الصَّلب حقيقة أم افتراء ؟
الأناجيل الثلاثة اتفقت على مشهد مهم جدًّا يؤثر على سَيْر الأحداث ويتعارض مع ما سبق في إنجيل يوحنا، وهو أن الذي حمل الصليب ليس المسيح بل سمعان القيرواني !
وفي هذه الرسالة الأخيرة يتوقف المؤلف مع قصة حادثة صَلْب المسيح
التي يدّعيها النصارى، ويرى أن في نُسخ الإنجيل والتوراة بين أيدينا
ما يدل على أن المصلوب ليس المسيح.
يحكي إنجيل متى [27/27-31] أنه: "أَخَذ عسكرُ الوالي يَسوعَ،
فَعَرَّوه وألبسُوه قرمزيًّا، وضفروا إكليلاً من شوك ووضعوه على رأسه،
وبصقوا عليه، وبعدما استهزؤوا به نزعوا عنه الرداء وألبسوه ثيابه
ومضَوا به للصَّلب".
والنص السابق فيه شيء لا بأس به من الوضوح، ولكن هنا افترقت الأناجيل
الأربعة في أحداث القصة، فإنجيل يوحنا [19/17،16] ينقل أن الذي حَمل
الصليب هو المسيح: "فأمسكوا يسوع، فخرج حاملاً صليبه".
إلا أن الأناجيل الثلاثة اتفقت على مشهد مهم جدًّا يؤثر على سَيْر
الأحداث ويتعارض مع ما سبق في إنجيل يوحنا، وهو أن الذي حمل الصليب
ليس المسيح بل سمعان القيرواني (القيريني): "وفيما هم خارجون وجدوا
إنساناً قيروانيًّا اسمه سمعان، فسخّروه ليَحمل صليبَه، ولمّا أتَوا
إلى موضع يقال له جلجثة، وهو المسمى موضع الجمجمة، أعطَوْه خلاًّ
ممزوجاً بمرارة ليشرب، ولمّا ذاق لم يُرِد أن يشرب، ولمّا صَلبوه
اقترعوا ثيابَه مقترعين عليها لكي يتم ما قيل بالنبي: اقتَسَموا ثيابي
بينهم وعلى لباسي ألقَوا قرعة، ثم جلسوا يحرسونه هناك، وجعلوا فوق
رأسه عِلَّتَه (سبب صَلْبه) مكتوبة: هذا هو يسوع ملك اليهود.." [متى:
27/32-37]، وقريب منه في إنجيل مرقس [15/21-26]، وفي إنجيل لوقا
[23/26].
وهذا النص مؤشر إلى:
1- اختلال في الرواية: حيث يقول يوحنا إن الذي حمل الصليب هو يسوع،
وفي الأناجيل الثلاثة الأخرى أن الذي حمله هو سمعان القيرواني.
2- براءة يسوع: من أي جريمة توجب العقوبة حتى في قناعة بيلاطُس "لا
أجد في هذا الرجل سبباً لاتهامه" كما في قصة الأناجيل الثلاثة غير
يوحنا.
3- "والنفس التي تخطئ هي تموت" هكذا جاء صريحاً في سفر حزقيال
[18/20]، وفي التثنية [24/16]: "لا يُقتل الآباء عن الأولاد، ولا
يُقتل الأولاد عن الآباء، كل إنسان بخطيئته يُقتل".
فإذا كان لديهم هذه النصوص فلماذا يُقَرِّر علماء الكنيسة بأن نزول
"ابن الله" المسيح كان ضرورياً للتكفير عن خطيئة البشر الأصلية التي
ارتكبها آدم؟!
4- اختلال في سُلَّم العقوبات: فالعقوبة تكون على قدر الجِناية، فهل
الصلب بتلك التفاصيل العجيبة متناسب مع خطأ آدم؟ مع العلم أن الله
عاقب آدم بإنزاله من الجنة! فلماذا يكرر العقوبة على غيره؟ أو لماذا
يعاقب الله نفسه أو "ابنه"؟
5- عدم الحاجة إلى المعمودية: يقول المؤلف: "فإذا كان المسيح قد صُلب
كفّارة عن خطيئة آدم، فما فائدة المعمودية للشخص المولود من أبوين
مسيحيَّين مؤمنَين بقضية الصلب المزعومة، التي بها تمت عملية الفداء؟!
إذا هم يعتقدون بأن خطيئة آدم ما زالت بحاجة إلى مَحْوِها".
6- أنّ المصلوب هو سمعان القيرواني: لأنه "كان على المحكوم عليه،
وفقاً لما ورد في الشريعة، أن يحمل هو نفسه أداة تعذيبه" كما في هامش
إنجيل يوحنا [19/17:دار المشرق- بيروت، جمعيات الكتاب المقدس في
المشرق- بيروت ط 5/1999م).
وفي التفسير التطبيقي للكتاب المقدس أيضاً: "كان المتَّهمُ المحكومُ
عليه بالموت صَلباً يُجبر على حَمل صليبه عبر طريق طويل حتى موضعِ
الصلب".
7- أن المصلوب ليس الرب: لأن الرب الخالق لا يشبه المخلوق، وهو بكل
شيء عليم، وعلى كل شيء قدير، فإذا كان المصلوب هو يسوع "الرب" فلماذا
تفاجأ مِن أنّ الله تَرَكه يُصلب؟ رغم أنه بحسب عقيدة النصارى لم
يتجسد إلا ليُصلب للفداء، وقد أخبر هو نفسه بتفاصيل صَلبه واقتراع
الشرطة على ثيابه...؟ وهل يكون بعض الرجال الشجعان أشدَّ صبراً من
الإله؟! حيث "صرخ يسوع بصوت عظيم: إيلي! إيلي! لِمَا شَبَقْتَني؟ أي
إلَهي إلَهي لماذا تركتني؟" [متى:27/45،46].
