طريق الإسلام

دروس وعبر من محاولة انقلاب تركيا

منذ 2016-08-25

دروس نستخلصها من المحاولة الانقلابية التي جرت بتركيا: معية الله للمؤمنين، أهمية الارتباط بالشعب ومعايشة آلامه وآماله، خطورة الإعلام في العصر الحديث..

1- كن مع الله يكن الله معك، فمن كان الله معه فلا يحزن، ولا يكترث، ولا يغتم، فالله ناصره، والتوفيق حليفه، وقد قيل: "من كان الله معه فما فقد أحد، ومن كان الله عليه فما بقي له أحد".. إن إيمان أردوغان بالتأييد الرباني في مسيرته الحافلة، يظهر من خلال دعائه الذي دعاه في لحظة الإعلان عن نتائج الانتخابات: "يا ربنا القدير، حمدا لك أن جعلتني أعيش هذه الأيام، فلا أبالي الآن إن قبضت روحي وتوفيتني".

ولقد سئل عن سر هذا النجاح الباهر والسريع فقال: " لدينا سلاح أنتم لا تعرفونه، إنه الإيمان، لدينا الأخلاق الإسلامية وأسوة رسول الإنسانية عليه الصلاة والسلام".

كل هذا لا يأتي من فراغ، إلا من اتصال بالله قوي، فلا نجاح لأي قائد بدون هذا الجانب.

كن مع الله ترى الله معك *** واترك الكل وحاذر طمعك

والزم القنع بمن أنت له *** في جميع الكون حتى يسعك

2- قضية النزول للشارع ومشاركة الشعب أفراحهم وأتراحهم وحلّ قضاياهم وقضاء حوائجهم، هو ما تحتاجه الشعوب المسلمة التي عانت الويلات، والمتابع للحدث ليعجب أشد العجب من هبّة الشعب ملبيا دعوة الرئيس الذي يعلم صدقه وإخلاصه لله ثم لشعبه.

فانقلب السحر على الساحر، وأبطل الله كيد الانقلابيين خلال سويعات، فالقائد الحقيقي هو الذي يحبه شعبه، ويستجيب له وقت الأزمات، فأين رعاة الدول وأهل الرأي والعلماء ورجال التأثير من استمالة قلوب شعوبهم وإسعادهم وتحقيق الرخاء لهم. حول ذلك يقول أكرم إرديم، نائب رئيس حزب العدالة والتنمية: "أثناء رئاسة أردوغان لشعبة حزب الرفاه في اسطنبول.. لم تقتصر نشاطاته على اسطنبول؛ حيث لم يترك مدينة أو منطقة أو قرية في الأناضول إلا وزارها. كان يستمع بشكل مباشر إلى كافة أفراد الشعب وفي انتخابات بايوغلو عام 1989م كانت لدينا أطروحتان:

الأولى: سنكون صوت الأكثرية الصامتة.
الثانية: سنكون المدافعين عن الفقراء والمعوزين".

"رجب طيب أردوغان" له من اسمه نصيب فالعلاقات الاجتماعية الدافئة من أهم ملامح شخصيته؛ والنزول الميداني إلى الفقراء والمساكين وتناول الإفطار معهم، والسماع إلى مشاكلهم، وتلبية حاجاتهم، فهو أول شخصية سياسية يرعى المعوقين في ظل تجاهل حكومي واسع لهم، ويخصص لهم امتيازات كثيرة مثل تخصيص حافلات، وتوزيع مقاعد متحركة، بل أصبح أول رئيس حزب يرشح عضوا معوقًا في الانتخابات وهو الكفيف "لقمان آيوا" ليصبح أول معوق يدخل البرلمان في تاريخ تركيا.

إن المتابع لما بثته وسائل الإعلام من صور معبرة، حيث تظهر الشباب الحر، ينزل بصدور عارية في مواجهة دبابات الانقلابيين، ليثبت أن الشعوب التي ذاقت طعم الحرية لا يمكن أن تعود إلى عصر العبودية. بل إن العالم يقف وقفة تعظيم وإجلال للشعب التركي البطل، الذي رفض بوقفته الشجاعة خروج بلاده من الطريق الصحيح، ذلك الطريق الذي جعلها رقماً مهماً في المعادلة الدولية.

إن كنتَ تطلبُ رتبةَ الأشرافِ *** فعليكَ بالإِحسانِ والإِنصافِ

وإِذا اعتدى خِلٌ عليكَ فخلِّهِ *** والدهرُ فهو له مكافٍ كافِ

3- ربنا جل وعلا يأمرنا أن نأخذ حذرنا {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ} [النساء من الآية:71] والحذر هو أن نأخذ الحيطة وأن نكون متأهبين قبل وقوع المكروهات، وأخذ الحذر من باب الأخذ بالأسباب المأمور بها شرعًا بجانب التوكل على الله، فالعبد يتوكل على الله وفي نفس الوقت يأخذ بالأسباب، وإن مما أمرنا الله أن نحذره يا أحبه، أن نحذر من أعدائنا الكافرين والمنافقين، من الذين يكيدون ويتآمرون، من الذين همهم سحق الإسلام وأهله، بكل السبل والطرائق، الذين قال الله فيهم: {وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا ۚ} [البقرة من الآية:217] والقائل عن المنافقين: {هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ ۚ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ ۖ } [المنافقون من الآية:4] من الأهمية بمكان تحصين الجبهة الداخلية، وتولية القيادة العسكرية للأكفاء الأمناء، ومتابعة الطوائف المعادية التي تتحين الفرصة لإثارة البلبلة وزعزعة الاستقرار وقد تُشَكل طابوراً خامسا بالداخل، ومراقبة القواعد العسكرية الرابضة في البلدان الاسلامية والسفارات الأجنبية، فكل هذا واجب شرعي ووطني متحم على أصحاب القرار، والمتابع للحدث يلاحظ أنه كان لقاعدة أنجرليك في المؤامرة دور حقيقي مهما حاولت أمريكا إخفاءه.

4- ظهور أبواق النفاق وأهله "الليبراليين والعلمانيين والنصيريين ومن على شاكلتهم" من خلال كتاباتهم بالمواقع الالكترونية، ووسائل التواصل الاجتماعية، وفرحهم بما يسوء الاسلام وأهله، فأين الحرية التي يزعمون، وأن الشعب يختار ما يريد، ولكن هذا ليس بمستغرب منهم، فإنه ينشط المنافقون في أوقات الأزمات، وفي حال انشغال المسلمين وضعفهم، ويظهر المنافقون وتطل رؤوسهم، ويظهر على ألسنتهم ما يكنونه فتعرفهم تارة في صريح القول، وتارة في لحنه، ففي الأزمات حينما يشعرون بالأمان، يظهر ما تُضمره قلوبهم ويتبين بفلتات ألسنتهم، فإن الألسن مغارف القلوب يظهر منها ما في القلوب من الخير والشر. يقول الله تعالى: {إِن تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ ۖ وَإِن تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِن قَبْلُ وَيَتَوَلَّوا وَّهُمْ فَرِحُونَ} [التوبة:50] والناظر في هذا الحدث الكبير يلحظ زيف هذه الليبرالية وزور دعاتها بسبب مواقفهم الأيديولوجية من حزب العدالة والتنمية التركي.

يتفننون
ويأخذون الكذب درباً من الجنون
وتحت سماء نفاقهم يتظللون
فيمزقون الحقائق وبالأيام يغيرون
لك حياتهم وكلن بقناعه مفتون
لهم أوطانهم الوهنة
وإلينا لا ينتمون

5- الإعلام في هذه الأحداث، كان حاضراً وله تأثير كبير، سواء كان مرئياً أو مسموعاً، فإن من أكبر أخطار هذه القنوات، وتلك الوسائل الإعلامية: أنها غدت من أهمِّ أدوات أعدائنا في تحقيق مآربِهم وأهدافهم ومخططاتهم، في التسلط على الأمة، ونهْب خيراتها، وسلب إرادتها، والتشكيك في دينها وثوابتها، وزعزعة أمن بلدانها. يقول المولى عز وجل: {قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ ۚ } [آل عمران من الآية:118]

والمتابع للحدث، شاهد كيف أدى تناول بعض القنوات والصحف والمواقع الإلكترونية المتسرع للحدث من خلال بث أخبار غير صحيحة لفضح هذه الوسائل الإعلامية وفقدان مهنيتها، حيث بثت إحدى القنوات العربية خبر طلب الرئيس التركي أردوغان اللجوء إلى ألمانيا في الوقت الذي كان فيه متوجها إلى إسطنبول للوقوف إلى جانب الجماهير، وجزمت أخرى بنجاح الانقلاب و"استعادة الجيش التركي الديمقراطية في البلاد" حسب تعبيرها، كما تبادل بعض الصحفيين التهاني بـ"سقوط الطاغية" الذي دعم الإرهاب في البلاد العربية، حسب وصفهم.

وما أن استعادت السلطات التركية سيطرتها على البلاد وفشلت المحاولة الانقلابية حتى خفت صوتها وظهر عدم مهنيتها وحياديتها ظناً منها نجاح هذا الانقلاب.

وقد أعجبني أحد المغردين وهو يقول: "إن محاولة الانقلاب في تركيا حادثة فارقة لمراجعة الإعلام العربي لأدائه ومهنيته وحجم التسييس فيه".

من جهةٍ أخرى، تداول ناشطون على تويتر وسم شكرا قناة الجزيرة، شكروا من خلاله القناة على حياديتها ومصداقيتها، كما أثنوا على تغطيتها المهنية التي لم تتوقف منذ بداية الأحداث، حسب وصفهم.

وليت شعري أين أصحاب الثراء، من الغيورين على دين الله، من إدارة العجلة نحو الاستثمار في هذا المجال، ومزاحمة أهل الباطل، وعدم إخلاء الساحة لهم، فإن الاعلام في هذا العصر أصبح سيد الموقف، وكما يقول أحد الكُتّاب: " إن الإعلام اليوم أمضى الأسلحة في الصراع الحضاري الذي تدور رحاه في دنيا اليوم، وأن الأمة التي لا تمتلك إعلاماً قوياً فعالاً ينبع من شخصيتها الحضارية ويلبي احتياجاتها ويسهم في معركتها، هي أمة خاسرة في عالم لا مكان فيه إلا للأقوياء".

 

الكاتب: حسين مسعود القحطاني