هزيمة البابا في بلاد الإنجليز

منذ 2010-09-22

ويضاف إلى سوءة الكنيسة سوءة أخرى تشترك بها مع خصومها اللا دينيين والدهريين في الغرب، ألا وهي تمزيق الإنسان بين دين قام سدنته أنفسهم بتحريفه حتى أصبح قيداً خرافياً على العقل وامتهاناً للكرامة وتأييداً للظالم ضد المظلوم..

 


هل يشعر بابا الفاتيكان بنديكتوس السادس عشر بشيء من الندم والأسى، على زيارته الأخيرة لبريطانيا؟وبعبارة أكثر تدقيقاً:هل كان الرجل يتوقع هذا الحجم من السخط والاحتجاج الذي قوبلت به الزيارة، التي أراد منها بناء جسور مع أول بلد نصراني رفض وصاية الفاتيكان منذ خمسة قرون، وإن لم يتحرر من أسس الديانة الكاثوليكية بالجملة؟
 

لكن هنالك احتمالاً هو أن هذا العجوز يدرك حقيقة مشاعر أكثرية البريطانيين ضده، وأنه تعمد القيام بجولته في ربوع بلادهم لاحتواء أي قدر ممكن من الآثار السلبية الضخمة، التي ترتبت على السجل المخزي الحافل بفضائح جنسية اقترفها-ويقترفها- القسس التابعون لكنيسته، إذ تبين أنهم بالمئات وأن مسلسل عارهم قديم مستمر، وأن رؤوس الكنيسة تغاضوا عن هذه المخازي، الأمر الذي بات الضحايا وكثير من الناس ينظرون إليه على أنه تواطؤ مشين.


ولذلك جاء ضحايا الانتهاكات الجنسية من شتى البلدان النصرانية إلى لندن واحتشدوا إحراج رمز كنيستهم، فاستقبلوه بصخب وعناوين صارخة، اعتراضاً منهم على سعي الفاتيكان لطمس معالم الجريمة الكبرى بشراء الصمت وبعض الاعتذارات الاضطرارية المخاتلة.الأمر الذي أكرهه في أثناء زيارته إلى الإقرار ب(الذل والعار)اللذين جلبهما الكهنة الآثمون للكنيسة، كما اعترف بفشل الكنيسة في التصرف الحاسم والسريع مع القساوسة الذين اغتصبوا الأطفال أو استغلوهم جنسياً.


لكن البابا سار على نهج الساسة الميكيافيليين النفعيين في الغرب، فشن حملة ضد الإلحاد وضد تنحية الدين عن شؤون الحياة، وذلك في محاولة يائسة لصرف الأنظار وتحويل اتجاهات الرأي العام عن فضائح الجنس العفنة لرجال يزعمون أنهم ترفعوا عن الجنس المشروع، فإذا بهم يغرقون أشد أصنافه همجية وبهيمية.وكذلك فعل الثعلب المتخفي في ثوب التدين، عندما قرن الإلحاد بالنازية!!فاستفز مخالفيه فكرياً وسياسياً، ولم يفلح في إرضاء الجمهور المتبقي من أنصار التدين.


فالخطوة البابوية الوقائية لم تنجح في بلوغ مراد رأس الكاثوليكية، الذي يروم معالجة داء دفين مزمن ومستعصٍ بتقديم مُسَكّنات هي في الأصل وقتية لكنها مع الزمن باءت بالفشل لأن الجسم الذي تناولها زمناً مديداً اكتسب مناعة ضدها، فلم تعد تجدي حتى في تخديره آنياً.


فالبابا بحكم تركيبته ومصلحته وهواه الذي يؤلهه لن يجرؤ على إجراء جراحة تستأصل العضو المصاب.أجل.فمن المستحيل عليه أن يقر بأن جذر المشكلة يكمن في ركنين، أولهما:جعل البشر-رجال الدين النصراني-وسطاء بين الخالق والمخلوقين وأوصياء عليهم يحلون لهم ويحرمون عليهم وفقاً لأهوائهم ومنافعهم الذاتية، والثاني:نظام الرهبنة المناقض للفطرة السوية التي فطر الله بني آدم عليها.فالزواج الذي يتقزز منه أدعياء الفضيلة هناك، هو حاجة إنسانية طبيعية، ومن مفارقاتهم المخزية أنهم ينسبون إلى الله -تعالى عما يفتري الظالمون-ما يأنفون منه لأنفسهم!!فالحمد لله على نعمة الإسلام وكفى بها نعمة.


ويضاف إلى سوءة الكنيسة سوءة أخرى تشترك بها مع خصومها اللا دينيين والدهريين في الغرب، ألا وهي تمزيق الإنسان بين دين قام سدنته أنفسهم بتحريفه حتى أصبح قيداً خرافياً على العقل وامتهاناً للكرامة وتأييداً للظالم ضد المظلوم، وبين ردة فعل تضاهي الفعل في قوة خلله ولكنها تخالفه في الاتجاه.


وكم شقيت البشرية كلها بهذه التمزقات، التي لم يقف الغرب بها في حدود دياره، بل إنه يصر على تصديرها إلى الآخرين عنوة، حتى لو لم يكونوا مصابين بالداء الغربي في طوريه:الكنسي القمعي واللا ديني المتهتك، وهو ما يسعى القوم إليه بخاصة معنا نحن المسلمين، بالاحتلال المباشر تارة وبوساطة أدواته المحلية المأجورة تارة أخرى.


إن البابا يعلم علم اليقين أن الغرب لن يعود إلى قبضة رجال الأكليروس أبداً، بعد أن تحرر من جبروتها بثورات امتزج الفكر فيها بالدماء، لكنه يراهن على الأقليات المتعصبة هناك لكي تكون وسيلته في التنصير خارج أوربا وأمريكا، وأداته للتضييق على الإسلام الذي أضحى أسرع الأديان انتشاراً في الغرب، بالرغم من كل صنوف التشويه والقهر والضغط السياسي والمادي والاقتصادي والإعلامي والقانوني!!!وعند هذه النقطة يلتقي غلاة التعصب النصراني مع عتاة العنصرية البيضاء وكثير منهم ملحدون، لكن إلحاد هذه الفئة مقبول عند البابا المتاجر باسم المسيح عليه السلام.


11/10/1431 هـ

 
المصدر: موقع المسلم