كيف نعرف أن بعد هذا العالم عالم آخر؟
كيف نعرف أن بعد هذا العالم عالم آخر ؟ وكيف نعرف أن هذا ليس بفكرة اختلقها العقل البشري ليخفف وقع الموت عليه ويتقبل حقيقته؟ وكأنه أفيون لتخدير الألم الناتج من الظلم وفكرة العالم الآخر جاءت لتعويض نقص العدل هنا؟
وجود عالم آخر أمر تابع لوجود الله وصفاته:
- الله تعالى واجب الوجود بما لا يدع مجالا للشك لكل عاقل غير مشوش العقل ولا معاند مكابر
- الله تعالى هو الذي يمتلك الكمال كله بداهة، فليس معقولا بداهة ألا يكون خالق الكون ومرجع صفاته كاملا، فمهما كانت صفاته فهي صفات الكمال بالتعريف
- صفات المخلوقات تنتسب إلى صفات الله وتتخذها مرجعا وغاية عليا.
- العدل هو من صفات الكمال ولا ريب
- العالم الحالي يفتقد للعدل ولا ريب
بناءا على ما تقدم يتحتم وجود عالم آخر يُبَت فيه في المظالم ويُعطَى كل ذي حق حقه.
أما ما ذكرت من كون العالم الآخر أفيونا لتصبير الناس، فهذا حق وباطل! فأما الحق فيه فهو أن تشويه الدين وتقديمه للناس على أنه دين عفو واحتساب للظلم عند الله تعالى وحسب، وأن الفضيلة هي أن تترك حقا آملا في عدل الآخرة، أقول أن تشويه الدين بهذه الطريقة يكون في المقام الأول والأخير في صالح الحكام الظالمين وحسب، وذلك لقمع الشعوب وامتصاص ثورتهم.
وأما الباطل فهو أن الفهم القويم لدين الله يستلزم أن الظفر بحقك كمظلوم هو فضيلة، وأنه ليس للعفو أي معنى إن لم يكن عن مقدرة!!
تأمل في قوله تعالى، ذلك الأمر الإلهي الذي يتغافل عنه الكثيرون، ويطمسه وعاظ السلاطين فلا يبلغونخه إلى الناس: {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ؛ وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا ۖ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ؛ وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَٰئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ؛ إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ۚ أُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيم؛ وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَٰلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ؛ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن وَلِيٍّ مِّن بَعْدِهِ ۗ وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلَىٰ مَرَدٍّ مِّن سَبِيلٍ؛ وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنظُرُونَ مِن طَرْفٍ خَفِيٍّ ۗ وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ أَلَا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُّقِيمٍ} [الشورى: 39-45]
فهنا إشادة قرآنية ومدح لمن ينتصر من يعد ما ظُلِم! ذلك لأن هذا هو العدل، والله لا يرضى الظلم، وليس للمظلوم أن يعفو إلا لو كان قادرا، وليس قادرا فحسب، بل ألا يكون عفوه حين قدرته يؤدي إلى فساد!! لذا فالعفو عند المقدرة مقيد بالإصلاح "فمن عفا وأصلح".
ثم توضح الآيات أن الظالمين كما إن الأصل فيهم ألا يُنتَصر منهم في الدنيا فإنهم يلقون العذاب الأليم المهين المقيم في الآخرة.
وعليه فإن الدين الصحيح أبعد ما يكون عن التخدير وإخضاع الشعوب وترك الظالمين ليرتعوا ويتمادوا في ظلمهم، ومن يؤمن بالله واليوم الآخر هو أكثر من يجب عليه الانتصار من الظالم في الدنيا، وذلك ابتغاءً لاتباع سنة الله - والتحلي بظلال كماله - أي اتباع العدل في الدنيا قبل انتظاره في الآخرة.
أحمد كمال قاسم
كاتب إسلامي
- التصنيف: