شذور الذهب من ذكرى سَفْرَة عجَب - 75 - في الطريق إلى العاصمة !!

منذ 2016-07-29

- قلت: وما أدراني ما قد يحدث في الطريق؛ وفيه قد يضيع الرفيق من الرفيق !

 تقـول صاحبتنـا:

فاضطررت إلى طويل الانتظار، أعاني وطأة البرد والغثيان وشديد الدوار، وحين كادت الشمس تغيب عن السماء، اجتمع كل الرفقاء خارج الميناء، ولما لم نجد حافلة تكفي الجميع؛  صاروا يتباحثون بشكل سريع، وهنا انسحب اثنان؛  قالا : سننصرف إلى غير العاصمة الآن، وبقي تسعة عشر فردا، كلهم يرجون حلا؛ ولأنني كنت أتوقع ألا نجد حافلة تجمعنا؛ كان رجائي لأبي ألا يؤخرنا.
ووقع القوم في حيص بيص، بينما كدت أفقد القدرة على الصمود في النفْس!
وفي الأخير: تم الاتفاق مع سيارتين إحداهما تقل سبعة منا، على أن يستقل الأخرى باقي رفقتنا، فسارعت أستقل السيارة الصغرى؛ لأنها الأرفق سيرا .
وبعد مرور بعض الوقت، ظننت أنه قد استقر الأمر، فإذا بأبي يأبى ركوب السيارة الصغيرة معي؛ قال: سأستقل السيارة الأخرى مع من أحبهم، فإما أن تنتقلي أو سأتركك وأركب معهم .
- قلت: السيارة الكبيرة تسير باضطراب ، ثم كيف أسافر ومحرمي قد غاب ؟!
- قال: سنجعل السيارتين متلازمتين .
- قلت: وما أدراني ما قد يحدث في الطريق؛ وفيه قد يضيع الرفيق من الرفيق !
وفي الأخير: وبعد نقاش بين الجميع طويل، ركب أبي السيارة متغيظا؛ حينها استطاع الجميع تنفسا، وبدأ الركب يشق الطريق، وإذا بأذان المغرب يسمعه الفريق، ثم كان هذا الحوار:
- ألا نقف لنصلي المغرب في مسجد بالجوار ...؟!
- ولم لا ننوي جمع تأخير(1)، فمن المشقة وقف المسير (2)؟!
- هبوا أننا انتوينا التأخير والجمع، فهل سنصلي قصرا في بيوتنا أم نُتم (3)؟
- بل نجمع ونُتم، بذا قضي الأمر.

ويتبـع .

-----------------------------------------------------------
  (1): قال الشيخ العثيمين - رحمه الله - في كتابه :الشرح الممتع على زاد المستقنع -المجلد الرابع / باب صلاة أهل الأعذار
(1) - قوله: وَإِنْ جَمَعَ فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ: اشْتُرِطَ نِيَّةُ الجَمْعِ فِي وَقْتِ الأُوْلَى إِنْ لَمْ يَضِقْ عَنْ فِعْلِهَا، وَاسْتِمْرَارُ العُذْرِ إِلَى دُخُولِ وَقْتِ الثَّانِيَةِ.
قوله: «وإن جمع في وقت الثانية اشترط نية الجمع في وقت الأولى» أي: إذا نوى الجمع في وقت الثانية، فيشترط أن ينوي الجمع في وقت الأولى، لأنه لا يجوز أن يؤخر الصلاة عن وقتها بلا عذر إلا بنية الجمع حيث جاز.
ودليل عدم جواز تأخير الصلاة عن وقتها: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم حدد الصلوات في أوقات معينة ، فلا يجوز أن تؤخر الصلاة الأولى عن وقتها إلا بنية الجمع حيث وجد سببه، فلا بد من نية الجمع قبل خروج وقت الأولى.

( 2 ): - ودليل ذلك ما يلي:
1 ـ عموم قول الله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185] وقوله: {{وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}} [الحج: 78] .
2 ـ حديث ابن عباس رضي الله عنهما: «جمع النبي صلّى الله عليه وسلّم في المدينة بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء من غير خوف ولا مطر» قالوا: فإذا انتفى الخوف والمطر، وهو في المدينة انتفى السفر أيضاً، ولم يبق إلا المرض، وقد يكون هناك عذر غير المرض، ولكن ابن عباس: «سئل لماذا صنع ذلك؟ قال: أراد أن لا يحرج أمته» أي: أن لا يلحقها حرج في عدم الجمع، ومن هنا نأخذ أنه متى لحق المكلف حرج في ترك الجمع جاز له أن يجمع، ولهذا قال المؤلف: «ولمريض يلحقه بتركه مشقة».
وفهم من قول المؤلف: أنه لو لم يلحقه مشقة، فإنه لا يجوز له الجمع وهو كذلك.
فإذا قال قائل: ما مثال المشقة؟ قلنا: المشقة أن يتأثر بالقيام والقعود إذا فرق الصلاتين، أو كان يشق عليه أن يتوضأ لكل صلاة.. والمشقات متعددة.
فحاصل القاعدة فيه: أنه كلما لحق الإِنسان مشقة بترك الجمع جاز له الجمع حضراً وسفراً.

(3)- ..... الجواب: يصلّيها أربعاً؛ لأن علة القصر السفر وقد زال.
فإذا قال: قد دخل عليّ الوقت وأنا مسافر فوجبت علي مقصورة؟
فنقول: نعم وجبت عليك مقصورة؛ لأنك في سفر والآن ذمتك مشغولة بها، وما دامت مشغولة فإنك إذا وصلت البلد وجبت عليك تامة، وبهذا نعرف: أن القول الصحيح أن الإِنسان إذا دخل عليه الوقت وهو في البلد ثم سافر قبل أن يصلّي فله القصر؛ لأنه سافر وذمته مشغولة بها والمسافر يقصر الصلاة، فالعبرة في قصر الصلاة وعدمه... بفعل الصلاة لا بوقتها على القول الصحيح، فإذا دخل عليك الوقت وأنت مسافر وقدمت البلد قبل الصلاة فصلّها أربعاً، وإذا دخل عليك الوقت وأنت مقيم وسافرت فصلّها ركعتين.....

مسألة: رجل مسافر ونوى جمع التأخير وخرج وقت الأولى، وهو في السفر وقدم البلد في وقت الثانية فله الجمع؛ لأنه سوف يصلّي الأولى ثم يصلّي الثانية، لكن لا يقصر؛ لأنه انتهى مبيح القصر وهو السفر.

المقال السابق
76 - نقاش في السيارة !!
المقال التالي
77- وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم .