فتنة فيلدرز (النقد العلمي الإسلامي نموذجاً)

منذ 2010-07-27

قدم فيلدرز هذا الحل العبقري (!) أثناء مناقشة ميزانية 2010م في البرلمان الهولندي، وكأنَّ صورة المسلم تتراءى له في مكتب الضرائب والبرلمان والشارع وفي ظله، وفي ترحاله وحله.


يوم وصول فيلدرز للحكم (1):

لا يُعاني المسلمون وحدهم من أراجيف ومؤامرات صاحب الفيلم المعادي للإسلام المسمى "فتنة"، وهو البرلماني الهولندي "خيرت فيلدرز" (46 سنة) -فيلدرز مشتقٌّ من كلمة "التوحش"!- وإنما يُعاني كثير من الهولنديين أيضاً من فِتَنِه وأراجيفه المفتعلة، والتي أدارها حتى اليوم داخل البرلمان الهولندي هو وثمانية من أعضاء حزبه نجحوا في الانتخابات السابقة، والآن ازدادوا بنتائج الانتخابات الأخيرة إلى (24) عضواً من (150) عضواً يتشكَّل منهم البرلمان الهولندي.
"إذا أصبحت مواقف فيلدرز تجاه الإسلام جزءاً من برنامج الحكومة؛ فأتوقَّع أنَّ مجموعات كبيرة من المواطنين سيُهاجرون إلى الخارج، وأنا سأكون من بين هؤلاء".
 
لم يكن هذا قول شخص مسلم يعيش في هولندا، ولكنَّه قول وزيرة الداخلية الهولندية السابقة "خوسيه تر هورست"، وهو قول لافت، فيه من الدلالات والإيحاءت التي تُشير إلى اضطراب الأوضاع الداخلية في هولندا إلى درجة ما، وتوجَّسَ كثيرون من تداعيات وصول فيلدرز للحكم ومعه (23) من أعضاء حزبه، لكنْ دعونا ندخل إلى "المسألة الهولندية" من آخر تفاعلاتها ودهاليزها وتداعياتها الحالية، فبنهاية يوم الأربعاء (9 يونيو 2010 م) سقطت حكومة "الحزب الديمقراطي المسيحي" (cda) سقطة تاريخية مؤلمة، على إثر إعلان نتائج انتخابات ذلك اليوم المشهود، وقد أمكن للمشاهدين أن يروا آثار هذا السقوط المروِّع على وجه رئيس الحكومة "يان بيتر بالكينده" وهو يُعْلِنُ استقالته من رئاسة حزبه؛ وذلك بعد سويعات من خسارة حزبه لقيادة الدولة الهولندية ورئاسة الحكومة.
 
 
هذا فيما أمكن للمشاهد الهولندي أيضاً أنْ يرى صعود البرلماني الهولندي المعادي للإسلام "خيرت فيلدرز"، والمؤسس لحزب الحرية الشعبوي (عام 2004 م)، وهو يحتفل بانتصاره الكبير هو وحزبه، آملاً أنْ يُشارك في حكومة ائتلافية مقبلة، ومتوعِّداً - في لحظة عاطفية متطرِّفة- بكلمات واثقة، ومكرِّراً لبعض ما قاله من قبل عن موقفه من الإسلام في هولندا، وعن تحدِّيه للأحزاب الكبرى.
ولا شكَّ أنَّ العوامل الاقتصادية وعدم ثقة الشعب بالاقتصاد والأحزاب الكبرى، وشيوع الخوف من المستقبل بصورة لافتة، وانخفاض درجة الشعور بالأمن والسلام الاجتماعيين، والشعور بالقلق من انهيار العملة الأوروبية -وهو شعور غير صحيح على كل حال-؛ كل ذلك وغيره أدَّى إلى تراجع الأحزاب الكبرى في هولندا، وتقدُّم الحزب اليميني المتطرِّف لفيلدرز .
 
