعم المسكين فهل ذاك نافعه قال: «لا ينفعه إنه لم يقل يومًا رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين» [رواه مسلم].

وقال تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ * عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ * تَصْلَىٰ نَارًا حَامِيَةً} [الغاشية: 2-4].

قال ابن عباس في قوله تعالى:{عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ} "هم النصارى" أخرجه البخاري في كتاب تفسير القرآن سورة هل أتاك حديث الغاشية.


الخلاصة: أن الأعمال الحسنة للكفار إنما يجازيهم الله بها في الدنيا، وفى الآخرة ما لهم من نصيب، وهذه الأعمال ليست دليلاً على صحة إعتقادهم ولا مبررًا لولايتهم، لأن أقدار العباد إنما بالتقوى فإن ذهب الإيمان فلا وزن للعبد لا في الدنيا ولا في الآخرة. قال تعالى: {أُولَٰئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا} [الكهف: 105].


الشبهة الرابعة:

يقول البعض: إن من حسن الخلق ومن سماحة الإسلام تهنئة الكفار من اليهود والنصارى بأعيادهم، وعلل البعض ذلك بأنهم يهنئون المسلمين بأعيادهم، وبالمقابل يجب على المسلمين تهنئتهم بأعيادهم.

الجواب:

الأمر الأول: من الردود على الشبهات السابقة تبين أن السماحة وحسن الخلق ليس معناه موافقة الآخر على باطله ومعاونته أو مشاركته في ذلك الباطل، وخاصة إن كان ذلك الباطل هو الشرك بالله، فهذا لابد من التبرؤ منه وعدم موالاة أهله، لأن ذلك أمر الله وسنة الأنبياء كما سبق بيانه.

الأمر الثاني: إن هذه الأعياد مرتبطة بالعقيدة وتهنئتهم بأعيادهم ومشاركتهم فيها تعنى ظاهرًا الموافقة أو الرضى بها وإقرارهم على ما هم عليه، وإن كان من يشارك في تلك الأعياد لا يعتنق نفس العقيدة فهو على خطر عظيم بجهله بفعله هذا.

واليك بعض أعياد النصارى وأشهرها وانظر بم يحتفلون، ليكون المسلم على بصيرة من أمره:

ـ عيد القيامة المجيد: يحتفل النصارى في هذا اليوم بقيام الرب (المسيح) بعد صلبه وموته ثلاثة أيام.
ـ عيد الميلاد (الكريسماس): يحتفلون بمولد المسيح (الإله أو ابن الإله).
ـ عيد رأس السنة: هو من الأعياد المبتدعة عند النصارى حيث يعتقدون فيه بعض الخرافات ويشربون الخمر وغير ذلك ويشاركهم المسلمون في تلك الطقوس بجهل ودون دراية بما هم عليه.

ونسأل من يشارك ويهنئ بتلك الأعياد هل يوافق ويرضى بما يقولونه ويفعلونه؟!

ولاشك أن المشاركة في تلك الأعياد من أقبح صور الموالاة المحرمة لذلك قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ ۘ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة:51]، وقد روى ابن أبى حاتم عن محمد بن سيرين قال: قال عبد الله بن عتبة: ليتق أحدهم أن يكون يهوديًا أو نصرانيًا وهو لا يشعر، لهذه الآية.

والإستماع للإحتفال بمثل هذه العقائد الفاسدة من علامات النفاق، قال تعالى: {بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا . الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ۚ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا . وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ۚ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا} [النساء:138-140].

ففي هذه الآيات أمر الله سبحانه وتعالى بعدم الجلوس عند الإستهزاء بآيات الله والكفر بها، ومن أعظم الكفر ما تقوله النصارى بأن لله ولد وأنه مات وأنه ثالث ثلاثة، تعالى الله عن ذلك.
ثم أخبر تعالى أنه من يستمع لهذه العقائد فهو مثلهم وحكم عليه بالنفاق وأنه يحشر معهم يوم القيامة، نعوذ بالله من الخذلان.

وانظر جزاء من أعان قومه على باطل فيما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «مثل الذي يعين قومه على غير الحق كمثل بعير تردى في بئر فهو ينزع منها بذنبه» [صححه الألباني]. ولا شك أن تهنئة الكفار بتلك الأعياد الكفرية إعانة لهم.

