لا تقربوا - [07] البخل أصل النقائص
البخيل محروم في الدنيا مؤاخذ في الآخرة، وهو مكروه من الله عز وجل مبغوض من الناس.
إن البخل دليل على قلة العقل وسوء التدبير، وهو أصل لنقائص كثيرة، ويدعو إلى خصال ذميمة، ولا يجتمع مع الإيمان، بل من شأنه أن يهلك الإنسان ويدمر الأخلاق كما أنه دليل على سوء الظن بالله عز وجل، يُؤخر صاحبه، ويبعده عن صفات الأنبياء والصالحين.
فالبخيل محروم في الدنيا مؤاخذ في الآخرة، وهو مكروه من الله عز وجل مبغوض من الناس، ومن هنا قال القائل: "جود الرجل يحببه إلى أضداده، وبخله يبغضه إلى أولاده". وقال آخر: "البخل هو محو صفات الإنسانية وإثبات عادات الحيوانية". وقال بشر الحافي: "البخيل لا غيبة له". ومُدحت امرأة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: صوّامة قوّامة، إلاّ أن فيها بخلاً. قال: « » (تخريج الإحياء [3/178]).
وقد تتسع دائرة البخل حتى تشمل امتناع المرء عن أداء ما أوجب الله تعالى عليه فترى البعض يبخل بنفسه وماله ووقته، وقد يمتنع عن تأدية حقوق الله أو النفس أو الخلق، قال الجاحظ: "البخل خُلقٌ مكروه من جميع الناس إلاّ أنه من النساء أقل كراهية، بل قد يستحب من النساء البخل (بمال أزواجهن إلاّ أن يؤذن بالجود) فأما سائر الناس فإن البخل يشينهم وخاصة الملوك والعظماء؛ فإن البخل أبغض منهم أكثر مما هو أبغض من الرعية والعوام ويقدح في ملكهم؛ لأنه يقطع الأطماع منهم، ويبغضهم إلى رعيتهم".
والشح أشد في الذم من البخل ويجتمع فيه البخل مع الحرص، وقد يبخل الإنسان بأشياء نفسه، وأشد منه دعوة الآخرين للبخل، قال تعالى: {الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ} [النساء: 37]. وقد يصل البخل بصاحبه إلى أن يبخل على نفسه، بحيث يمرض فلا يتداوى، وفي المقابل فأرفع درجات السخاء الإيثار، وهو أن تجود بالمال مع الحاجة إليه.
الآيات تذم البخل:
قال تعالى: {وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [آل عمران:180]. وقال: {الذِينَ يَبْخَلُونَ ويَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا} [النساء: 37]. وفي معرض ذم المنافقين قال سبحانه: {وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللهَ لئِنْ آتَانَا مِِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقنَّ وَلَنكونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ. فَلَمَّا آتَاهم من فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وتَوَلّوا وّهُم مُّعْرِضونَ. فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إلى يَوْمِ يَلْقَوْنَه بما أَخْلَفوا اللهَ مَا وَعدُوهُ وبِما كانوا يَكْذِبُونَ} [التوبة: 75 - 77].
وبيّن جل وعلا أن عائد البخل إنما هو على النفس، فقال: {هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [محمد: 38]. وقال سبحانه: {الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [الحديد: 24]. وفي بيان مغبة البخل قال سبحانه: {وَأَمَّا مَن بَخِلَ واسْتَغْنَى. وَكذَّبَ بالحُسْنَى. فَسَنُيَسِّرُهُ للعُسْرى} [الليل: 8 - 10].
بعض الأحاديث الواردة في ذَمِّ البخل:
كان من دعائه صلى الله عليه وسلم: «البخاري ومسلم). وورد عند الطبراني: « ». وعن يَعْلى بن مُنَبِّهٍ الثَّقفيّ رضي الله عنه قال: جَاء الحسنُ والحسين يستبِقان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فضمّهما إليه ثم قال: « » (رواه ابن ماجه والحاكم). وعن حسين بن عليّ رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « » (رواه أحمد والترمذي وقال: حسن صحيح) .
» (رواهوعن أبي ذر رضي الله عنه قال: خَرَجتُ ذات يوم فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «
» قالوا: بلى يا رسول الله، قال: « ». وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « » (رواه أحمد وأبو داود).وعن سعْد بن أبي وقاص رضي الله عنه كان يأمر بهؤلاء الخمس ويُحدِّثهن عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَّهُم بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوَّقُونَ ما بخِلُوا بِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ} [آل عمران: 180] (رواه ابن ماجه والنسائي وصححه الألباني).
» (رواه البخاري). وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « » ثم قرأ مصداقه من كتاب الله عز وجل: {وعن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: لا أقول لكم إلاّ كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول، كان يقول: «النبيّ صلى الله عليه وسلم: « » (رواه البخاري ومسلم). وعن عبد الله بن الشّخير رضي الله عنه قال: أتيتُ النبيّ صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ: {أَلْهَاكُمُ التَّكاثُرُ} قال: « » [رواه مسلم].
» (رواه مسلم). وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قالوعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عائشة رضي الله عنها قالت: قالت هند أم معاوية لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إنّ أبا سفيان رجل شحيح، فهل عليّ جُناحٌ أن آخذ من ماله سِرًّا؟ قال: « » (رواه البخاري ومسلم). وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « »(رواه البخاري ومسلم).
» (رواه الطبراني والبزار وصححه الألباني). وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « » رواه أحمد وابن حبان وصحح أحمد شاكر إسناده. وعنوعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «
» قالوا: وما الهرجُ؟ قال: « »(رواه البخاري ومسلم).بعض الآثار في ذمّ البخل:
قال عليّ رضي الله عنه: إنه سيأتي على النّاس زمانٌ عَضوض، يَعَضُّ الموسرُ على ما في يده ولم يُؤْمر بذلك. قال الله تعالى: {ولا تَنْسَوُا الفَضْلَ بيْنَكُم} [البقرة:237].
وقال طلحة بين عبيد الله رضي الله عنه: إنّا لَنَجِدُ بأمْوالنا ما يجدُ البخلاء لكننا نتصبّرُ. وقال عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما لرجل قال له: تُماكسُ في درهم وأنت تجودُ من المال بكذا وكذا؟ فقال: "ذاكَ مالي جُدْتُ به، وهذا عقلي بَخِلْتُ به". وقال محمد بن المنكدر رحمه الله تعالى: كان يُقال: "إذا أراد الله بقوم شرًّا أمَّرَ عليهم شرارهم، وجعل أرزاقهم بأيدي بخلائهم". وقال الضحاك - رحمه الله تعالى - في تفسير قوله تعالى: {إنَّا جَعَلْنَا في أعناقهم أغلالاً} [يس: 8]، قال: "البخل، أمسك الله تعالى أيديهم عن النّفقة في سبيل الله فهم لا يُبصرون الهدى".
وقالت أم البنين أخت عمر بن عبد العزيز رحمها الله تعالى: "أفٍّ للبخيل، لو كان البُخل قميصًا ما لَبِسْتُهُ، ولو كان طريقًا ما سلكتُهُ". قال الشعبيُّ رحمه الله تعالى: "ما أدري أيُّهُما أبعد غورًا في جهنّم: البخل أو الكذِب". قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى: "لا أرى أن أُعَدِّلَ بخيلاً؛ لأن البخل يحمله على الاستقصاء فيأخذ فوق حقه خيفةً من أن يُغْبَنَ، فمن كان هكذا لا يكون مأمون الأمانة".
فإياك والبخل، فقد علمت ما جاء فيه من الذم، ودرِّبْ نفسك على الجود والكرم وتعامل مع الرب الكريم الذي لا تضيع عنده مثاقيل الذر، فعندك من النباهة والفطنة ما يخلصك من المعرة في الدنيا والآخرة. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
- التصنيف:
- المصدر: