رواية قواعد العشق الأربعين في ميزان التصور الإسلامي - (5): الرواية ووحدة الأديان
تدعو الرواية لوحدة الأديان؛ فالكاتبة لا تميز بين مسلم وكتابي بل الجميع سواسية في درجة المحبة ذلك أن المحبة التي جمعتهم ليست هي محبة الله الواحد الأحد، ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ بل إن المحبة عندها ترتبط بالوجود المطلق والإله الكلي الذي يصفونه بأوصاف ليست في كتاب الله ولا سنة نبيه.
خامسًا: الرواية ووحدة الأديان:
وتدعو الرواية لوحدة الأديان؛ فالكاتبة لا تميز بين مسلم وكتابي بل الجميع سواسية في درجة المحبة ذلك أن المحبة التي جمعتهم ليست هي محبة الله الواحد الأحد ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم وهي أولى درجات الإيمان بالله تعالى وهي أوثق عُرى الإيمان.
يقول تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ}[البقرة: الآية 165]، ويقول تعالى: {لَّاتَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ}[المجادلة: من الآية22]، ويقول صلى الله عليه وسلم: « ». [الراوي : عبدالله بن عباس و ابن مسعود و البراء بن عازب | المحدث : الألباني |المصدر : صحيح الجامع، الصفحة أو الرقم: 2539 | خلاصة حكم المحدث: صحيح].
بل إن المحبة عندها ترتبط بالوجود المطلق والإله الكلي الذي يصفونه بأوصاف ليست في كتاب الله ولا سنة نبيه -ومعلوم أن صفات الله تبارك وتعالى توقيفية- وإلههم هذا يرتبط به كل منهم على حسب ما يحلو له فالنصارى تقول الله ثالث ثلاثة واليهود تقول عزير بن الله ويد الله مغلولة....الخ.
وليست المشكلة لدى الكاتبة في صفة هذا الإله ولا في الإقرار بالوحدانية ولا الإيمان بالرسالة النبوية، فللجميع حق التنسك بما يراه وكيفما يراه كل على طريقته الخاصة.
ونظرية وحدة الأديان قديمة قد قال بها ابن عربي وغيره من غلاة المتصوفة أولئك الذي غلبوا النصارى في سب الله تعالى فإن كانت النصارى تؤمن بأن الإله قد حلّ في المسيح فحسب فهؤلاء الحلوليون يقولون بأن الإله يحل في كل إنسان وقد قال عنهم ابن تيمية أنهم في هذا أشر من اليهود والنصارى.
ومما ورد في الرواية:
يقول شمس: "قبل أن ادخل اي مدينة لم أزرها من قبل كنت أتوقف قليلا لألقى تحية على الأولياء والقديسين الأحياء منهم والأموات المعروفين منهم والمخفيين.
فكنت كلما أصل مكانا جديدا فإن أول شيء أفعله هو أن أتلقى بركة الأولياء الصالحين سواء أكانوا مسلمين أو مسيحيين أو يهودا، لأنني أومن بأن الأولياء الصالحين يترفعون عن هذه الفروق الاسمية التافهة وهم ينتمون إلى سائر البشرة." [الرواية ص 145-147 ].
ويأتي السؤال لماذا وكيف وصل هؤلاء إلى ما يسمى بوحدة الأديان؟
والإجابة باختصار أنهم خلطوا ما بين أن الوجود يسع سائر المعتقدات وما بين صحة هذه المعتقدات فقالوا إن وجودها دليلا على صحتها وهذا أمر معلوم بطلانه عقلا فليس كل ما هو موجود يكون صحيحا.
بل الصحيح أنه إذا كان الوجود يتسع لكل المعتقدات فإنه لا يتسع لتحققها كلها بل إنه لا يتسع الا لتحقق الحق منها كما يقول الإمام ابن تيمية: "-أنهم- عطلوا الصانع والرسالة والحقائق كلها وجعلوا الحقائق بحسب ما يكشف للإنسان ولم يجعلوا للحقائق في أنفسها حقائق تتحقق به يكون ثابتا وبنقيضه منتفيا؛ بل هذا عندهم يفيده الإطلاق: ألا تقف مع معتقد، بل تعتقد جميع ما اعتقده الناس فإن كانت أقوالا متناقضة فإن الوجود يسع هذا كله ووحدة الوجود تسع هذا كله. ومعلوم أن الوجود إنما يسع وجود هذه الاعتقادات لا يسع تحقق المعتقدات في أنفسها وهذا مما لا نزاع فيه بين العقلاء فإن الاعتقاد الباطل. والقول الكاذب: هو موجود داخل في الوجود لكن هذا لا يقتضي أن يكون حقا وصدقا فإن الحق والصدق إذا أطلق على الأقوال الخبرية لا يراد به مجرد وجودها؛ فإن هذا أمر معلوم بالحس وعلى هذا التقدير فكلها حق وصدق.
وهؤلاء لا يميزون بين الحق والباطل بين الحق الموجود الذي ينبغي اعتقاده والباطل المعدوم الذي ينبغي نفيه في الخبر عنهما ولا بين الحق المقصود الذي ينبغي اعتماده والباطل الذي ينبغي اجتنابه.. وأصدق الحق الموجود: ما أخبر الله بوجوده والخبر الحق المقصود ما أمر الله به؛ وإن شئت قلت أصدق خبر عن الحق الموجود خبر الله وخير أمر بالحق المقصود أمر الله والإيمان يجمع هذين الأصلين: تصديقه فيما أخبر وطاعته فيما أمر. وإذا قرن بينهما قيل: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات} والعمل خير من القول كما قال الحسن البصري: "ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي؛ ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل". مجموع الفتاوى ( 2/ 103-100 ) بتصرف.
- التصنيف:
- المصدر: