يقيني يهتز
سؤال:
هناك شيء يجعل يقيني يهتز بالله أني أرى كل من حولي يأخذ بالأسباب المادية مع مخالفة الشرع وأن من يتق الله لم يجعل الله له مخرجًا كما وعد والمبرر أن الله إذا أحب عبدًا ابتلاه يعني أن أتقيته أجد مخرج أم يبتليني؟
الإجابة:
هناك عدة مفاهيم مغلوطة:
1- تقول: "أرى كل من حولي يأخذ بالأسباب المادية مع مخالفة الشرع وأن من يتق الله لم يجعل الله له مخرجاً كما وعد":
توجد مغالطة هنا مسؤول عنها الخطاب الديني السائد وهو فصل التقوى عن الأخذ بالأسباب المادية، مع أن أول تقوى الله هو احترام القوانين المادية التي يسير بها الكون، وبالتالي فآية {وَمَن يَتَّقِ اللَّـهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا . وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} [الطلاق:2-3] = من يأخذ بالأسباب المادية + من يبتعد عن الحرام ويحرص على الطاعة فإنه يحصل على أكبر رزق ممكن في الدنيا والآخرة، ومن حيث لا يحتسب.
والآية على الجهة الأخرى لم تنف أن المخرج والرزق يأتيان للعاصي إن أخذ بالأسباب المادية، بل العكس هناك ما يدل على أن الله يعطي لكليهما ان اجتهدا في طلب الرزق بالعمل والاجتهاد: {وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِّلسَّائِلِينَ} [فصلت:10].
2- تقول: "والمبرر أن الله إذا أحب عبدًا ابتلاه يعني إن اتقيته أجد مخرج أم يبتليني؟"
وهذه مغالطة أخرى فلا يوجد نص صحيح حسب علمي يدل أن الله يشقي المتقي أو يصيبه بالتعاسة، بل إن الله قد قرر أن مع عمل عملاً صالحًا (العمل الصالح = الاجتهاد في العمل المادي الحلال + الاجتهاد في الشعائر التعبدية + الإخلاص في كليهما).
قال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل:97].
وعلى الرغم من وجود نصوص صحيحة تدل أن الإنسان الصالح مبتلى، فليس معنى هذا أنه شقي أو تعيس، بل إن الابتلاء قد يكون تضييقًا في العيش أو بسطًا فيه، وكلا الأمرين هما على سبيل اختبار ماذا سيفعل العبد في كلا الحالتين، هل سيصبر ويشكر أم لا، ورجوعًا للوعد بالحياة الطيبة للمتقين، فحتى لو كان الابتلاء بالتضييق فلا تعارض بين أن شظف العيش وبين طيب الحياة، لأن الحياة الطيبة هي نفسية بالدرجة الأولى ثم قد تكون مادية كذلك أو لا تكون.
3- تقول "يعني إن اتقيته أجد مخرجًا أم يبتليني؟"
وهنا مغالطة أخرى وهي أنه لا تعارض كذلك بين كون الإنسان يعيش في شطف عمومًا وبين أن الله يجعل له مخرجًا ويرزقه من حيث لا يحتسب في أمر ما اجتهد فيه ماديًا (تذكر أن الاجتهاد المادي هو ركن من أركان التقوى) وأخلص في اجتهاده، مع مصاحبة هذا الاجتهاد المادي بالتزام الطاعة، واجتناب المعصية بشكل عام.
لذا فإن قولك "يعني إن اتقيته أجد مخرجًا أم يبتليني؟" فيه إشكال وهو أنه لا تعارض بين الأمرين.. هذا لو كان الابتلاء شظفًا في العيش، فما بالك لو كان الابتلاء إنعامًا على العبد؟
أحمد كمال قاسم
كاتب إسلامي
- التصنيف: