إحياء السنن المهجورة - تسوية الصفوف
جعل الشارع الحكيم من صلاة الجماعة نوذجا مصغرا للمجتمع المسلم وفق التصور الإسلامي للمجتمع المسلم, يتكرر هذا النموذج في اليوم خمس مرات وقد يزيد كما في الأعياد والأيام التى بها خسوف أو كسوف أو ليال رمضان أو غير ذلك.
حيث يتقدم المصلين إمامهم في المجتمع الأكبر , فإن لم يتيسر يتقدمهم من يؤتم به في العلم والدين والخلق؛ على حسب ما هو مفصل في كتب الفقه, يليه في الاصطفاف الأولى باإمامةفالأولى, فالأطفال ثم النساء؛ بلا اختلاط وبلا اضطراب كما هو حالهم في المجتمع الخارجي؛ يعرف كل فرد موقعه ومكانه, وإمامهم ضامن لصلاتهم ومسئول عنها وهم يعرفون حقه فلا يسبقونه ولا يساوونه , وإن إخطاء ناسيا أو ساهيا ذكروه بما يليق بالصلاة وبموضع كل منهما؛ الرجال يسبحون والنساء يصفقن, يتبعونه في الأمور البسيطة المختلف فيها ولا ينفصلون عنه, أما إذا أصر على الإخلال بشرط من شروط صحة صلاتهم انفصلوا عنه, فلا طاعة في معصية, أولو الأحلام والنهى في مقدمة الصفوف, والأطفال من خلفهم يعرفون قدرهم فلا يتقدمونهم ولا يساوونهم وهم من أمامهم رحمة بهم وحماية لهم, ثم النساء صيانة لمجتمع المصلين من مقدمات الرزيلة وازعانا بما هو مركوز في الفطر من ميل الجنسين لبعضهما وإن كان ذلك في المسجد والموضع فيه سكينة وإخبات, الا أنه فصل سدا للذريعة , يفصل بينهم الصبيان حاجزا عن الاختلاط بينهم كما ينبغى أن يكون حالهم في مجتمعهم الخارجي, ورغم ذلك لهن الحق في تصويب الخطأ ولكن بالأسلوب الذي لا يفضي الى الفتنة, وعلى الإمام والرجال أن يلتزموا بذلك فلا يلتفت أحد حتى تخرج النساء.
ومن أهم أسس قيام المجتمعات هو التماسك بين أفرادها, ومن أخطر مسببات انهيار المجتمعات هو الاختلاف بين أفرادها, وهذا علة ما أوجبه الشارع الحكيم على المصلين من مساواة الصفوف والتراص فيما بينهم ومراعاة الترتيب السابق مع القرب فيما بينهم.
وكما توعد الشارع الحكيم المجتمع الكبير بأن الفرقة سبب ضعفه واهترائه " ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم" , حذر وتوعد مجتمع المصلين قائلا:" «البخاري ومسلم]
» " [رواهوجعلها من إقامة الصلاة وتمامها " «
» " [متفق عليه] , وفى رواية للبخاري "من إقامة".وكان صلى الله عليه وسلم يبالغ في تسوية الصفوف, يقول النعمان بن بشير: «
» [سبق تخريجه] .من هذه النصوص وغيرها استنبط العلماء على الراجح من أقوالهم وجوب تسوية الصفوف, وقال الشيخ بن العثيمين الجماعة إذا لم يسووا الصف فهم آثمون وهذا هو ظاهر كلام شيخ الإسلام ابن تيمية.أ.ه الشرح الممتع 6/3 , وقد بوب البخاري في صحيحه بابا قال : باب إثم من لم يتم الصفوف
ولما هجرت هذه الشريعة وأهمل فيها الأمة والمأمومين تحقق في فيهم الوعيد "أو ليخالفن الله بين وجوهكم", من اختلاف وجهات النظر والتنافر الذي أفضى الى اختلاف القلوب الذى انتقل أثره الى ظاهر علاقة المصلين فيما بينهم بعضهم البعض وبينهم وبين إمامهم, نسأل الله السلامة والعافية.
محمد سلامة الغنيمي
باحث بالأزهر الشريف
- التصنيف: