كن على يقين!
كل ألم؛ كل ابتلاء؛ كل إخفاق؛ كل حزن أو فقد، لم يكن أبدا مقصودا لذاته؛ بل هو محطة سير لنقطة تالية في حلقات القدر.
كن على يقين؛ كن على يقين؛ أن هناك نقطة ضوء ستأتي من أعماق الظلام... بل من أعمق نقطة ظلام؛ سينبثق الضوء، ذلك أن الظلام لم يكن أبدا هدفا لذاته من الحياة.
كل ألم؛ كل ابتلاء؛ كل إخفاق؛ كل حزن أو فقد، لم يكن أبدا مقصودا لذاته؛
بل هو محطة سير لنقطة تالية في حلقات القدر،
كل حلقة تسلمك للحلقة التي تليها؛ دون وعي أو إدراك منك؛
كل إخفاق، ربما كان مفتاحا للنجاح
كل فقد، ربما كان بداية لحياة جديدة
كل حزن، ربما كان بوابة الولوج لسعادة مرتقبة ....
فقط يهيئك ربك لأمر قد أعددت له، قد لا تدركه عقولنا القاصرة المتعجلة…
يريد الله عز وجل أن يفرغ قلبك ونفسك وذاتك من التعلق بسبب سواه لبلوغ المراد أي كان، وكلما زاد قربك،، كلما كانت تنقيتك من شوائب الحياة أكثر وأشد، لينفي عن قلبك ونفسك خبثهما فيعودا كالذهب الخالص، حينها؛ وحينها فقط يكون الرجاء والتعلق به وحده سبحانه.
ليكن القلب بكليته مع ربه متعلق به متذلل ببابه، دون نظر لسبب أو إرادة منك؛ {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ} [يوسف:110]
وهنا لفتة جميلة يا عبد الله: الرسل؛ وهم من هم؛ وهم أشرف الخلق على الله؛ يصيبهم اليأس؛ يصيبهم الهم والألم من تبليغ ما قد كلفوا به، وهنا عند لحظة اليأس من الأسباب يأتي الفرج، يأتي النصر؛ تأتي الإعانة.
أتاهم نصرنا؛ وما أجمله من نصر حين يكن من رب العزة سبحانه عند بلوغ اليأس مداه، وقد بلغت القلوب الحناجر؛ هنا يأتي الفرج، وينبلج الضوء من أعماق الظلام.
في ذلك يقول ابن كثير رحمه الله: "يخبر تعالى أن نصره ينزل على رسله، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، عند ضيق الحال وانتظار الفرج من الله تعالى في أحوج الأوقات إلى ذلك"
نعم يا عبد الله، هؤلاء رسل الله، يشتد عليهم البلاء؛ حتى يصيبهم اليأس، ويظنوا أن قومهم قد كذبوهم.
فلا تبتئس حين يصيبك اليأس من بلوغ مرادك، لأنك بشر يصيبك ما أصابهم، من هم وحزن وقلق ويأس، من بلوغ الأسباب؛ لكن أبدا لا يصيبك اليأس من لطف الله وإعانته لك وعنايته بك، فمن المحن تأتي المنح، ومن الألم يأتي الفرج ومن الظلام ينبثق الضوء,
أسلم إسماعيل للذبح، وقد آيس إبراهيم عليه السلام من نجاة فلذة كبده وثمرة فؤاده، كي يفديه ربه بذبح عظيم؛ وها هو يوسف ابن الأكرمين، يلقى في الجب ثم ينسى في السجن بضع سنين، كي يخرج وهو عزيز مصر ووزيرا على خزائنها. ابيضت عينا يعقوب من الحزن على يوسف؛ ليقول: {عَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا} [يوسف:83]، فيرتد بصيرا حين أقبلت العير بريح يوسف عليه السلام.
وها هو رسولنا الكريم يربط الحجر على بطنه الشريفة، ويرى معاناة أصحابه معه في شعب أبي طالب، وقد رحلت الزوجة والحبيبة ورحل كذلك العم والسند؛ كي ينتهي الحصار بين عشية وضحاها كما بدأ.
والكثير الكثير...
ستبتلى وتمتحن وتغلق دونك الأبواب؛ ستسقط في الظلام؛ ويغلفك الألم؛ ذلك لأن لك رب حكيم رحيم، يربيك بحكمته ويصرف لك الأحوال برحمته.
فلا تيأس من روح الله، فـ {إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف:87]
بقلم/غادة أحمد أم حبيبة
- التصنيف:
- المصدر: