ثلاثة عشر مطلبا تركستانياً من بكين
حدثت ثورة كبيرة في تركستان عام 1944 حيث تمكن التركستانيون من إعلان الاستقلال وقيام جمهورية تركستان الشرقية في الأراضي التي تم تحريرها. غير أن تحالف روسيا مع الصين أجبر الثوار على الدخول في مفاوضات مع الصين ...
في عام 1884 ضمت الصين تركستان الشرقية إليها وأطلقت عليها اسم
شينجيانج، أي الأرض الجديدة أو الحدود الجديدة.
حدثت ثورة كبيرة في تركستان عام 1944 حيث تمكن التركستانيون من إعلان
الاستقلال وقيام جمهورية تركستان الشرقية في الأراضي التي تم تحريرها.
غير أن تحالف روسيا مع الصين أجبر الثوار على الدخول في مفاوضات مع
الصين أسفرت عن منح تركستان الشرقية الحكم الذاتي وتخلي قادة الثورة
عن إعلان استقلال تركستان الذي كان سيتسبب في إثارة الصين وروسيا التي
كانت تحتل تركستان الغربية، والتي قد يطالب أهلها بالحصول على
الاستقلال أيضاً.
وفي أعقاب ذلك تشكلت في تركستان الشرقية عدة حكومات أهمها: حكومة د.
مسعود صبري بايقوزي ورئيس وزرائه عيسى يوسف ألبتكين، وذلك في الفترة
من 19/5/1947 حتى 17/7/1948، ثم حكومة برهان شهيدي ومحمد أمين بوغرا
حتى دخول قوات الحزب الشيوعي الصيني أورومجي عاصمة تركستان الشرقية في
20/10/1949. وقد أقر الحزب الشيوعي برهان شهيدى رئيساً للمقاطعة وعيّن
سيف الدين عزيزى نائبا له.
حكم ذاتي منقوص:
وبعد هدوء المقاومة للغزو الشيوعي في تركستان أعلن فى1/10/1955 عن
تأسيس منطقة شينجيانج الأويغورية ذات الحكم الذاتي. ومعروف أن الحكم
الذاتي هو نوع من الإدارة أو الحكم المحدود لدولة أو إقليم لديه
اختلافات دينية وثقافية وعرقية داخل دولة ما، ويمنح الحكم الذاتي
صلاحية للدولة أو الإقليم المتمتع به إمكانية حكم ذاته عبر حكومة
ومجلس نواب وقوانين لا تخضع لرقابة الجهة المهيمنة التي قد تكون
الدولة الاتحادية أو الدولة المستعمرة أو جهة منتدبة.
وعلى الرغم من أنه يفترض أن تتحكم منطقة الحكم الذاتي في إدارة
شئونها الداخلية دون تدخل من الخارج وأن تتمتع بسيطرة محلية على
شئونها الثقافية والاقتصادية والدينية، كما يفترض أن الحكم الذاتي
خطوة أولى نحو الاستقلال الكامل حينما منطقة الحكم الذاتي سيادتها على
شئونها الخارجية والدفاعية من الدولة أو الجهة المسيطرة عليها، إلا أن
نظرة إلى النصوص القانونية التي تنظم مسألة الحكم الذاتي في تركستان
الشرقية وغيرها من مناطق الحكم الذاتي في الصين تكفي لتوضيح مدى صورية
هذا الحكم الذاتي وعدم اتفاقه مع المعايير الدولية التى تنظم ذلك،
وعلى سبيل المثال:
(تنص المادة (17) والمادة (18) من قانون مناطق الحكم الذاتي في الصين
الصادر عام 1984 على أن "رئيس إقليم الحكم الذاتي بمختلف مستوياته
يكون من مواطني القومية التي تمارس الحكم الذاتي في الإقليم، وباقي
مواقع الإدارة عند الإمكان يتولاها أشخاص من القومية نفسها أو من
الأقليات الأخرى الموجودة في الإقليم نفسه).
يلاحظ هنا تعبير عند الإمكان، والذي يتيح للسلطة المركزية في الصين
إمكانية اختراق النص القانوني وتهميش وجود التركستانيين في سائر مواقع
الإدارة داخل منظومة الحكم الذاتي، كما أن هذا يفسر سبب تواجد عرق
الهان في أغلب المراكز الحساسة في تركستان، بينما ولأسباب شكلية يتم
منح بعض المناصب للتركستانيين دون أدنى سلطة تذكر فيما السلطة
الحقيقية في يد المسؤول الصيني.
ويشترط في كافة تصرفات سلطة الحكم الذاتي أن تتفق مع سياسة الحكومة
المركزية وتحظى بموافقتها!، كما أن اللجنة الدائمة لمجلس نواب الشعب
الصيني لها الحق في إلغاء اللوائح والقرارات التي تصدرها سلطة الحكم
الذاتي إذا لم تكن متفقة مع الدستور الذي تختص اللجنة الدائمة
بتفسيره.
وبتحليل ذلك يتضح أن حرية حكومات منطقة الذاتي محدودة، كما أنها
ملزمة بتنفيذ تخطيط مركزي وبالتالي فهي مجرد هيئة إدارية تنفذ تخطيط
إدارة مركزية أعلى، وبمعنى آخر هي إدارة من إدارات حكومة الصين وليست
حكومة تتمتع بسلطة الحكم الذاتي وتستطيع من خلاله وضع السياسات التي
تحافظ على الملامح الحضارية والهوية الثقافية والمصالح المختلفة
لمنطقة الحكم الذاتي وشعبها، ولكنها إدارة تتحرك فى إطار مصلحة المركز
وتدعيم هويته الحضارية على حساب هويتها الحضارية الخاصة، وتشير إلى
ذلك صراحة المواد 6،7،53 من قانون مناطق الحكم الذاتي، والتي توجب على
أعضاء حكومة الحكم الذاتي القومي وضع اهتمامات الدولة المركزية فوق أى
اعتبار آخر، وبذل الجهد لأداء المهام التي يُكلفون بها من الجهات
الأعلى، والاهتمام ببناء مجتمع اشتراكي ذي ثقافة وأيديولوجية متقدمة
وملامح وطنية وارتفاع دائم للوعى الاشتراكي، كما يجب عليهم تعزيز قيم
المواطنة وحب الوطن الأم (الصين)، وتعزيز قيم العمل وحب العلم والشعب
والاشتراكية وتوجيه التعليم بين المواطنين من مختلف القوميات تجاه دعم
الوطنية والشيوعية وسياسة الدولة تجاه مسألة القوميات، والتي من
الواضح أنها تهدف إلى دمج هوية التركستانيين وغيرهم من القوميات داخل
الصين الشيوعية.
وبالنسبة لمجالس نواب الشعب المحلية بمناطق الحكم الذاتي في الصين،
تعتبر تلك المجالس سلطات تشريعية محلية متعددة الطبقات حيث يحق لها
وللجانها الدائمة وضع قوانين وأنظمة محلية لدائرة الحكم الذاتي التي
تمثلها، إلا أن هناك شروطا مقيدة لذلك الحق، منها:
أولاً: لابد لتلك القوانين والأنظمة أن ترفع إلى اللجنة
الدائمة لمجلس نواب الشعب المحلي في المستوى الأعلى للموافقة
عليها.
ثانياً: لابد من رفع تلك القوانين واللوائح الصادرة من كافة
مستويات سلطة الحكم الذاتي إلى اللجنة الدائمة للمجلس الوطني لنواب
الشعب في بكين، ولا تصبح نافذة المفعول إلا بعد الاطلاع والموافقة
عليها والتسجيل. كما أن الفعاليات القانونية لتلك الأنظمة والقوانين
تنتمي لأدنى طبقة من بين الأنظمة القانونية ولا يمكن أن تكون أساسا
عند قيام المحاكم الشعبية بتحرى القضايا خلال الدعاوى بل هي مرجع
فقط.
ولذلك فالحكم الذاتي القومي للأقليات القومية داخل الصين يعتبر
مقيداً من المركز بشدة ورهناً بمصلحة الدولة والحزب الشيوعي؛
فالأقليات مخولة نظرياً لاتخاذ قرارها ولكن لابد من موافقة السلطات
الأعلى، كما أن الكيانات الإدارية للحكم الذاتي تحت سلطة شخصيات
إدارية من "الهان" أو تخضع لسيطرتهم، وتابعة تماماً لسيطرة الشخصيات
الإدارية في بكين أو في إدارة المقاطعة حيث يمثل الهان الأغلبية، كما
أنه يمكن اعتراض قرارات سلطة الحكم الذاتي على كافة المستويات، وأيضا
فالحكومات المحلية تتملق تنظيمات الحزب الشيوعي المحلية وتراعي
توجيهاته.
ومن ثم يمكن التأكيد على أن معايير الحكم الذاتي المطبق في تركستان
الشرقية غير متوافرة، ووضعها هو أقرب إلى نظام اللامركزية الإدارية أو
الإدارة المحلية، والذي توجد له عدة مستويات إدارية، وفي هذه الحالة
لا يوجد إلا نوع واحد من الحكام الحقيقيين، لأن رجال الإدارة المحلية
في النظام اللامركزي ليسوا إلا نواباً عن الحكام الأصليين أي رجال
الحكومة المركزية، تلك الحكومة التي تستطيع أن تعدل بقانون تصدره
النظام اللامركزي القائم دون حاجة إلى موافقة الهيئات الإدارية
الإقليمية.
ماذا يطلب التركستانيون؟
وعلى ذلك فإن هناك حاجة ملحة لتفعيل وتطبيق حكم ذاتي حقيقي داخل
تركستان الشرقية لكي يتمكن أهلها من العيش في إطار هويتهم الحضارية
والدينية، ويتحقق لهم حد أدنى من احترام كرامتهم وحقوقهم الإنسانية
كبشرٍ يعيشون في المجتمع الإنساني داخل الصين وفي العالم بأسره.
وفي الوقت الراهن، فإن حل قضية تركستان الشرقية المحتلة من قبل الصين
الشيوعية يتمثل في المطالب الآتية للتركستانيين:
أولاً: تفعيل مصطلح الحكم الذاتي الموجود في الدستور الصيني
الشيوعي، فهذا المصطلح موجود في الدستور ولكنه صوري، ليس له أية قيمة
ولا حقيقة في الوقت الحاضر.
التركستانيون يريدون حكما ذاتيا حقيقيا مثل الحكم الذاتي في هونج
كونج التي تتمتع بحكم ذاتي حقيقي، فأهلها لهم تليفزيون خاص وإعلام
خاص، وثقافة خاصة وجامعات خاصة، والتعليم والاقتصاد والقضاء في
أيديهم، ولهونج كونج نظام خاص وسياسة خاصة.
أو يريد التركستانيون حكما ذاتيا مثل جمهورية تتارستان في روسيا
الاتحادية. فمع أنها تابعة للاتحاد الروسي، إلا أن لجمهورية تتارستان
حقوقا عديدة مثل عقد المؤتمرات دون إذن من روسيا، وتستطيع عقد
اتفاقيات مع الدول الأخرى بدون إذن من روسيا. والتعليم والقضاء
والاقتصاد والسياسة في أيدى التتار.
إن تركستان بلد محتلة من قبل الصين، والمعركة بين الطرفين لا يمكن أن
تنتهي أو تتوقف بقوة السلاح مهما كبرت. والمقاومة ولو كانت ضعيفة
وبشكل فردي فهي موجودة ومستمرة في كل لحظة في أنحاء تركستان؛ ولذا لا
يوجد حل آخر غير الحكم الذاتي الحقيقي الفعال للتركستانيين، وهذا ما
يطلبه التركستانيون الآن، مع تقديم يد العون والمساعدة من الدول
والمنظمات الإسلامية ليحصلوا على معيشة إنسانية ليس أكثر.
ثانياً: رد الاعتبار لاسم البلد، ألا وهو "تركستان الشرقية"،
وليست سنكيانغ أو شنجيانج، وعدم تجريم من يتحدث باسم بلده المعروف
تاريخياً؛ فعلى الصين أن تعترف كالدول الغربية المستعمرة بأنهم يحتلون
بلدا ما. الغربيون إذا احتلوا مكانا يعترفون بأنهم احتلوه. ولماذا
الصين الشيوعية تكذب وتزور الحقائق في قضية تركستان، ولا تريد أن
تعترف بأنها احتلتها بحيلة ماكرة عام 1949. ألم يقل ماوتسي دونج في
ذلك الوقت "أننا سنخرج من تركستان بعد أربع سنوات"... أين كلام هذا
الشيوعي؟.
ثالثاً: أن يُعطى للتركستانيين حق التعبير وحق اعتناق عقيدة
الإسلام وعدم إجبارهم على تعلم المبادئ الماركسية المضادة للدين
الإسلامي. فعلى الصين الشيوعية إلغاء مادة الإلحاد الإجبارية في
المدارس التركستانية من الابتدائية حتى الجامعات، وألا تتدخل في مجال
التعليم الإسلامي إطلاقاً، وأن يسمح بفتح المدارس والمعاهد المغلقة،
وأن يسمح بإنشاء جامعة إسلامية تابعة للسعودية أو لمصر. وكذلك أن يعطى
حق التعليم والتربية عامة للتركستانيين، بحيث يديرونها بشكل يتناسب مع
ثقافتهم وحضارتهم الإسلامية.
رابعاً: إعطاء الحرية الكاملة للتركستانيين في مجال الاقتصاد
وعدم وضع عراقيل أمام تجارة وسفر التركستانيين بحيث يستطيعون الحصول
على جواز سفر عندما يريدون، ويسافرون إلى أي بلد شاءوا للتجارة، حتى
تتحسن معيشة التركستانيين.
خامساً: السماح للتركستانيين بأن يتعلموا في أي بلد شاؤوا،
إسلامي أو غير إسلامي، بدون قيود؛ فما داموا هم مواطنين في الصين
الشيوعية، فلهم نفس الحقوق التي أعطيت للصينيين بأن يتعلموا في
الجامعات الكبيرة في العالم.
سادساً: أن تراعي الصين الشيوعية اختلاف اللغة والعقيدة
والثقافة والحضارة والتقاليد للتركستانيين، فلا تحاول أن تمحو أية
واحدة من المعالم التركستانية. من ذلك عدم التدريس الإجباري للغة
الصينية في المدارس والجامعات بحجة عدم لياقة اللغة الأويغورية
للتطورات، كما أن التركستانيين يحتاجون بالدرجة الأولى إلى حفظ أصولهم
وثقافتهم وحضارتهم بهويتها الإسلامية والتركية.
سابعاً: وقف تطبيق سياسة تحديد النسل لمسلمي تركستان.
ثامناً: الإيقاف الفوري لتهجير التركستانيين قسراً خاصة
الفتيات المسلمات إلى داخل الصين بحجة تشغيلهن؛ فهذه المسألة من أخطر
الكوارث التي تواجه مسلمي تركستان. وأرض تركستان تفيض بالشغل للفتيات
لو أردن العمل، كما أنهن لسن مضطرات لفقد العقيدة والأخلاق والعفة في
سبيل المال، فلدى التركستانيين مبدأ أن تجلس المرأة والفتاة كالملكة
محترمة ومكرمة في المنزل.
تاسعاً: وقف الاستيطان الصيني في تركستان بكل أنواعه.
عاشراً: وقف إجراء التجارب النووية في منطقة تركستان.
حادي عشر: منح المسلمين التركستانيين حق تقرير المصير في حكم
بلادهم، وإجراء انتخابات حرة لاختيار رئيس الحكومة المحلية ورؤساء
اللجان الشعبية.
ثاني عشر: إعطاء الأولوية لشباب تركستان للعمل في الأجهزة
الحكومية والمؤسسات والمصانع.
ثالث عشر: العمل على رفع المستوى العلمي والصحي والاقتصادي
لشعب تركستان.
أخيرا، إن تحقيق هذه المطالب فقط هو ما يمكن معه تفادي الاضطرابات
والتوتر والمشاكل التي تؤرق المجتمع الصيني والعالم الإسلامي الذي يكن
للصين التمنيات الطيبة بالتقدم والازدهار والسلام، ونتمنى ألا تتغير
تلك المشاعر إلى النقيض من جراء سحق تركستان الشرقية.
--------------------------------------------------------------------------------
د. عز الدين الورداني
باحث متخصص في شئون تركستان الشرقية.
- التصنيف: