هو وهي - [22] قوامةٌ.. لا استعباد!!

منذ 2016-08-23

وحين يكون رضا الله جل وعلا الغاية وتقواه المنارة والحوار الإيجابي الطريق، حينها يستطيع الزوجان أن يصِلا للسعادة الزوجية حتى لو اضْطُرَّ كل طرف إلى التغافل والتنازل في وقت من الأوقات.

يحبّها.. اختارها من بين العشرات لحُسن خلقها والتزامها، شفافةٌ هي وهادئة، دقّ قلبها لمزاياه فرضيت به، وتعاهدا على المودة والرحمة والسكن، كان المستقبل مشِعًا بكل الآمال، نابضًا بالسعادة والهناء.

لمّا يدخلا بيتهما حتى بدأت مظاهر الأسى، هي فكرة مسيطرة عليه لا تدري من أين استقاها أحالت حياتها مآسيَ متسلسلة! تشعر أنها معلّقة في وسط بئرٍ، لا هي تقع فتعرف مصيرها ولا هي تخرج فترتاح!

هو: هذه العباءة لن تلبسيها بعد اليوم، ألا ترين لونها؟
هي: ولكنها ليست من الألوان المعصفرة المنهيّ عنها فلِمَ لا تسمح لي بلُبسها؟

هو: الألوان المسموح لكِ بها هي الأسود والكحلي والبني والرمادي فقط!
هي: ولكن طالما أن حجابي يستوفي الشروط الشرعية فلِمَ هذا التضييق؟! أنت تعلم أنني ملتزمة في جوٍّ صاخبٍ مليء بالفتن وقد عصمني ربي جل وعلا وأكرمني بالحجاب والعباءة ولا أتزيّن! أفلا يكفي؟

هو: ما آمرك به يصبح فرضًا عليك وطاعتي واجبة وإنْ رفضتِ طاعتي فسيحاسبك الله عز وجل! فقط أطيعيني بكل ما أطلبه منك لأرضى عنكِ وتدخلي الجنّة!

ينسحب من الغرفة، بعد أن رمى كل ما في نفسه على الطاولة أمامها، وقرر أنّ ما يريده يصبح فرضًا عليها ولو لم يكن في الدّين كذلك، فتغرق هي في محيط من التساؤلات، إنْ كنتُ أنا هنا فقط لأطيع وأقوم بما يُمليه عليّ حتى لو لم أكن أريد ذلك، فأين أنا؟ وحين سأُحاسَب هل سأكون أنا من يُحاسَب أم (الزوجة) التي قامت بما يريده زوجها؟ وما هي المساحة التي أستطيع التحرك فيها بحريّة؟! مَن أنا في هذه المؤسسة الزوجية؟ زوجة؟ شريكة؟ توأم روح؟ أمْ أمَة عليها أن تنفّذ الأوامر؟! ألِهذا كان الزواج؟!

يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا صلّت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحَفِظَت فرجها، وأطاعت زوجها؛ قيل لها يوم القيامة: ادخلي من أي أبواب الجنّة شئتِ» [صحيح الجامع: 660]، وطبعًا الطاعة لا تكون في معصية الله جل وعلا، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ولكن هنا سؤال يطرح نفسه: هل على الزوجة أن تطيع زوجها في أيّ - وكلّ - أمر يريده منها حتى لو لم ينضَوِ تحت ما يُعرَف بحقوقه الزوجية أو بما هو مرتبط بالشؤون الأُسرية؟! ما هي حدود هذه الطاعة وضوابطها؟ متى تقف الزوجة لتقول لزوجها: أطيع هذا الأمر كي تسعد ولكنه ليس مفروضًا عليّ حتى لو طلبته مني! وهل تكون الطاعة المُطلَقة لغير الله جل وعلا؟! وإنْ أمرها بشيء لا تطيقه فهل لها أن لا تطيعه حتى لو لم يقتنع بعدم استطاعتها؟!

حين نقرأ في الفتاوى المُعتَبَرة ترِد بعض الأمور التي يجب على الزوجة طاعة زوجها فيها مثل: عدم الصوم إلا بإذنه (غير صيام الفريضة)، عدم الخروج من بيتها إلا بإذنه، أن لا تُدخِل إلى بيته مَن لا يريد، إجابته إذا دعاها إلى الفراش، وغيرها من الأمور الواجبة عليها، ولكن لم أجد تفصيلًا أكبر حول المساحة التي تستطيع التحرّك فيها والتي تُعتَبَر شخصية ولا تدخل تحت (طاعة) الزوج التي أمر بها ديننا وإنّما تدخل تحت تحكّمه المزاجي! فكان لي عدة استشارات لمشايخ أفاضل، فكان من بينهم مضيّق وموسِّع لطاعة الزوج، وظهر بعض الفروق خاصة أن الكلام نفسه يُمكن للزوج أن يحوّره لمصلحته، ففي حين اتفق الجميع على أن للمرأة الحرية في اختيار ما تريده مما لا يكون له علاقة مباشرة بأمور البيت أو أموره قد نجد بعض الأزواج يتدخلون في جزئيات صغيرة بدعوى الغَيْرة أو الفهم «الديني» الخاص بهم!!

سمعتُ لعدّة آراء لأزواج وزوجات في هذا الموضوع، ومن جديد كان ثمّ اختلاف أحيانًا عميق فيما بينها، استوقفني رأي زوجة أشارت إلى أن الزوج في واقع أيامنا قد لا يكون (الرجل) الذي أشارت إليه الآية خاصة أن بعض الأزواج يتعامل مع الزوجة بالمفهوم السلطوي! وبالتالي كيف تتعامل معه في هذه الحالة؟ فحين يكون (رجلاً) صاحب خُلُق ودين فستعمل الزوجة ما بوسعها لإرضائه! وكما هو مطلوب أن تُذَكَّر الزوجة بواجباتها وطاعتها للزوج فكذلك يجب أن يُذَكَّر هو بمسؤولياته وخُلُق المسلم الصالح! ورأي آخر تلقّيته: من التقوى عدم إكراه الزوجة على فِعل ما لا ترغب فيه، وحين تكون الحياة المشتركة طويلة فمن خصائص القوّام أن يحاور ويصبر ولا يفرض إن أغناه الأسلوب الآخر! «فتفوّق طرف في حياة أساسها التشارك والتكامل سيؤدّي بالنهاية إلى حياة عرجاء لا تحقق السعادة المنشودة للزوج أو الزوجة».

كما لفتني الرؤية الواضحة للأزواج وتشديدهم على الأمر الشرعي وعدم التراخي في الطاعة بسبب الحالات المزاجية مع التأكيد على أنّ عدم الطاعة لا تدخل بالضرورة دائمًا في باب نشوز المرأة فلكلٍّ حكمه.

وفي نهاية المطاف، أوصي كلاً من الزوجين أن يتفقا في الخِطبة على كل الأمور التي تؤثر على استقرارهما والاستفادة من هذه الفترة لإرساء قواعد حياتهما الزوجية ووضع دستور لبيتهما وتحديد مرجعيتهما وتسمية مستشار شرعي وآخر أُسْري ليُشيرا عليهما حين الخلاف.

وحين يكون رضا الله جل وعلا الغاية وتقواه المنارة والحوار الإيجابي الطريق، حينها يستطيع الزوجان أن يصِلا للسعادة الزوجية حتى لو اضْطُرَّ كل طرف إلى التغافل والتنازل في وقت من الأوقات.

وعلى أيّ حال، الحرص على نظام الأسرة وطاعة المرأة لزوجها والتغافر من الطرفين عند حدوث الأخطاء أو ما لا يروق للآخر يوفّران مناخ التفاهم والسعادة واستقرار الأسرة، وفي تقوى الله وطلب رضاه دومًا مدد البركة واستدامة المودة في حياتهما.

 

المقال السابق
[21] السعادة الزوجية.. كنزٌ مفقود!
المقال التالي
[23] سخرية واحتقار.. لم؟