فتبرأ الله ورسوله ممن يعين صاحب باطل على باطله، وأعظم الباطل الكفر بالله ومن يدعى لله ولدًا وأنه سبحانه مات ثم قام، فهذه المعتقدات من أشد الأمور فسادًا وجرمًا يقشعر منها قلب وجلد كل مؤمن، حتى الجمادات لا ترضى هذا القول: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَٰنُ وَلَدًا * لَّقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا * تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَٰنِ وَلَدًا * وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَٰنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا * إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَٰنِ عَبْدًا * لَّقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا} [مريم: 88-95].

فالسماوات والأرض فزعت من ذلك القول فكيف بالمسلم الذي يوحد الله يشارك ويبارك ويفرح بتلك الأعياد التي يسب فيها الله جل وعلا صراحة، فهذا مناقض للعبودية لله، لذلك قال تعالى في وصف عباد الرحمن {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ} [الفرقان: 72] ومعنى "الزور" أعياد المشركين كما قال ابن عباس وأبو العالية وابن سيرين وغيرهم من الصحابة والتابعين.

أما كون اليهود والنصارى يهنئون المسلمين بأعيادهم، فليس معنى ذلك أن يقوم المسلم بتهنئتهم بأعيادهم مقابل ذلك، لأن المسلم صاحب حق، فالأولى أن يدعوهم إلى الحق الذي هو عليه، فإن لم يستطع دعوتهم فلا يشاركهم في باطلهم وذلك أضعف الإيمان.

وما يقوم به هؤلاء من تهنئة المسلمين بأعيادهم مداهنة كما قال تعالى: {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} [القلم: 9] والمداهنة الموافقة في الظاهر مع عدم الرضا في الباطن فهذه مداهنة نهى الله عنها.

بل نهى الله تعالى عن مجرد إظهار الفرح والتوسعة في أعياد المشركين حتى وإن لم يشاركوا الكفار في أعيادهم، وذلك لحديث أنس رضي الله عنه قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما في الجاهلية فقال: «إن الله تعالى قد أبدلكم بهما خيرًا منهما يوم الفطر ويوم النحر» [صححه الألباني في صحيح الجامع 4460].

وفى حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام وهي أيام أكل وشرب» [صححه الألباني]. فأهل الإسلام لهم أعياد مخصوصة ولا يحل لمسلم أن يحتفل بغيرها لأن الأعياد من الشعائر الظاهرة لملة كل قوم.

وأما النهى عن المشاركة في أعياد الكفار فهذا شق، وفى زماننا يترتب عليه محرمات وأمور ترتكب مخالفة لعقيدة الإسلام ومن تلك الصور تعظيم القساوسة وتفخيمهم وتلقيبهم بأعظم الألقاب وهذا يغضب الله جل وعلا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا قال الرجل للمنافق يا سيد فقد أغضب ربه تبارك وتعالى» [صححه الألباني في السلسلة الصحيحة رقم 371]. وعن بريدة مرفوعا: «لا تقولوا للمنافق سيدنا فإنه إن يك سيدكم فقد أسخطتم ربكم عز وجل» [صححه الألباني في السلسلة الصحيحة]. فتعظيم المنافقين والكافرين فيه سخط لله عز وجل.

الأمر الثالث: ترى في وسائل الإعلام المسموعة والمقروءة في تلك الأعياد الإعلان عن الأخوة بين المسلمين والنصارى وقد قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ} [الحشر: 11]. ومن علامات النفاق إعلان أخوة الكافرين كما بين رب العالمين لأن الأخوة مخصوصة بالمؤمنين فقد قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: 10]. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «المسلم أخو المسلم» [ صحيح البخاري ومسلم] فخص الله ورسوله الأخوة بالمؤمنين فقط، فكل من وحد الله فهو مربوط برباط الأخوة حتى إن كان في أقصى البلاد.

أما محاولة تغيير ذلك وجعل رباط الأخوة قائمًا على الوطنية أو القومية أو الفخر بالأحساب فهذا من أمر الجاهلية والعصبية التي هدمها الإسلام وقد قال صلى الله عليه وسلم: «ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع» [صحيح مسلم برقم 1218].

وقال أيضًا: «يا أيها الناس! إن الله قد أذهب عنكم عبية الجاهلية، وتعاظمها بآبائها، فالناس رجلان: رجل بر تقي كريم على الله وفاجر شقي هين على الله، والناس بنو آدم، وخلق الله آدم من تراب» [حسنه الألباني].

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن الفخر في الأحساب والطعن في الأنساب...» [صحيح مسلم934].

فهذه النعرات من قومية ووطنية هي أشياء محتقرة في الإسلام فلا ينبغي إحياؤها مرة أخرى، كما يحدث من محاولة فك الرابطة العالمية التي تربط المسلمين واستبدالها بروابط الجاهلية والعصبية للأرض والوطن. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب ودعي بدعوى الجاهلية» [صحيح البخاري]. وكل من يحاول إحياء سنة من سنن الجاهلية فهو من أبغض الناس إلى الله لقوله صلى الله عليه وسلم: «أبغض الناس إلى الله ثلاثة ملحد في الحرم ومبتغ في الإسلام سنة الجاهلية ومطلب دم امرئ بغير حق ليهريق دمه» [صحيح البخاري6882].

وفى حين تبرأ النبي صلى الله عليه وسلم من قومه لكفرهم، وذم عَلِيٌّ بن أبى طالبَ أباه حينما مات على كفره وقال للنبي صلى الله عليه وسلم: "مات عمك الشيخ الضال"، تجد النبي صلى الله عليه وسلم يفتخر ويمدح سلمان الفارسي رغم أنه ليس من قومه ولا من العرب فقال صلى الله عليه وسلم: «لو كان الإيمان عند الثريا لناله رجال من هؤلاء» صحيح مسلم.

وأما من يستدل بأن الله قد أثبت أخوة بين المتخالفين في العقيدة وهى أخوة القومية والوطنية والمصالح المشتركة، ويستدل على ذلك الفساد بقوله تعالى: {وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا} [هود: 50]، {وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا} [هود:61]، {وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا} [هود: 84]، {إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلَا تَتَّقُونَ} [الشعراء:106]، {قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ} [الشعراء: 161]، ثم يزعم أصحاب الفهم المقلوب أنه من تلك الآيات يجوز أن نقول على اليهود والنصارى إخواننا لأنهم أبناء وطننا فنعوذ بالله من العمى.

وإليك المعنى الصحيح:

أولاً: إن من أصول الإيمان أن الأخوة لا تكون إلا للمسلمين لقوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: 10]. قال الإمام القرطبي في تفسير الآية: "إنما المؤمنون أخوة في الدين والحرمة لا في النسب، ولهذا قيل: أخوة الدين أثبت من أخوة النسب، فإن أخوة النسب تنقطع بمخالفة الدين، وأخوة الدين لا تنقطع بمخالفة النسب".

ثانياً: إن الأخوة المذكورة بين الأنبياء وأقوامهم وما ذكر عنهم في الآيات عبارة عن حكاية وإخبار أن الأنبياء الذين أرسلهم الله من داخل أقوامهم ومن أنسابهم، ولم يذكر القرآن أن الأنبياء قالوا لقومهم أنهم إخواننا، بل بالعكس من ذلك كان موقف الأنبياء من أقوامهم فانظر إلى أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام حين قال لقومه: {إِنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ} [الممتحنة: 4]، فأين الأخوة والمصالح المشتركة في قول أبي الأنبياء، وانظر إلى قول نوح عليه السلام لقومه {وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا} [نوح: 26]، فأين الأخوة والمصالح المشتركة، وانظر إلى المخالفين للأنبياء والرسل. قوم لوط قالوا: {أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ ۖ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} [النمل: 56]، وانظر إلى قوم شعيب عليه السلام: {قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِن قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا} [الأعراف: 88]، وانظر إلى فعل قريش مع النبي صلى الله عليه وسلم قال تعالى: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ ۚ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ ۖ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الأنفال: 30]، فأين المصالح المشتركة والأخوة المزعومة بين الرسل وأقوامهم.

وانظر إلى ما يحدث الآن من استهزاء بالإسلام وأهله في جميع أنحاء العالم دون مراعاة لوطنية ولا إنسانية، فهذه الشعارات إنما هي مصنوعة لخداع المسلمين ولتكون ساترًا لأحقاد الكافرين والمنافقين. ولا شك أن هذه الدعاوى والنعرات القومية والوطنية إنما هي من صنع أعداء الإسلام من يهود ونصارى والتي ينشرها بعض أبناء الإسلام إما جهلاً أو نفاقًا أو إرضاء للكافرين، ولن يرضوا، قال تعالى: {وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ۗ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَىٰ ۗ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ۙ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ} [البقرة: 120]. فانظر كيف قال في الخبر ملتهم وقال في النهى أهواءهم لأن القوم لا يرضون إلا باتباع الملة مطلقًا والزجر وقع عن اتباع أهوائهم في قليل أو كثير.

ولأن اتباع أهواء الكافرين إرضاء لهم كما جاء في الآية فإنه يترتب عليه أمران:

الأول: سخط الله والخروج من ولاية الله ورسوله والمؤمنين والوقوع في ولاية الكافرين.

الأمر الثاني: لا يرضى الكافرون عن المسلمين وينالهم منهم أذى رغبة منهم أن يتبع المسلمون ملتهم وهو شرط إرضاء الكافرين ومن يفعل ذلك فقد خسر الدنيا والآخرة ذلك الخسران المبين.


الشبهة الخامسة:

يقول البعض أن الإسلام واليهودية والنصرانية كلها أديان سماوية فهي صحيحة ومتساوية ولا فارق بينها.

الجواب:

يجب على كل مسلم الإيمان بأن الله لم ينزل إلا دينًا واحدًا منذ خلق السموات والأرض إلى أن تقوم الساعة وهو دين الإسلام، قال تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} [آل عمران: 19] وقال تعالى: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران: 85].

فالإسلام هو دين الأنبياء أجمعين كما أخبر الله تعالى عن أبى الأنبياء إبراهيم وهو قدوة للعالمين فقال تعالى: {وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَن سَفِهَ نَفْسَهُ ۚ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا ۖ وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ * إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ ۖ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ * وَوَصَّىٰ بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [البقرة: 130-133]. فبين سبحانه وتعالى أنه لا يرغب عن ملة إبراهيم إلا من هو سفيه وأنه أمر بالإسلام فقال: {أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} فالإسلام هو وصية إبراهيم عليه السلام لذريته من بعده.

وإبراهيم عليه السلام هو إمام الأنبياء والناس أجمعين فهو القدوة الذي يؤتَمُّ به كما قال تعالى: {وَإِذِ ابْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ ۖ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا} [البقرة: 124].

لذلك زعمت اليهود أن إبراهيم كان يهوديًا وزعمت النصارى أن إبراهيم كان نصرانيًا فرد الله كذبهم فقال تعالى: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَٰكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [آل عمران:67].

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «الأنبياء إخوة لعلات أمهاتهم شتى ودينهم واحد» [متواتر تفسير الطبري]

فالدين واحد هو دين الإسلام وهو دين الأنبياء أجمعين، أما الإختلاف فهو إختلاف شرائع، كما قال تعالى: {فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ ۚ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [المائدة: 48].

فأصول التوحيد واحدة فكل نبي أمر قومه بلا إله إلا الله كما قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 25]

أما تنوع الشرائع فيكون في صفاتها مثل كيفية الصلاة ومقادير العبادات المختلفة من زكاة وصيام وأوقاتها واتجاه القبلة والمناسك، وبذلك تختلف شعائر كل ملة. فكيفية طاعة الله والشريعة تختلف من رسول إلى رسول، أما الدين فهو الإسلام لكل الرسل وأصول التوحيد ثابتة لا تتغير من رسول إلى رسول ولا من زمان إلى زمان.

الخلاصة: أن جميع الرسل قد اتفقت دعوتهم من أولهم إلى آخرهم في أصل الدين وهو توحيد الله عز وجل بألوهيته وربوبيته وأسمائه وصفاته ونفى ما يضاد ذلك أو ينافى كماله، وأما فروع الشرائع من الفرائض والحلال والحرام فقد تختلف: فيفرض على هؤلاء ما لا يفرض على هؤلاء ويخفف على هؤلاء ما شدد على أولئك ويحرم على أمة ما يحل للأخرى وبالعكس لحكمة بالغة وغاية محمودة قضاها ربنا عز وجل.

وجميع الشرائع السابقة نسخت بشريعة النبي محمد صلى الله عليه وسلم: قال تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ ۚ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَىٰ ذَٰلِكُمْ إِصْرِي ۖ قَالُوا أَقْرَرْنَا ۚ قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ} [آل عمران: 81].

قال ابن عباس وعلي بن أبى طالب رضي الله عنهم : "ما بعث الله نبيا من الأنبياء إلا أخذ عليه الميثاق لئن بعث الله محمدًا صلى الله عليه وسلم: وهو حي ليؤمنن به لينصرنه وأمره أن يأخذ الميثاق على أمته لئن بعث محمد وهم أحياء ليؤمنن به ولينصرنه".

وعن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «والذي نفسي بيده لو أن موسى صلى الله عليه و سلم كان حياً ما وسعه إلا إتباعي» [حسنه الألباني].

قال ابن كثير في قصص الأنبياء أثناء ذكر قصة (الخضر وإلياس) وقد دلت الآية الكريمة أن الأنبياء كلهم لو فرض أنهم أحياء مكلفون في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم لكانوا كلهم أتباعا له وتحت أوامره، وفى عموم شرعه، كما أنه صلوات الله وسلامه عليه لما اجتمع معهم ليلة الإسراء رفع فوقهم كلهم ولما هبطوا معه إلى بيت المقدس وحانت الصلاة أمره جبريل عن أمر الله أن يؤمهم فصلى بهم في محل ولايتهم ودار إقامتهم فدل على أنه الإمام الأعظم والرسول الخاتم المبجل المقدم صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين.

وهذا عيسى بن مريم عليه السلام إذا نزل في آخر الزمان يحكم بهذه الشريعة المطهرة لا يخرج منها ولا يحيد عنها وهو أحد أولي العزم الخمسة المرسلين وخاتم أنبياء بنى إسرائيل كما ثبت في الصحيح عن أبى هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكماً عدلاً فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية و يفيض المال حتى لايقبله أحد» [رواه البخاري].

وفى يوم الحشر يكون النبي صلى الله عليه وسلم هو الشفيع وله المقام المحمود الذي يحيد عنه أولو العزم من الرسل فدل ذلك على أن النبي صلى الله عليه وسلم هو المقدم دنيا وآخرة.

أما ما يدعيه أهل الأهواء والفساد بأن هناك ثلاثة أديان وأصحاب كل ديانة على حق وكلهم ناجون، فهذا باطل وكذب كما ظهر ذلك من الأدلة السابقة. ومصدر تلك الدعاوى الخبيثة الغرب الكافر ليكون خطوة وتمهيدًا لتنصير المسلمين فهذا هدفهم، وإن لم ينجحوا في تنصيرهم فعلى الأقل يفسدون عقيدتهم، فليحذر كل مسلم على دينه ونفسه وذلك بتعلم الحق الذي عليه، فهو سبيل النجاة، ونعوذ بالله من الخزي والعذاب في الدنيا والآخرة.

* واليك بعض أقوال الصحابة والتابعين في النهى عن التشبه بالكافرين أو مشاركتهم في أعيادهم:

-قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من تشبه بقوم فهو منهم» [حسنه الألباني].

- وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لتتبعن سنن الذين من قبلكم شبرًا بشبر وذراعًا بذراع حتى لو دخلوا في حجر ضب لاتبعتموهم قلنا يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال فمن» [رواه مسلم].

ـ وعن أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: "لا تشبهوا باليهود" وكرهت الإختصار في الصلاة. [صحيح البخاري].

ـ وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "لا تعلموا رطانة الأعاجم ولا تدخلوا على المشركين في كنائسهم يوم عيدهم فإن السخط ينزل عليهم" رواه البيهقي في السنن الكبرى وعبد الرزاق في المصنف.

ـ وعن عبد الله بن عمرو قال: "من بنى ببلاد الأعاجم وصنع نيروزهم ومهرجانهم، وتشبه بهم حتى يموت -وهو كذلك- حشر معهم يوم القيامة".

واعلم أن تسلط الكفار من اليهود والنصارى على المسلمين وتدهور حال الأمة بسبب إتباع المسلمين للكفار والركون إليهم، قال تعالى: {وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ} [هود:113] والشرك أعظم الظلم لذلك توعد الله من ركن إلى أهل الشرك، أي مال إليهم ورضي بشيء مما هم عليه فإنه مستحق للعذاب والخروج من ولاية الله ونصره، وذلك لمن وقع في ولاية الكافرين كما بين ذلك رب العالمين في محكم التنزيل.


الخلاصة:

من أسس الإسلام موالاة ومحبة المؤمنين وبغض والبراءة من الكافرين، والبراءة تكون بعدم موافقتهم على عقيدتهم الفاسدة كالتهنئة بأعيادهم واتخاذهم أصدقاء وتعظيم كبرائهم وتسمية موتاهم بالشهداء، وإعانتهم على المسلمين سواء فكريًا أو عسكريًا فكل هذه من الأمور التي نهى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم عنها.

ليس معنى البراءة من الكافرين وبغضهم العدوان عليهم وظلمهم أو إكراههم على الدخول في الإسلام، بل العدل وحسن الخلق معهم واجب كما أمر الله تعالى وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم ومع تلك المعاملة الحسنة البراءة من كفرهم فبذلك تكون الدعوة العملية للسلام.

واليك بعض حقوق أهل الذمة في الإسلام والتي لم يوجد مثلها في أي نظام أخر أو قانون دولي أوعرف بشر:

-قال تعالى: {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ} [المائدة: 8].

-قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قتل معاهدًا (ذميًا) لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عامًا» [رواه البخاري في كتاب الديات باب إثم من قتل ذميا بغير جرم رقم 6914و3166 ج4 ص310 ط دار الحديث]. ومن هذا الحديث لا يجوز ضرب السياح الوافدين إلى البلاد الإسلامية. وعن أبى بكرة قال: قال رسول الله صلى الله علبه و سلم: «من قتل معاهدًا في غبر كنهه حرم الله عليه الجنة» . [صححه الألباني في صحيح سنن أبي داود رقم 2398].

-وحتى الجزية التي فرضها الله عليهم فيها رأفة فإن الجزية تسقط بالعمى والعجز الدائم ولا تضرب أصلاً على نسائهم ولا على صبيانهم ولا على عبيدهم ولا على مجانينهم ولا على أصحاب الصوامع والرهبان، ولهم حرية الإعتقاد في الحكم في شئونهم للقاعدة المقررة "أتركوهم وما يدينون" فإن تحاكموا لدى المسلمين حكمنا بينهم بالعدل الذي هو شرع الله: كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ولا يعذب أحد لأجل الجزية فعن عروة بن الزبير أن هشام بن حكيم بن حزام وجد رجلاً وهو على حمص يشمس ناسًا من القبط في أداء الجزية فقال: ما هذا؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الله يعذب الذين يعذبون الناس في الدنيا» [صحيح مسلم].

فهذا ما لأهل الكتاب من حقوق عادلة كافية في شرع الإسلام فيجب على كل مسلم أن لا يتعداها بإفراط أو تفريط كما يجب أن يدعوهم إلى ما هو عليه من حق الذي هو الإسلام وأن يتبرأ من دينهم وليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حيى عن بينة ويكون شرع الله ظاهرًا.

وكما قال تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} إلى قوله {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} [الكافرون:1-6] ففي أول السورة أمر الله تعالى نبيه بإعلان كفرهم وفى أخر آية أعلن أنه يجانب ما هم عليه من الباطل دون إكراههم على الدخول في الحق الذي هو عليه.


ملاحظة: لا يجوز تسمية النصارى (مسيحيين) لأن المسيح بريء منهم ومما زعموا في ألوهيته فلا يجوز أن ننسب إليه ما هو بريء منه، قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَٰهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ ۖ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ ۚ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ ۚ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ ۚ إِنَّكَ أَنتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ * مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ ۚ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ ۖ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ ۚ وَأَنتَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [المائدة: 116-117].

راجعها وأقر ما فيها: الدكتور علاء بكر حفظه الله
وكتبها: أيمن حلمي
من أبناء الدعوة السلفية بالإسكندرية
غفر الله له ولوالديه ولشيوخه وللمسلمين أجمعين

-بتصرف يسير-
 

 

 

المصدر: أيمن حلمي