الغرب وعقوبة الإعدام
شرعت أحكام الحدود والقصاص لصيانة ضرورات الإنسان الخمس، وهي أحكام ثابتة لا يسع مسلم جحدها أو إنكارها، وكثيراً ما يخلط البعض بين التهجم على الحكم واستنكار الخطأ في إجراءات التقاضي، وهناك من يغلف هذه بتلك للنيل من الأحكام التي شرعت لصيانة المجتمع والأفراد، وهناك أيضاً من يتسلح ببعض مواد حقوق الإنسان لإسقاط مثل هذه الأحكام..
وهذا سعي الأمم المتحدة ومن خلال "حقوق الإنسان" إلى إلغاء عقوبة القصاص على مستوى العالم دون الالتفات إلى قيمة مثل هذه الأحكام في عقائدنا وشرائعنا ونظمنا، التي أثمرت استقرارا من خلال تجربة قاربت ألفية ونصف من الأعوام، أو حتى أخذ خصوصيات الدول الإسلامية في الحسبان.
وفي سبيل ذلك وضعت منظمة الأمم المتحدة البروتوكول الاختياري الثاني الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية بهدف العمل علي إلغاء عقوبة الإعدام ... والذي صدَّقت عليه 54 دولة. ووقعت ثماني دول أخرى على البروتوكول معبرة عن نيتها بأن تصبح أطرافاً فيها في تاريخ لاحق. حيث يقول البروتوكول: "إن الدول الأطراف في هذا البرتوكول، إذ تؤمن بأن إلغاء عقوبة الإعدام يسهم في تعزيز الكرامة الإنسانية والتطوير التدريجي لحقوق الإنسان، وإذ تشير إلي المادة 3 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 1948وهي (أن لكل فرد الحق في الحياة والحرية وسلامة شخصه)، ورغبة من الدول في أن تأخذ على عاتقها بموجب هذا البرتوكول التزاماً دولياً بإلغاء عقوبة الإعدام، فقد اتفقت علي ما يلي: المادة الأولى: (لا يعدم أي شخص خاضع للولاية القضائية لدولة طرف في هذا البروتوكول- تتخذ كل دولة طرف جميع التدابير اللازمة لإلغاء عقوبة الإعدام داخل نطاق ولايتها القضائية).
المادة الثانية: ( لا يسمح بأي تحفظ علي هذا البروتوكول إلا بالنسبة لتحفظ يكون قد أعلن عند التصديق عليه أو الانضمام إليه).
المادة التاسعة: (تنطبق أحكام هذا البروتوكول علي جميع أجزاء الدول الاتحادية دون أية قيود أو استثناءات)".
ولا يقف الأمر عند حد الأمم المتحدة فنجد كيانات أخرى استثمرت "حقوق الإنسان" كمدخل لإلغاء عقوبة الإعدام ومن ذلك:
1-البروتوكول الملحق بالاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان لإلغاء عقوبة الإعدام والذي صدَّقت عليه ثماني دول ووقعت عليه دولة واحدة أخرى في الأمريكتين.
2- البروتوكول رقم 6 الملحق بالاتفاقية الأوروبية لحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية (الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان)، الذي صدَّقت عليه 44 دولة أوروبية ووقعت عليه اثنتان أخريان.
3- البروتوكول رقم 13 الملحق بالاتفاقية الأوروبية لحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية (الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان)، الذي صدَّقت عليه 30 دولة أوروبية ووقعت عليه 13 دولة أخرى".
إن "بروتوكولات حقوق الإنسان" هذه هي التي سمحت لبعض الأصوات العلمانية أن تعلوا في عالمنا الإسلامي مطالبة بإلغاء عقوبة الإعدام، وهذا واضح جلياً في حالة تونس، فضلاً عن محاربة المنظمات الدولية للحدود الشرعية المطبقة في المملكة العربية السعودية، والأحكام التي ترعى بعض بنود الشريعة في دول أخرى.
وهكذا تقدم الأجندة الأممية حق القاتل في الحياة وتغفل حق المقتول فيها، أو حتى حق أوليائه في حياته، كما تغفل حق المجتمع، فقد يكون المقتول عالماً ينتفع الناس بعلمه أوطبيباً حاذقاً، أوأياً ما كان، فهو في النهاية يمثل نفساً مقتولة، وكأن هذا القاتل هو النموذج للإنسان الذي ترعاه الأمم المتحدة، فكيف لا يكون حق المجتمع في إلحاق العقوبة المناسبة بالمجرم من أجل الحفاظ على الجميع حقاً مقدماً للإنسان، خاصة إذا كان حكماً دينياً تتعلق به صحة ديانة الأفراد والمجتمعات كما هو في الإسلام!!
------------------
من كتاب المصطلحات الوافدة وأثرها على الهوية الإسلامية للباحث الهيثم زعفان
الهيثم زعفان
كاتب وباحث متخصص في القضايا الاجتماعية والاستراتيجية؛ رئيس مركز الاستقامة للدراسات الاستراتيجية، جمهورية مصر العربية.
- التصنيف: