أبشِر أيها المظلوم، واحْذَر أيها الظالم

منذ 2016-05-26

فبينما سحائب إكرام الله لك، ونصره المُنزَّل عليك؛ يغشَى السماء ويُظلّها، تَظنّ أيها الموجوع المظلوم؛ أنها ظلمات البَغي والطغيان التي لن تنكشف! حتى إذا كُشفَت على حين غرّة، رأيتَ من نصر الله وبركاته ورحمَاته ما لم ينتهِ إليه بصرُك، ساعتها تتحقَّق: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ}

روَى مسلمٌ في صحيحِه، عن عروة بن الزبير: "أنَّ أروى بنتَ أويسٍ ادَّعت على سعيدِ بنِ يزيدٍ أنَّهُ أخذ شيئًا من أرضها. فخاصمتْه إلى مروانِ بنِ الحكمِ. فقال سعيدٌ: أنا كنتُ آخذُ من أرضها شيئًا بعد الذي سمعتُ من رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ؟ قال: وما سمعتَ من رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ؟ قال: سمعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يقول: «من أخذ شبرًا من الأرضِ ظلمًا طوَّقَه إلى سبعِ أرضينَ» ، فقال لهُ مروانٌ: لا أسألك بيِّنَةً بعدَ هذا. فقال: اللهم! إن كانت كاذبةً فاعْمِ بصرها واقتلها في أرضها. قال: فما ماتت حتى ذهب بصرُها. ثم بينَا هي تمشي في أرضها إذ وقعت في حفرةٍ فماتت (مسلم [1610])".

وفي رواية قال: فرأيتها عمياء تلتمس الجُدر، تقول: أصابتني دعوةُ سعيد بن زيد، ثم بيْنا هي تمشِي في أرضها، إذ وقعَت في حفرةٍ فماتَت فكانَت قبرَها.
قلتُ : فلئِن كانت هذه دعوة مظلوم، قد استُجيبَت في ترابٍ من الأرض، لا قَدْر ولا قيمة؛ فكيف بدعواتٍ في الأسحار بل آناء الليل، وأطراف النهار قد اختضبَت بدموعٍ وأحزانٍ وآهات من أطفالٍ، ونساءٍ، وشيوخٍ، وأُمَّهات، على مَن حرَمهم مِن أهلِيهم وذَويِهم، وخرَّبوا ديارهم، وانتهكوا أعراضهم، وفرَّقوا جَمعهم وشَملهم؟!
بل كيف بدعوات الصالحين والربَّانيين، على من ظلَمهم في أنفسهم ودينهم، وبَغى على شَرع ربِّهم وإسلامهم، وحال بينهم وبين دعوتهم وجهادهم؟!
بل كيف بدعوات كلّ مظلوم على ظالمه، ولو في حقيرٍ من الأمر لا كبير ولا عظيم؟!

فأبشِر أيها المظلوم بإجابتك، وكشف كُربتك، وقضاء حاجتك.
ومتَى أخَّرها الكبيرُ المُتعال؛ فلِحكمةٍ وإمهال لا لِنسيانٍ وإهمال، فرُوَيدك رُويدَك.
أفسدَ الظالمُ عليك شيئًا من دُنياك لِتربحَ دُنياك وأخراك، فبِئسَ الثَّمن في جَنب الله، ونِعمَ العِوضُ مِن بعد رضَاه، فاصْبِر وما صبرُك إلَّا بالله، فبينما سحائب إكرام الله لك، ونصره المُنزَّل عليك؛ يغشَى السماء ويُظلّها، تَظنّ أيها الموجوع المظلوم؛ أنها ظلمات البَغي والطغيان التي لن تنكشف! حتى إذا كُشفَت على حين غرّة، رأيتَ من نصر الله وبركاته ورحمَاته ما لم ينتهِ إليه بصرُك، ساعتها تتحقَّق: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ} [الزمر من الآية:36].

وأنت أيها الظالم المتكبّر: فوَاللهِ ما أمهلَك الله عجزًا ولا سهْوًا، وإنَّما استِدراجًا ومَكرًا، {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [العنكبوت : 4]، وعن أبي موسى الأشعري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنَّ اللهَ تعالى لَيُمْلي للظالمِ ، حتى إذا أخذَه لم يُفْلِتْه» (الألباني، صحيح الجامع [1822])، وإنما كان ذلك الإمهال؛ ليَبلُوَ صبرَ الصابر، وليُملِي في الإمهال للظالم، فيُثبِّتُ هذا على صبره، ويَجزي هذا بقبيح فِعله، فتحرَّروا من ظلمات الخَلق ها هنا، قبل ألا يكون دينارٌ ولا درهم، ولا تنفع خُلَّة ولا شفاعة.

 

أبوفهر المسلم

المصدر: طريق الاسلام