تساؤلات حائرة 1
لماذا كل شيء في الدين مختلف فيه حتى أمور العقيدة، وكل معه الدليل وكل يحب الله ويريد الإخلاص والخلاص ثم يكون في الآخر في النار خالدًا فيها! لأنه ضل بالدليل وليس عنده عقل يفهم مثل من فهم الإسلام مثلا؟؟ لماذا لم يجعل الله أمر دينه واضح ثم نجاهد في التطبيق ليس في معرفته؟
(س1)
هو قال لي: لا توغلي كثيرًا في أمور الدين وتمسكي بدين العجائز، وهو نفسه في حيرة فلعلك تساعدني وتساعده. هو يقول: أنا مصدوم لكني لا أزال أتهم نفسي أني لم أفهم بعد.
أولاً هو يقول: أين مفهموم الرحمة من خالق عظيم وهو يضع معضم خلقه في النار!! وأن مسألة الأديان مسألة جغرافية فمن ولد في الهند سيعبد البقر، ومن ولد في السند سيعبد بوذه، ومن كتاب القرآن لم يكن عنده علم إلا بحال أهل الجزيرة وأين الحجة التي أقامها الله علي عباده لكي يخلدهم في النار والأمر قد لا يصل واضحًا لشخص ما بحكم أن من ولد مسيحيًا يكون مسيحيًا ومن ولد مسلمًا يكون مسلمًا.
(ج1)
نعم، فعلاً اتهام النفس بالجهل أو بعدم الفهم أكثر حكمة. هب أنك دخلت قصرًا عظيمًا يدل على حكمة مصممه، ثم أثناء سيرك فيه وجدت بضعة مسامير مثبتة في الحائط، فلم يعجبك شكلها أو موضعها، هل من الحكمة أن تتهم مصمم القصر أنه غير حكيم، أو أن القصر غير موجود؟ أو أن المصمم غير موجود؟ أم تحاول أن تفهم الحكمة من تثبيت هذه المسامير، وإن لم تفهمها أدركت أن ثمة حكمة لم تعلمها؟
الله تعالى لم يضع أحدًا في النار، بل من دخل النار دخل بإرادته الحرة، أما كون الأديان مسألة جغرافية فبغض النظر أن ما تقوله ليس قاعدة وأن هناك من يعرف الحق فيهجر دين آبائه وقومه ويعتنقه، بغض النظر عن هذا إلا أنه من وُلِد في مكان ولم يعلم عن الإسلام شيئاً أو علم معلومات مضللة فذلك ما ينطبق عليه قوله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء:15].
{مَّنِ اهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ ۖ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا ۚ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ۗ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء:15].
فلن يعذب الله أحدًا لم يعرف الحق ثم ينكره.
فبالتالي إن الدعوى والزعم الموجود في السؤال غير حقيقيين من الأصل.
(س2)
يقول: لماذا كل شيء في الدين مختلف فيه حتى أمور العقيدة، وكل معه الدليل وكل يحب الله ويريد الإخلاص والخلاص ثم يكون في الآخر في النار خالدًا فيها! لأنه ضل بالدليل وليس عنده عقل يفهم مثل من فهم الإسلام مثلا؟؟ لماذا لم يجعل الله أمر دينه واضح ثم نجاهد في التطبيق ليس في معرفته؟
(ج2)
أولاً: ليس كل ما في الدين مُختَلَفًا فيه، بل هناك الأصول والفروع، والناس تتفق في الأصول، سواء كان أصول العقائد أم الشرائع! فلا أحد قط من المسلمين اختلف في أنه كي تكون مسلمًا يجب أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، ولا أحد قط من المسلمين اختلف في أنه يجب اتباع القرآن ويفهم ما فيه ويطبقه كما فهمه وطبقه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أحد من المسلمين اختلف في أركان الإسلام ولا في أن عدد الصلوات المفروضة خمس، ولم يختلف أحد من المسلمين في عدد ركعات الصلاة، ولا أحد من المسلمين اختلف أن صيام رمضان فريضة، وأن الصيام في رمضان من الفجر للمغرب إلى آخره من عقائد الإسلام وشرائعه الأساسية التي تشكل العمود الفقري للإسلام والتي لا خلاف عليها.
ثانيًا: ما أُختُلِف فيه في الإسلام هو قوة في الإسلام وليس ضعفًا، فكما أن العمود الفقري من القوة أن يكون صلباً فإن الهيكل والعضلات من القوة أن تكون مرنة، والمسلمون يصلون لأفهام مختلفة لنفس النصوص، ولو أراد الله غير ذلك لجعل النصوص الفرعية بحيث لا يوجد إلا فهم واحد لكل نص، لكنه لم يرد ذلك حتى يفتح على المؤمنين باب سعة في دينهم، وحتى يرفع الحرج عن أمته.
ثالثًا: الدعوى بأن الله سيعذب من وصل -بالدليل العقلي- لقناعة ما خاطئة هي قناعة خاطئة تمامًا، فإنه في ديننا من اجتهد فأصاب فله أجران ومن اجتهد فأخطأ فله أجرٌ.
رابعًا: أما أنك تسأل لماذا لم يجعل الله أمر دينه واضحًا ثم نجاهد في التطبيق ليس في معرفته، فهو سؤال خاطئ لأن الله جعل أمر دينه واضحًا بالآيات والدلائل المحكمات، والمجاهدة إنما يجب أن تكون هي مجاهدة الهوى الذي يدفع الإنسان إلى عزل المتشابهات عن المحكمات وعدم ردها إليها كي يستقيم فهمها.
{هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّـهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} [آل عمران:7].
(س3)
كيف يقول الله: {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ} [الأنعام:101]!! هل ما كان ينقصه هي الصاحبة؟؟وبما أنها صاحبة هل هو ذكر؟ لماذا لم ينفي من الأصل مشابهته ولماذا لا يوجد دليل لوجود الله وكله استنتاجات؟
(ج3)
لو أحسنت الفهم لأدركت أن قوله تعالى {وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ} ليس معناه أن ما ينقصه هو الصاحبة وليس معناه أنه يحق في حقه تعالى الصاحبة، لكن {وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ} معناها أنه ليس "ذكرًا" كما قد يتوهم الناس نتيجة للثقافة أو اللغة الشائعة، فنفي الصاحبة هو ضمنيًا معناه أن الاعتقاد بأنه تعالى ذكرًا هو اعتقاد باطل، لأن الذكورة عكس الأنوثة، واحتمال الذكورة يستتبع احتمال وجود شريك له (صاحبة)، لكن كل هذا لم ينشأ إلا من الأخيلة والأفهام السقيمة التي تشبه الله بالإنسان، تعالى عما يصفون علوًا كبيرًا.
أما لماذا لم ينف من الأصل مشابهته، فهو قد فعل هذا في آياته المحكمات مثل قوله {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:11] ومثل قوله {وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص:4] لكن التمسك بالمتشابهات بمعزل عن المحكمات هو الذي يولد الأفهام الخاطئة!
أحمد كمال قاسم
كاتب إسلامي
- التصنيف: