رواية قواعد العشق الأربعين في ميزان التصور الإسلامي - (4): تسلل الفكر الإرجائي والحلولي في الرواية.

منذ 2015-05-23

نقد الرواية: الجزء الثاني. ويتسلل الإرجاء على سطح الرواية فالإيمان فقط بالنية حتى لو خالف العمل ولو خالف الظاهر الباطن فالعبرة ببواطن الأمور لا بظواهرها. كذلك فإن نصوص الرواية تبرر فلسفة الحلول والاتحاد ومن ذلك قولها أن وجود الله في كل شيء وأن عرش الرحمن في قلب كل عاشق وأن الله داخل كل شخص -حاشا لله-

ثالثا: تسلل الفكر الإرجائي في القصة:
ويتسلل الإرجاء على سطح الرواية فسليمان السكران يسأل شمس التبريزي عن الخمر في أشعار الصوفية هل هو حقيقي أم مجازي:
فيرد شمس بأن الإيمان فقط بالنية وفي القلب والقول حتى لو خالف العمل ولو خالف الظاهر الباطن فالعبرة ببواطن الأمور لا ظواهرها ونتائجها
يقول له شمس: "ما أهمية ذلك يا صديقي؟ هناك قاعدة تفسر ذلك: عندما يدخل عاشق حقيقي لله إلى حانة فإنها تصبح غرفة صلاته، لكن عندما يدخل شارب الخمر إلى الغرفة نفسها فإنها تصبح خمارته. ففي كل شيء نفعله قلوبنا هي المهمة لا مظاهرنا الخارجية فالصوفيون لا يحكمون على الآخرين من مظهرهم أو من هم؛ وعندما يحدق صوفي في شخص ما فإنه يغمض عينيه ويفتح عينًا ثالثة العين التي ترى العالم الخارجي" [الرواية- ص٢٠٩].

ولا شك أن هذا هو معتقد المرجئة في الإيمان حيث يقولون "لا يضر مع الإيمان ذنب لمن عمله"، وأهل السنة والجماعة وسلف الأمة على قول أن الإيمان بالقلب والقول والعمل جميعا ودليل ذلك: قوله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [البقرة: من الآية 143]
ومعنى الآية وما كان الله ليضيع صلاتكم إلى بيت المقدس فسمى الله تعالى الصلاة إيمانًا وهو عمل من أعمال الجوارح، كذلك في حديث النبي صلى الله عليه وسلم «إماطة الأذى عن الطريق.» [رواه مسلم: 35]، وهو آخر شعب الإيمان وهو من أعمال الجوارح.

تضارب الآراء بين التسلط الديني والحرية الفكرية:
ففي القاعدة الثانية والثلاثون تقول الكاتبة: "يجب ألا يحول شيء بين نفسك وبين الله لا أئمة ولا قساوسة ولا أحبار ولا أي وصي آخر على الزعامة الأخلاقية أو الدينية ولا السادة الروحيون ولا حتى ايمانك آمن بقيمك ومبادئك لكن لا تفرضها على الآخرين وإذا كنت تحطم قلوب الآخرين فمهما كانت العقيدة الدينية التي تعتنقها فهي ليست عقيدة جيدة." [الرواية- ص356].

وهذه قاعدة تجب ما قبلها من طاعة الرومي العمياء لشمس التبريزي باحتسائه الخمر بغرض تشويه سمعته أمام العامة، فاذا وجب علينا ألا يحول بيننا وبين الله الأئمة الأوصياء فكيف نطيعهم فيما حرَّم الله تعالى؟!
كذلك فإن الأولى ألا تحول العامة بيننا وبين الله لتلك الدرجة التي نحسب لكلامهم ألف حساب حتى أننا نضطر لتعريض سمعتنا للمذمة والتشويه لإرضائهم ونضطر لمعصية الله تعالى في أمور معلومة بالضرورة لأجلهم؟!!
لكن الكاتبة تقعد قواعد هجومية لا تأصيلية ولا قيمية لأنها تهاجم المذهب السني -الذي تبرزه في شخصية المتعصب زورا- والتمسك بالكتاب والسنة والإيمان العلمي الاعتقادي؛ لذلك لو لاحظنا ارتبطت جل القواعد بهجوم مستتر عليهم.

كتأكيدها في أكثر من موضع على هدم الشريعة التي برأيها ما هي سوى أمور سطحية ظاهرية في مقابل فهم الباطن الخفي الذي لم تعطي أدلة دامغة على وجوده سوى سحر الكلمات وجذب الأحداث والمؤثرات الأدبية لا الأدلة العلمية وهذه هي شوكة الأدباء ومنتهى أسلحتهم باللعب على وتر العاطفة والأسلوب والقص والحكي ودمج الحق بالباطل؛ أما الحديث بأسلوب منطقي متزن غير متضارب وبمنهجية علمية تقدم فيها معطيات وتخرج بنتائج ذات أدلة ولو حتى ادلة عقلية فلا.
ولكن ما غرض الكاتبة من القاعدة الثانية؟ من المفترض غرضها التأكيد على الحرية الذاتية والملكية الخاصة والتي تتعارض مع الإذعان اللاعقلاني للوليّ الباطني كما تقدم في فقرات سابقة، كما تتعارض مع فلسفة الحلول والاتحاد كما سيتضح في الفقرات التالية.

رابعًا الحلول والاتحاد:
العديد من نصوص الرواية تشرح فلسفة الحلول والاتحاد ومن ذلك قولها أن وجود الله في كل شيء وأن عرش الرحمن في قلب كل عاشق وأن الله داخل كل شخص -حاشا لله-
يقول شمس: "تقول إحدى القواعد إنه يمكنك أن تدرس الله من خلال كل شيء وكل شخص في هذا الكون، لأن وجود الله لا ينحصر في المسجد أو في الكنيسة. لكنك إذا كنت لا تزال تريد أن تعرف أين يقع عرشه بالتحديد يوجد مكان واحد فقط تستطيع أن تبحث فيه عنه وهو قلب عاشق حقيقي فلم يعش أحد بعد رؤيته ولم يمت أحد بعد رؤيته فمن يجده يبقى معه إلى الأبد" [الرواية- ص89].

ويسأل سليمان السكران الرومي عن سبب احتساء الثاني للخمر
"سليمان: وهل هذا شيء جيد؟
الرومي: إن ذلك يتوقف على الطريقة التي تنظر فيها إلى الأمر ففي بعض الأحيان يجب أن تحطم كل ارتباطاتك حتى تفوز بنفسك فإذا كانت علاقتنا بعائلاتنا وثيقة ومكانتنا في المجتمع رفيعة حتى إذا كانت علاقتنا جيدة بمدرستنا المحلية أو مسجدنا وتقف عائقا في طريق اتحادنا مع الله فإنه يتعين علينا حينئذ أن نحطم هذه الارتباطات." [الرواية-ص 348-349].

وفي موضع آخر "ألا يقول الله {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} فالله لا يقبع بعيدا في السماوات العالية بل يقبع في داخل كل منا لذلك فهو لا يتخلى عنا فكيف له أن يتخلى عن نفسه؟"[الرواية- ص47].


ويقول شمس لسليمان السكران: "ادهن جروحك بهذا المرهم لقد أعطاني إياه رجل طيب في بغداد لكنك تحتاج إليه أكثر مني إنك تعرف أن الجرح في داخلك أعمق وهو ما يجب أن تقلق منه إنه سيذكرك بأنك تحمل الله في داخلك".

وتنبثق من فلسفة وحدة الوجود قاعدة جديدة برأي الكاتبة وهي تطبيق عملي لمحبة الآخر لأنه ليس شيء مختلف عنك بل محبتك له ستعود عليك أما بغضك له فسيعود عليك أيضا لأنك أنت وهو لستما مختلفان وبهذه القاعدة تضييع قاعدة الحب في الله والبغض فيه ويضيع أصل الدين واوثق عرى الإيمان فما الكون إلا أنت وما أنت إلا هو والكون كله متجانس أجزائه ولا فرق بين مؤمن وكافر وعادل وظالم في هذه المنظومة المائعة!

يقول شمس التبريزي للعاهرة التائبة في لحظةٍ لفظها فيه المجتمع بأسْرة وانهالوا عليها ضربا حين اكتشفوا تواجدها بالمسجد، فيدور بينهما هذا الحديث
"صحراء الورد: أتظن أنهم سينصتون إليّ هؤلاء الرجال يكرهونني.
شمس: سينصتون قال بتصميم "لأنه لا يوجد شيء يدعى "هم" كما لا يوجد شيء يدعى "أنا" وكل ما يجب عليك عمله هو أن تعرفي أن كل شيء وكل شخص مرتبط ببعضه بعضا في هذا الكون فلسنا مئات وآلافًا من الكائنات المختلفة بل إننا جميعا شيء واحد" [الرواية- ص200].


وفي إحدى القواعد الأربعين: "إذا أراد المرء أن يغيّر الطريقة التي يعامله الناس فيجب أن يغير أولا الطريقة التي يعامل فيها نفسه وإذا لم يتعلم كيف يحب نفسه حبا كاملا صادقا فلا توجد وسيلة يمكنه فيها أن يحب لكنه عندما يبلغ تلك المرحلة سيشكر كل شوكة يلقيها عليه الآخرون فهذا يدل على أن الورود ستنهمر عليهم قريبا ."[الرواية- ص٢٠٠].

وبغض النظر عن موقف المجتمع الخاطئ للعاهرة التائبة فإن المشكلة هي استغلال الكاتبة لمواقف وأحداث فردية بالقصة قد نتفق معها بها لكنا ندخرها لإثبات قواعد يسهل تطبيقها على مواقف منافية حتى للقيم والمبادئ فهذا الموقف أفرز عنه قاعدة طبقتها لاحقا على "إيلا" الأمريكية وعشيقها "عزيز" وبررت خيانتها الزوجية من هذ المنطلق "أن كل شيء وكل شخص مرتبط ببعضه بلا قيود...".

ومرة أخرى يبرز التناقض بين أفكار الكاتبة شافاق.. فعلى الرغم من تأكيد الكاتبة على هذه القاعدة في أكثر من موضع حينما كانت بحاجة إلى تقعيد العشق المحرم ونظرية السلام الأميع ووحدة الأديان الذي لا تتضح فيه معالم الولاء والبراء وتستسلم العقول والقلوب لتوحيد العالم والمجانسة بين الكفر والإيمان وبين الحق والباطل على ثابت واحد هو ثابت الاتحاد ووحدة الوجود.
نراها في فقرات أخرى ترفع راية الحرية الفردية وتنقض مبدأها السابق في سبيل هدم قواعد الشريعة والتي يسميها الباطنية الأوامر الظاهرة
يقول شمس للعاهرة أيضا: "لا يحق لأحد أن –يضربك- فكل واحد يبحث في ذاته عن الله وهناك قاعدة في هذا الشأن لقد خلقنا جميعا على صورته ومع ذلك فإننا جميعا مخلوقات مختلفة ومميزة لا يوجد شخصان متشابهان ولا يخفق قلبان لهما الإيقاع ذاته ولو أراد الله أن نكون متشابهين لخلقنا متشابهين لذلك فإن عدم احترام الاختلافات وفرض أفكارك على الآخرين يعني عدم احترام النظام المقدس الذي أرساه الله"[الرواية-ص207و208].

فهنا ظهر النظام المقدس الذي أرساه الله...ومن الواضح في هذا المقطع من الرواية اعتراض شمس التبريزي على معاقبة الشرطة لسليمان السكران لاحتسائه الخمر ففي حالة تطبيق الشرع والنهي عن المنكر وإقامة الحدود تبرز الملكية الخاصة والذاتية وتسمى الشريعة بعدم احترام المخالف وفرض الفكر على الآخرين بل ان الحدود اصبحت أفكار وليست شرائع ربانية عند التبريزي -وأما في حالة العشق والسلام يتماهى الولاء والبراء في سبيل الاتحاد المزعوم فكلنا شيء واحد متحد ولا فرق.

المصدر: فريق عمل طريق الإسلام
  • 5
  • 0
  • 8,300
المقال السابق
(3): الفكر الباطني وهدم الشريعة في الرواية
المقال التالي
(5): الرواية ووحدة الأديان

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً