الصادعون بالحق بين التكريم والتجريم!

منذ 2016-07-28

أنظر هذه الأيام لواقع مؤلم نعيشه في خليجنا الحبيب، صورة خطرة ومعقدة من أشد صور الظلم وأسوئها أثرا، حتى ليكاد الأمر يستعصي على الفهم، والكثير مما يجري لا تكاد تصدّق أنه يحدث ولا كيف ولماذا حدث؟!

سبحان من خلق البشر وأكرم بالعقول وفاوت الأفهام، سبحان من تعجز تلك العقول مهما بلغت والأفهام مهما ارتقت أن تدرك حكمته وعظمة تدبيره.

هذا ما أردده وأختم به كل مرة رحلتي من التأمل والتفكير، في بعض المسائل التي أحاول إخضاعها دوما للتحليل المنطقي، لعلّي أصل فيها إلى استيعاب جوانبها وفهم أسبابها. لأجد نفسي في النهاية كمن يخطو على حدود الدائرة يبدأ بنقطة ويعود إليها دون الوصول إلى مكان!

أو من يبحث في متاهة صماء لا نافذة لها ولا باب!
تراكمات وتعقيدات وخفايا، تتوافق حينا وتتناقض أحيانا أخرى.

ليس الإسلام أو الأديان السماوية وحدها من يؤسس الأحكام والضوابط ثم يقيم عليها قوانين الحساب والجزاء، بل حتى المجتمعات أو الشعوب التي لا تعرف ديناً يبقى فيها للفطر والعقول بُوصلة يُسترشد بها للمصالح ويُميز من خلالها بين الخير والشر ثم يُكافأ أو يُعاقب عليهما.

أنظر هذه الأيام لواقع مؤلم نعيشه في خليجنا الحبيب، صورة خطرة ومعقدة من أشد صور الظلم وأسوئها أثرا، حتى ليكاد الأمر يستعصي على الفهم، والكثير مما يجري لا تكاد تصدّق أنه يحدث ولا كيف ولماذا حدث؟!

قائمة طويلة من أسماء الدعاة والمصلحين والفضلاء الذين يتعرضون لأقسى أشكال الإقصاء والعدوان والإساءة.

أخيار وشرفاء ينجح أعداء الدين والوطن بإثارة الوشايات وفنون التشويه والتحريض واستعداء السلطات ضدهم، فيذهبون ضحية السجون أو سحب الجنسيات أو فصلهم التعسفي من أعمالهم وإيقاف أنشطتهم الدعوية والثقافية أو حتى التجارية.

والحق الذي ندركه جميعا أنهم لا يتضررون وحدهم من هذا الظلم الواقع عليهم وهذا التضييق الخانق لهم. إنما يتأذى الوطن أيضا! كيف لا؟

وهناك من يحول بينه وبين أيدي طاهرة تجتهد في بنائه وحمايته. ويتأذى المجتمع كذلك حين يُحرم أبناؤه من قلوب خيّرة تقية تحمل همهم، وتعينهم على التمسك بالقيم والسلامة من الفتن والنقم.

والإساءة لأولئك الأخيار تستفز محبيهم وتزيد الاحتقان ولا تخدم إلا معادياً حاقداً.

حين نتابع ما يحظى به أهل الانحراف والفساد من التكريم والتمكين، وفي المقابل: الحُرّ الشريف قد يجد نفسه فجأةً بين عشية وضُحاها مُصادر الحقوق والكرامة كضحية لمؤامرة دنيئة حاكها علماني أو متلبرل أو مسؤولٌ فاسد، وصادق عليها وأنفذها سياسيٌّ.

حين نتجرع الغصص كمداً على الكثير من الدُعاة والمحتسبين وخيرة أبناء الوطن، الذين زُجّ بهم في السجون دون محاكمات أو توجيه تهم في مخالفة صريحة للشرع والأنظمة، ولا جريرة لأولئك إلا أن حرصوا على أمن ونهضة وسلامة هذه الأوطان وأهلها إذ علموا أن لا عزة ولا رقي لها إلا بحفظ دينها، فصدعوا بالحق وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر، فغيّبتهم السجون فلسنا ندري أحُرموا من الحرية والحياة والأهل والأحباب، أم كنا نحن أكثر فقداً وبلاءً إذ حُرمنا أمثالهم ممن قد تنجو بهم سفينتنا من الغرق!

بينما نلتفت يسرةً فنجد "أشباه المثقفين وسقط الإعلاميين" الذين لا تخط أيديهم إلا مناكفةً للدين، أو تمرداً على مبادئ الإسلام وثقافة المجتمع، أو مجونا وسُخفا، نجدهم محطّ الأضواء والتكريم.

ويظل حالنا دوماً بين ريبة وحيرة، وألم وحسرة!

ننتظر من الرب فرجاً ومن وليّ الأمر الذي حمل الأمانة في عنقه استدراكاً وإصلاحاً، ووقفاً لهذا السيل المنهمر من المظالم والتناقضات التي تترك الحليم حيران.

اللهم أصلح أحوالنا وولاة أمرنا وهيئ لهم من أمرهم رشداً، وانصر بهم دينك وسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم.

 

ريم آل عاطف