شمولية الشريعة لا نظير لها في القوانين الوضعية
منذ 2010-01-22
إن كل ما ينبض في نسيج الحياة والعالم كان ولا يزال يجد الصدى المناسب في نبض الإسلام وتشريعاته ولم ولن يكون ثمة أمر يهم العقل أو الروح أو الجسد أو الحس أو الوجدان أو يتعلق بأي جانب من جوانب الحياة صغير أو كبير ..
نبه الدكتور طه عبد المقصود أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية بجامعة القاهرة على أن الشريعة الإسلامية نظام شامل لجميع شئون الحياة فهي ترسم للإنسان سبيل الإيمان وتبين له أصول العقيدة وتنظم صلته بربه وتأمره بتزكية نفسه وتحكم علاقاته مع غيره وهو الأمر الذي يكشف جهل القائلين والمرددين للقول بأن الشريعة الإسلامية مقصورة على الحدود فقط فعلى ضوء هذا الشمول يمكن تقسيم الشريعة إلى ثلاثة أقسام رئيسية هي الأحكام المتعلقة بالعقيدة كالإيمان بالله واليوم الآخر وما إلى ذلك وهذه هي الأحكام الاعتقادية ومحل دراستها علم التوحيد وهناك كذلك الأحكام المتعلقة بالأخلاق كالصدق والأمانة والوفاء بالعهد وحرمة الكذب والخيانة وهذه كلها هي الأحكام الأخلاقية ومحل دراستها علم الأخلاق وأخيرا الأحكام المتعلقة بأقوال وأفعال الإنسان في علاقته مع غيره وهذه هي الأحكام العملية وقد سميت فيما بعد بالفقه ومحل دراستها علم الفقه.
وأضاف الدكتور عبد المقصود أن الأحكام العملية تنقسم إلى مجموعتين تتعلق المجموعة الأولى بأحكام العبادات كالصلاة والصوم؛ وهي تنظم علاقة الفرد بربه. فيما تتعلق المجموعة الثانية بأحكام المعاملات: ويقصد بها تنظيم علاقة الأفراد فيما بينهم وهذه تشمل جميع روابط القانون العام والخاص؛ لأن هذه المعاملات تنقسم إلى ما يتعلق بأحكام الأسرة من نكاح وطلاق ونسب وميراث (قانون الأسرة أو الأحوال الشخصية)، وأخرى تتعلق بأحكام المعاملات المالية كالبيع والإجارة والكفالة والرهن.. إلخ ويطلق عليه ماليا (قانون المعاملات أو القانون المدني)، ومنها ما هو متعلق بأحكام القضاء والدعوة والشهادة واليمين (قانون المرافعات)، ومنها أحكام معاملة الأجانب غير المسلمين المستأمنين في الدولة الإسلامية وتنظيم علاقتهم فيما بينهم أو مع رعايا الدولة الإسلامية، ومنها أحكام العلاقات الدولية في السلم والحرب (القانون الدولي العام)، ومنها ما يتعلق بأحكام نظام الحكم وحقوق الأفراد في الدولة وعلاقاتهم معه (القانون الدستوري)، ومنها ما هو متعلق بأحكام موارد الدولة الإسلامية ومصارفها وتنظيم العلاقات المالية بين الأفراد والدولة وبين الفقراء والأغنياء (القانون المالي)، ومنها كذلك ما هو متعلق بأحكام تحديد علاقة الفرد مع الدولة من جهة الأعمال المنهي عنها والمحظور فعلها وهي الجرائم وعقوباتها وتعرف في الشريعة الإسلامية بالحدود والتعزيرات والعقوبات.
واستطرد الدكتور عبد المقصود: "إن الشمول الذي جاءت به الشريعة الإسلامية لا نظير له في القوانين الوضعية وهي بهذه الميزة تختلف عن كل الشرائع الأخرى السماوية منها والوضعية؛ وذلك لأن الشرائع السابقة شرائع محدودة بأصحابها؛ لأنها أنزلت تلبية لحاجات موقوتة ولأقوام معينين محدودين على خلاف الشريعة الإسلامية التي جاءت شاملة وعامة وخالدة. وكذلك فإن الشرائع الوضعية خالية تماما من القواعد المنظمة للأخلاق والمربية للذوق والحس والوجدان بل تقوم على أسس استبعاد ذلك من نطاقها في كثير من الأحوال وعلى فصل أمور العقيدة والعبادات عن أمور الحياة والمعيشة على النقيض تماما من الشريعة الإسلامية.
ومن هنا نستطيع أن نقول: إن كل ما ينبض في نسيج الحياة والعالم كان ولا يزال يجد الصدى المناسب في نبض الإسلام وتشريعاته ولم ولن يكون ثمة أمر يهم العقل أو الروح أو الجسد أو الحس أو الوجدان أو يتعلق بأي جانب من جوانب الحياة صغير أو كبير قليل أو كثير إلا وشريعة الإسلام تعالجه وتتعامل معه بما يحقق المصلحة الكاملة للفرد والمجتمع في ضوء قواعد الاجتهاد المقررة في الإسلام؛ لأن الشريعة وكما يقول ابن القيم أحد علماء المسلمين الكبار "مبناها وأساسها على الحِكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد وهي عدل كلها ورحمة كلها ومصالح كلها وحكمة كلها".
بينما القوانين الوضعية تنفك عن هذه المعاني؛ لأنها صادرة عن الإنسان وهو لا يخلو من معاني الجهل والجور والنقص والهوى.
وأضاف أن مصدرية الشريعة تعني أيضا أن أحكامها تحظى بالهيبة والاحترام في نفوس المؤمنين بها مهما كانت مراكزهم الاجتماعية؛ لأنها صادرة من عند الله وتقوم على الإيمان وتخضع لها النفوس خضوعا اختياريا وفي هذا ضمان عظيم لحسن تطبيق القانون الإسلامي وعدم الخروج عليه ولو مع القدرة على هذا الخروج أما القوانين والمبادئ التي شرعها الإنسان فإنها لا تظفر بهذا القدر من الاحترام والهيبة إذ ليس لها سلطان على النفوس ولا تكون على أساس من العقيدة والإيمان كما هو الحال بالنسبة للإسلام ولهذا فإن النفوس تجرؤ على مخالفة القانون الوضعي كلما وجدت فرصة لذلك وقدرة على الإفلات من ملاحقة القانون وسلطان القضاء ورأت في هذه المخالفة إتباعا لأهوائها وتحقيقا لرغباتها.
6/1/2008 م
المصدر: أسامة الهتيمي - موقع لواء الشريعة
- التصنيف: