زاحم على باب العتق! - (3) كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ

منذ 2016-06-29

وليكن قيام ليل رمضان.. بداية لجعل الليل مصنع لتجديد إيمان قلوبنا.. ونلتزم بعد رمضان من القيام كل يوم حتى لو جزء يسير منه.. فنخرج من رمضان وقد وطنا أنفسنا على حب القيام وتدبر الآيات والخشوع.. والاشتياق لسجدة في جوف الليل نرجو فيها الله عزوجل مغفرته ورضوانه..

مازال السباق مستمراً .. ومازلنا نزاحم على الباب.. لعلنا نكتب من عتقاء هذا الشهر..

فإن كان رمضان فرصة سنوية للخروج بقلب جديد.. وصفحة تمحي آثار الخطايا منها.. فليلة القدر هي ثمرة المجتهد فيه.. فهي ليلة خير من ألف شهر.. ومن منّا سيحيا ألف شهر خالصة مخلصة في العبادة؟!

اليوم سيكون حديثنا عن القيام.. ودعونا نرى ليل المؤمن بشكل مختلف.. يبقى معنا باقي العام وليس فقط في رمضان!

ليل المؤمن
هل ليل المؤمن يكون في نوم طويل مريح؟ أم سهر في لهو وفيما لا فائدة منه؟!

الليل هو وقت مميز جدًا.. نعم هو للسكن والراحة.. ولكن ليس فقط بالنوم! ولكن سكون للروح وراحة للقلب بين يدي الله عزوجل.. بقيامه والاستغفار والدعاء!

وكيف لا.. والله عزوجل ينزل إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل يسأل عباده عن من له حاجة ومن يريد المغفرة و التوبة! .. عن جبير بن مطعم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ينزلُ اللهُ في كلِّ ليلةٍ إلى سماءِ الدُّنيا فيقولُ : هل من سائلٍ فأُعطِيَه ؟ هل من مُستغفرٍ فأغفرَ له ؟ هل من تائبٍ فأتوبَ عليه ؟ حتى يطلعَ الفجرُ» (صحيح الجامع [8167]).. فأين نحن حينذ..؟

يقول الله عزوجل للنبي صلى الله عليه وسلم في بداية نبوته: {قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا . نِّصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا . أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا . إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا . إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا} [المزمل:2-6]! قم الليل! يأمره الله عزوجل والمؤمنين معه بالقيام.. لأن ناشئة الليل هي التي تغير في القلب.. وتقوي الإخلاص..

وقال الله عزوجل أيضًا لنبيه: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ} [الشرح:7]، إي إذا فرغت من الدنيا.. ماذا تفعل؟ قم لله وانصب..!

وماذا قال الله عزوجل عن صفات عباد الرحمن؟ {وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا} [الفرقان:64]، أي "والذين يكثرون من صلاة الليل مخلصين فيها لربهم، متذللين له بالسجود والقيام" (التفسير الميسر).

وبما وصف المتقيين في سورة الذاريات؟ {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ . آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَٰلِكَ مُحْسِنِينَ . كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ . وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات:15-18].. يناموا شيء قليل.. وليلهم ما بين قيام بين يدي لله.. واستغفار بالأسحار!

ووصف الله عزوجل أولوا الألباب.. هؤلاء الذين يميزون بين حقيقة الدنيا والآخرة.. {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ ۗ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ۗ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الزمر:9].. هم من كان ليلهم قيام وقنوت.. يتفكروا في حالهم ويرجون من الله عزوجل رحمته!

وذكر الله عزوجل عن المؤمنين حالهم في الليل في سورة السجدة {تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} [السجدة:16].. كأنهم لا يستطيعوا أن يبقوا في مضاجعهم بالليل! ليلهم بين يدي ربهم.. يدعون ربهم خوفًا من عذابه.. وطمعًا في مغفرته ورضوانه وجنته..

هذا هو حال ليل المؤمن.. وكيف وصفه الله عزوجل في كتابه! لمن أرد أن يغير قلبه ويعمره بالإخلاص.. لمن أرد التدبر والتفكر في كلام ربه.. لمن أراد أن يكون في زمرة عباد الرحمن ولمن يريد أن يكون من المتقين ذوي الجنات والعيون في الآخرة.. {إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الزمر من الآية:9]..

قيام رمضان
كان الرسول الله صلى الله عليه وسلم يحث صحابته ويرغبهم في قيام رمضان: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُرغِّبُ في قيامِ رمضانَ من غيرِ أن يأمرَهم فيه بعزيمةٍ. فيقول: «من قام رمضانَ إيمانًا واحتسابًا، غُفِرَ له ما تقدَّم من ذنبِه»" (صحيح مسلم [759]).. إيمانًا: أي مؤمنًا مصدقًا .. احتسابًا: محتسب الأجر والثواب مخلصًا فيهم لله عزوجل.. إذا حقق قيام رمضان بهذه الشروط.. غفر له ما تقدم من ذنب! فأي رحمة من الرحمن تلك! وأي غفلة للقلوب عن هذا الرحمة!

وليكن قيام ليل رمضان.. بداية لجعل الليل مصنعاً لتجديد إيمان قلوبنا.. ونلزم بعد رمضان من القيام كل يوم حتى لو جزء يسير منه.. فنخرج من رمضان وقد وطنا أنفسنا على حب القيام وتدبر الآيات والخشوع.. والاشتياق لسجدة في جوف الليل نرجو فيها الله عزوجل مغفرته ورضوانه..

قيام ليلة القدر
وقال صلى الله عليه وسلم: «مَن قام ليلةَ القدرِ إيمانًا واحتسابًا، غُفِرَ له ما تقدَّمَ من ذنبِه» (صحيح البخاري [1901]).. فمن وفق لقيام تلك الليلة.. غفر له ما تقدم من ذنبه! وكيف لا وهي ليلة القدر! الليلة التي نزل فيها القرآن الكريم.. معجزة البيان والهدى من الرب جل وعلا للعالمين!

وإن كنا نلتمس تلك الليلة العظيمة في العشر الأواخر.. فلا تفوت ليلة منها دون قيام وتهجد.. وصلاة للعشاء والفجر في جماعة! جاء في صحيح الترمذي: «مَن شَهِدَ العشاءَ في جَماعةٍ كانَ لَهُ قيامُ نِصفِ ليلَةٍ، ومَن صلَّى العشاءَ والفَجرَ في جماعةٍ كانَ لَهُ كقيامِ ليلةٍ» (صحيح الترمذي [221]).

اللهم اجعلنا ممن استمع القول فاتبع أحسنه.. وارزقنا قيام ليلة القدر وتقبله منا إنك سميع مجيب..

سارة خليفة

طبيبة مصرية، تخرجت في كلية الطب جامعة القاهرة، وتعمل في أسرة التحرير بموقع طريق الإسلام.

المقال السابق
(2) عفوٌ تُحبُّ العفو فاعْفُ عنا
المقال التالي
(5) رحمة لك وطُعْمَةٌ للمساكين