زيادة على ذلك: فإنَّ عدم اقتناع كثير من الناخبين (المتأرجحين دائماً) ببرنامج الحزب الحاكم، وفقدانهم الثقة في برامج الأحزاب ومزاعمهم في إصلاحهم أوضاع التعليم والأمن والاقتصاد، وفوائد البنوك فيما يخصُّ شراء البيوت، وارتفاع النفقات بعد توحيد العملة الأوروبية، وانخفاض قيمتها بصورة ملحوظة؛ كلُّ تلك الرياح العاتية قذفتهم على شاطئ فيلدرز "الأشقر"، وقراصنته وهم في حالةٍ من التوجُّسِ والإعياء الشديدين.
 
فهذا هو حلمه، أن يسيطر مجموعات ، أو "كتلة" لابأس بها من الطبقات الفقيرة والمعوزة، وكذلك الحانقين من شعبه، وهؤلاء حققوا له حلمه بأن يشارك في حكومة وبعدد من المقاعد مناسبة للضفط السياسي الفاعل، كما ان حلمه ان يحصل على وزارات وحقائب دبلوماسية بات وشيكا : "لقد أصبح الحُلُمُ مستحيلا"، وهو مع ذلك، لم ينسي ان يطلق تهديداته لحظة سماع نتائج الانتخابات الاخيرة : "سنريهم الويل" (هل سنعتبر إعلانه هذا نبوءة؟!)، كما ورد في صحيفة "دي تلغراف" الهولندية صبيحة يوم 10 يونيو.
 
 
وتصِفُ صحيفة "ألخمين داخبلاد" استقبال الحزب له بالقول: " قُوبل خيرت فيلدرز بتصفيقٍ صَمَّ الآذان عند إعلانه نبأ فوزِ حزبه الساحق"، لقد قال لهم: إنَّ من أهدافه العمل على التقليل من الإسلام في هولندا، وإنَّه يُشاركه في أهدافه مليون ونصف مليون مواطن ممن انتخبوه، وقال متهجِّماً على البرلمانيين: "أقول للنواب الجدد لحزبنا -حزب الحرية الجميل-: ليجلب كل منكم غداً شيئاً نقذفهم به"، لقد كان "فيلدرز" المعادي للإسلام عضواً في الحزب الليبرالي الذي سيمسك زمام الحكومة اليوم، وقد انفصل عنه في 2004، وبعد انفصاله بعامين أسَّس حزب الحرية، وقد يشارك فيلدرز مع حزبه القديم مع شريك ثالث من الاحزاب الاخرى في حكومة ائتلافية قد لاتستمر طويلا..ان علينا أن ننتظر قبل ان نضيف توقعات!
 
 
إنَّ طبيعة فيلدرز الجافَّة والقاسية لم تترك أحداً يُفْلِتْ من خربشاته وتهكُّماته وقذارة لسانه، فقد أهان ملكة هولندا ورئيس الحكومة، وأعضاء كُثُرْ في البرلمان، وأهان الرسول العظيم محمداً رسولَ الإنسانية داخل البرلمان وخارجه، وأهان الإسلام والقرآن والحجاب، وأمر بإزالة القرآن من بيوت المسلمين! (كيف؟! لا أعرف!!)، يُذَكِّرني هذا برواية رشدي " آيات شيطانية"، ومعلوم أنَّ رشدي أهان ملكة إنجلترا وتهكَّم برسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل بيته، ولم يَفْلِتْ من لسانه لا عوامُّ المسلمين ولا خواصُّهم.
 
لا يتخذ المسلمون موقفا موضوعيا من فيلدرز ناتج عن تخيلات وأوهام وأنما بنوا موقفهم على وقائع ملموسة وتصريحات عديدة لفيلدرز فظة وغليظة واليوم نرى ان اكثر الاحزاب الهولندية لاتريد الاشتراك مع حزبه في حكومة ائتلافية وكمثال فديمقراطيو (66) (حزب D66) -يتمَّ تصنيفه على أنه "يساري ليبرالي"-الحائز على (10) مقاعد، قال زعيمه عن فيلدرز وبصراحة وتحدي: "خيرت فيلدرز عنصري"، وذلك ردًّا على دعوة فيلدرز لفرض ضريبةٍ ماليةٍ على المرأة المحجَّبة لسبب حجابها، ويُطلقون عليها تهكُّماً: "ضريبة خرقة الرأس"! لملء الخزينة الهولندية بضرائب جديدة (قدم فيلدرز في هذه القضية المثال على اجتماع الجهل مع الحقد في شخص واحد! وإلا فليخبرني أحد: ضريبة على الحجاب! كيف؟! وهو ما يعني أنَّ فيلدرز فَقَدَ صوابه بحشر القضية الإسلامية بصورة تهكُّمية لا عقلانية ولا واقعية فيها في كل قضية، كيف سيجمع ضرائبه لسدِّ جوع الجوعى؟! اللهم إلا أن يقوم بإحصاء رؤوس المحجَّبات بجيوش من الشرطة في الشوارع والمدارس والجامعات والإدارات!).

 
قدم فيلدرز هذا الحل العبقري (!) أثناء مناقشة ميزانية 2010م في البرلمان الهولندي، وكأنَّ صورة المسلم تتراءى له في مكتب الضرائب والبرلمان والشارع وفي ظله، وفي ترحاله وحله.

 
فيلدرز يُخَلْخِلُ في بلد الأمان.
من المعلوم أنَّ هولندا -في الداخل الهولندي- بلدُ أمان وتسامح، ولكن يبدو أنَّ فيلدرز لا يُريد لهذا المناخ أن يستمر، وهو يظنُّ أنَّه قد وجد كبش فدائه في المسلمين، ومن قبل ظَنَّ "بم فورتاون" هذا الظن -كان هذا البرلماني الهولندي أشدَّ من فيلدرز عنفاً وقسوة على الإسلام والمسلمين- فأطلق القدر عليه رصاص رجلٍ هولندي من المدافعين عن الحيوانات -اغتيل "بم" في 2002م- فما لا يعمل فيلدرز له حسبان هو أنَّه بإثارته حفيظةَ الفئات الاجتماعية المختلفة، والمتعددة الثقافات والقناعات، التي تبحث عن مناخٍ آمنٍ؛ فإنها ستنطلق في فتنة عمياء تفعل ما لم يكن منتظر منها، مثل ذلك الهولندي الرقيق على الحيوانات الذي قسا قلبه على "بم فورتاون" ومخاريقه؛ فارداه قتيلاً في نفس اللحظة التي أعلن فيها "الزعيم" في لقاء إذاعي أنَّه -حتماً- سيصير رئيس وزراء هولندا!
 
تُحاول الحكومات المتعاقبة أن تُرَسِّخَ مبادئ التعايش بين فئات المجتمع، وتقوم باستمرار بترسيخ مبادئ الحوار الداخلي، وتعدُّد الثقافات والأديان، إلا أنَّ الأحقاد الراسخة دائماً ما تجد لها مناخاً مناسباً تُعاودُ الظهور من خلاله، مستغلَّة المشاكل وخيبة الآمال الاقتصادية والسياسية.

 
وَوَقْعُ الخوف في المجتمع يزداد من سطوة وطيش فلدرز الإعلامية، فالرجل لا يُمكن التنبؤ بتصرفاته، وفي ذلك تقول صحيفة "دو بيرس" -يوم 10 يونيو-: إنَّ "الأحزاب التقليدية غير متحمِّسة لقبول حزب الحرية، فهي تعتبره راديكالياً ولا يمكن التنبؤ بتصرفاته وتمييزياً وسيئاً لصورة هولندا في الخارج".
أما المسلمون فهم متوجِّسون من الأوضاع الجديدة، وإنْ كانت نتائج الانتخابات أشعرتهم بالثقة في الأحزاب الكبيرة والمتقدِّمة، والشيء الذي يُثير مخاوفهم حقاً: هو دخول حزب الحرية المعادي للإسلام الائتلاف الحكومي الجديد.
 
المصدر: طارق منينة - موقع رسالة الإسلام