8- بل هو ليس حتى يسوع النبي، لأن النبي يصبر ولا يعترض على قضاء
ربِّه خالقِه وحبيبه. وهل يخدع الله أنبياءه ويتركهم؟!
وبالتالي فالمصلوب ليس هو المسيح عيسى وإنما هو إنسان آخر شَبَّهَه
اللهُ بسيدنا عيسى في أعين الناظرين إليه. قال الله تعالى في القرآن
الكريم: {وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن
شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ
مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا
قَتَلُوهُ يَقِينًا . بَل رَّفَعَهُ اللّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللّهُ
عَزِيزًا حَكِيمًا}
[النساء:157،158].
فقد أشارت الآية أيضاً إلى الاختلاف السابق، وهذا إذا غضضنا الطَّرْف
عن إنجيل برنابا الذي خُتم بأن سيدنا عيسى رُفع إلى السماء واضعاً
يديه على أجنحة الملائكة!
ربما بقي لديك سؤال! وهو: كيف انخدعَتْ هذه الملايين من الأجيال
المتعاقبة بالصَّلب إذا لم يكن صحيحاً؟
وسأترك الإجابة للإنجيل الذي أخبرنا بأن عظماء الكهنة (اليهود) عندما
أرادوا تغيير وإخفاء قصة قيامة المسيح: "أعطَوا الجنود (الحرّاس الذين
شاهدوا القيامة) مالاً كثيراً وقالوا لهم: قولوا: (إنّ تلاميذه جاؤوا
ليلاً فسرقوه ونحن نائمون. وإذا بلغ الخبر إلى الحاكم أرضيناه ودفعنا
الأذى عنكم). فأخذوا المال وفعلوا كما لقّنوهم، فانتشرت هذه الرواية
بين اليهود إلى اليوم" [متى:28/12-15].
فكيف خُدع اليهود بهذه الكذبة ألفَي سنة؟! قد يكونون مخدوعين كما
خُدع اليهود بإقرار الإنجيل، لأنهم يتوارثون العقائد من دون توَثّق
وتدقيق وتَجرّد للحقيقة أينما كانت، فاعتمد أولئك الملايين على كَهَنة
وشُرطة يكذبون ويتعاملون بالرشوة!
وأخيراً أيها القارئ المُتَنوّر: هذه قصة واقعية اعتنق فيها أحد
القساوسة الإسلام، بناء على مثل هذه الإشكالات في (الكتاب المقدس)
للنصارى، لأنه بحث عن الحق واختار أن يتبعه بعد أن تعرف عليه، ولو رجع
ذلك عليه بصعوبات حياتية واجتماعية، لأن صعوبةَ البعد عن الحق بعد
معرفته أكبر، وسعادةَ اعتناق الدين الذي حفظه الله من التحريف
أعظم.
كما أن سيدنا عيسى - عليه السلام - لم يأتِ لِيَهْدِم بل ليُكْمِل،
فإن سيدنا محمداً - صلى الله عليه وسلم - قد أمر كلَّ مَن جاء بعده أن
يتَّبعه ويؤمن به ليدخل الجنة وينجو من النار، ولا يُعتبر مؤمناً
بمحمد من لم يؤمنْ بكل الأنبياء الآخرين ويعظمْهم عليهم الصلاة
والسلام.
فقال النبي محمد صلى الله عليه وسلم : «
لا يَسمع بي أَحَدٌ من
هذه الأمة، يهوديٌّ ولا نصرانيٌّ، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أُرسلتُ إلا
كان من أصحاب النار» [صحيح
مسلم:153].
ولكنه بشّر اليهود والنصارى بمضاعفة الأجر إذا أسلموا فقال: «
أَسْلِمْ تَسْلَمْ يُؤْتِك اللهُ أَجْرَك
مرتين» [صحيح البخاري:7]. أي: أجرَ
الإيمان بموسى أو عيسى مع أجر الإيمان بمحمد عليهم الصلاة
والسلام.
أيها المُحب لِسيِّدنا عيسى: أظن أن ما ورد في هذا المختصر كافٍ
لإثبات أن محمداً رسولُ الله حقّ، وأنه يجب اتّباع دينه فإذا كنت
اقتنعت بذلك فلماذا لا تكون من أفضل النصارى مثل مؤلف كتابنا ممن
وصفهم الربّ الكريم بقوله في القرآن : {
لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ
النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ
أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ
آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ
مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ .
وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ
تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ
رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ . وَمَا لَنَا لاَ
نُؤْمِنُ بِاللّهِ وَمَا جَاءنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَن
يُدْخِلَنَا رَبَّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ . فَأَثَابَهُمُ
اللّهُ بِمَا قَالُواْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ
خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاء الْمُحْسِنِينَ . وَالَّذِينَ
كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ
} [المائدة:82-86].
مِفتاح الجنة بيدك فقل:
أَشْهَدُ أَلا إلهَ إلا اللهُ، وأشهدُ أنّ محمداً رسول الله.
وأنّ عيسى بنَ مريم عبدُ الله ورسوله وكَلِمتُه أَلقاها إلى مريمَ
وروحٌ منه.
- التصنيف: