أعلام وأقزام .. يوسف شاهين (5)
عندما نتطرق لأزمة الثقافة العربية المعاصرة لا نقصد التجريح أو التشهير، بل المقصود عرضٌ لمسيرة النخبة المثقفة التي تضخمت في الإعلام العربي (مصر نموذجاً)، وأخذت حيزاً وزخماً كبيراً، فرَصدُ واقع هذه النخبة يشير إلى أن وراء الأكمة شيئاً ماكراً يدبر لهذه الأمة، سواءًا كان هذا التدبير داخلياً أو خارجياً، إلا أن المحصلة أن أكثرية هذه النخبة المثقفة لم تكن على المستوى المطلوب الذي يرضاه الدين والعقل والعرف، وأنها أقحمت المجتمع العربي في أمور منافية لعقيدتنا الصافية وأعرافنا الراقية وتقاليدنا السامية، بل وصَدَرَت لنا من غُثاء الغرب الفكري والسلوكي الكثير والكثير، في الوقت الذي كنا في أشد الحاجة لنتعرف على مقومات النهضة العالمية، والاستفادة من خبرات الشعوب المتقدمة في مسيرتها التنموية، في إطار ثوابتنا الدينية الإسلامية الغالية
عندما نتطرق لأزمة الثقافة العربية المعاصرة لا نقصد التجريح أو التشهير، بل المقصود عرضٌ لمسيرة النخبة المثقفة التي تضخمت في الإعلام العربي (مصر نموذجاً)، وأخذت حيزاً وزخماً كبيراً، فرَصدُ واقع هذه النخبة يشير إلى أن وراء الأكمة شيئاً ماكراً يدبر لهذه الأمة، سواءًا كان هذا التدبير داخلياً أو خارجياً، إلا أن المحصلة أن أكثرية هذه النخبة المثقفة لم تكن على المستوى المطلوب الذي يرضاه الدين والعقل والعرف، وأنها أقحمت المجتمع العربي في أمور منافية لعقيدتنا الصافية وأعرافنا الراقية وتقاليدنا السامية، بل وصَدَرَت لنا من غُثاء الغرب الفكري والسلوكي الكثير والكثير، في الوقت الذي كنا في أشد الحاجة لنتعرف على مقومات النهضة العالمية، والاستفادة من خبرات الشعوب المتقدمة في مسيرتها التنموية، في إطار ثوابتنا الدينية الإسلامية الغالية
رباعية إسكندرية
تلك الأفلام الرباعية التي يسرد فيها شاهين سيرته الذاتية سينمائياً مصفياً حساباته وكاشفاً للمستور، وما يستوقف مشاهد الرباعية هي مهارة شاهين الفذّة في تفتيت وتفسير مشاعره الشخصية وتحويلها إلى مشاهد، لتنال هذه الرباعية عن جدارة لقب أكبر قصة حب مثليّة في السينما على الإطلاق.
1- فيلم (إسكندرية .. ليه؟ / 1979) تدور أحداثه في الإسكندرية، فترة الحرب العالمية الثانية، في أكثر من قصة، من بينها قصة "عادل" الفدائي المصريّ الثريّ، والذي يدفع لبلطجي اسمه "مرسي" ليخطف له جنودًا إنجليزيين سكارى من بارات الإسكندرية ليقوم عادل بقتلهم، معبرًا بذلك عن وطنيته بطريقته الخاصة، حتى شاء القدر أن يخطف "مرسي" جنديًا إنجليزيًا اسمه "تومي"، ويقع "عادل" في حبه بدلًا من قتله، فيأخذ الجندي الثمل معه إلى بيته بدلًا من المقبرة، ليستيقظ "تومي" في الصباح التالي ويجد نفسه في سرير عادل.
خلال الفيلم نستطيع رصد مشاهد غزلٍ رومانسيٍ بينهما بوضوح، وبعد أن ينجح شاهين بمهنية عالية في جعل العدو يبدو حبيبًا، يعود ويجهض ذلك الحب بشكل تراجيدي ليشعل تعاطف المشاهد، فالجندي البريطاني يلقى حتفه في المعركة، ويذهب عادل للبحث عن قبر حبيبه بين قبور العلميْن البيضاء.
2- فيلم (حدوته مصرية/ 1982) .. يسافر "يحيى" إلى لندن لإجراء عملية قلب مفتوح (كما حدث لشاهين في الواقع) ليقوم بعلاقة مثليّة عابرة مع سائق سيارة أجرة.
ويبدو أن العلاقة الزوجية ليحيى، الذي يمثل دوره في هذا الجزء "نور الشريف" غير مستقرة، إذ كثيرًا ما تعبّر زوجته عن وضع علاقتهما بقولها كلمة «أصحاب».
كما تقول له في أحد الحوارات التي دارت بينهما: «فضلت أحلم إنك تتغير» ليرد عليها: «الواحد مش عارف يبطل سيجارة حيقدر يغير عقده وماضيه؟» ثم تقول في مشهد آخر: «عايزاه معايا نقعد ندردش نبص عالقمر بالليل». وكأن هذا الفيلم هو خروج يوسف شاهين من الخزانة، ومحاكمة هذا الخروج في الوقت نفسه.
3- فيلم (إسكندرية كمان وكمان/1990) .. يلعب يوسف شاهين دور "يحيى" في ذروة نجاحه الإخراجي، لكنه هذه المرّة غارق في ألم فشل علاقته بشابٍ ممثل موهوبٍ يدعى "عمر". ويحاول خلال الفيلم الاحتيال على هذا الألم والتعامل معه.
يبدأ المشهد الأول في الفيلم بعمر وهو يقول ليحيى: «أنا عاوز استقر وأشوف مستقبلي بطريقتي، حتجوز وأجيب عيال وابقى عادي، الناس هلكاني كلام» ليعلن بذلك نهاية علاقتهما وبداية الفيلم.
4- فيلم (سكندرية نيويورك /2004) .. بينما يذكر "يحيى" مغامرات مراهقته أثناء الدراسة في أمريكا، يتمحور جزء من الذكريات حول صاحبة المنزل الذي أقام فيه، ومحاولاتها التحرش به جنسيًا، فيستعين بإحدى زميلاته (جنجر) لمساعدته في التخلص منها، وتمثيل دور عشيقته.
تعترف "جنجر" بإعجابها بيحيى لكي يرد عليها قائلًا: «لو خدتيني زي ما أنا كده أوك، لكن أكون زي ما انتي عايزه، معتقدش الحكاية تنفع، مش حتمشي».
وتأمل ظلال التضليل فيما كتبه (نيك برادشو) بصحيفة الجارديان حيث يقول: "كان يوسف شاهين صوت السينما العربية الرائد لأكثر من نصف قرن – إنتاجه غزيرٌ ومتنوع الإنتاج، وإنجازه يماثل ما قدمه مبدعي الغرب الأكثر شهرة - لكن قيمته الدائمة، داخل مصر وخارجها، كانت تكمن في تعبيره الصريح عن ضمير بلده. لقد وقف ضد الإمبريالية والأصولية على حد سواء، واحتفى بحرية الجسد والروح، ووهب حياته لوطنه وأصبح رمزًا له. ونجد تاريخ مصر الحديث منحوتًا في جميع أعماله". !!!
شاهين يكره الدين
صرح يوسف شاهين لوكالة «رويترز» بكرهه لمظاهر التدين في المجتمعات العربية ولاسيما المصري. وقال المخرج المصري البالغ من العمر78 عاما إنه يشعر بالغضب الشديد عندما يعلو صوت أذان الصلاة عبر مكبرات الصوت في مساجد القاهرة ليقطع عليه حديثه مع الآخرين قائلا: "سأشتري مكبرا للصوت أكثر قوة لبث موسيقى أمريكية بصوتٍ عالٍ جداً، أعلى من صوت المؤذن".
وأضاف: "إنه يتميز غيظاً في الوقت نفسه من تصاعد النزعة المحافظة «المتدينة» بين الممثلات اللاتي يجعلن تصوير الأفلام أمرًا صعباً".
وتابع: "الأمر أشبه تماماً بما يحدث في الشارع، حيث يكاد يكون الحجاب مهيمناً بالكامل، على سبيل المثال: جاءت طباختي يوماً بغطاء رأس صغير، والآن ضاعفت مساحة الغطاء وأضافت قبعة، مما يجعل الأمر في غاية الخطورة عندما تطبخ".
ويقول شاهين الذي يعتبر نفسه جزءاً من جيل الليبراليين المصريين إنه مازال يكافح ضد الرقابة المحافظة سواء من جانب الدولة أو المجتمع. وقال: "إنني أقاوم إلا أنها ليست حركة جماعية. حتى طلابي لا يقاتلون من أجل أفكارهم. كل الناس تخاف من الجماعات الدينية".
ويقول شاهين إن الرقابة المصرية تتجنب إلى حدٍ كبيرٍ القطع من أفلامه بسبب شهرته العالمية، إلا أنه يشكو من أن أعماله لا تعرض بصورة كافية عبر شاشات التلفزيون.
شاهين كان قد واجه في فيلميه «المصير» و «الآخر» هجوم الإسلاميين، حيث أظهر التيار الديني كقوة مدمرة ورجعية.
يٌذكر أن يوسف شاهين يقول عن نفسه أنه ليبرالي ويكره الجماعات الدينية لأنها إرهابيةٌ ومتطرفةٌ، لذلك اخترع علاجاً ناجعاً للتطرف المؤدي للإرهاب من خلال أحد أفلامه «المصير»، يتمثل بأن يوضع «المتطرف» في إحدى الغرف وحيدا ًمع الممثلة (ليلى علوي) التي ترقص أمامه شبه عارية وبشكل فاضح!!.
شبيه أسلاف الحقد
إن الأذان بالصلوات شعار الإسلام المتميز؛ بل «إن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا غزا قوماً لم يكن يغزو حتى يصبح وينظر، فإن سمع أذاناً كف عنهم، وإن لم يسمع أذاناً أغار عليهم» . (رواه البخاري:585 ومسلم) . قال الخطابي: "فيه أن الأذان شعار الإسلام، وأنه لا يجوز تركه، ولو أن أهل بلد اجتمعوا على تركه كان للسلطان قتالهم عليه"، وقال القرطبي: "وحسبك أنه شعار الإسلام، وعلمٌ على الإيمان".
ولقد سخر اليهود من الأذان- شعار التوحيد- فضاقوا به ذرعاً وفي هذا يقول تعالى: {وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ} [المائدة: 58]
قال ابن كثير: وقوله: {وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا} أي: وكذلك إذا أذنتم داعين إلى الصلاة التي هي أفضل الأعمال لمن يعقل ويعلم من ذوي الألباب (اتخذوها) أيضاً {هُزُوًا وَلَعِبًا ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ} معاني عبادة الله وشرائعه، وهذه صفات أتباع الشيطان الذي «إذا سمع الأذان أدبر وله حصاص [أي ضراط] حتى لا يسمع التأذين. فإذا قضي التأذين أقبل. فإذا ثوب للصلاة أدبر. فإذا قضي التثويب أقبل حتى يخطر بين المرء وقلبه فيقول: اذكر كذا» .. الحديث متفق عليه.
وقال أسباط عن السدي في قوله {وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا} قال: كان رجل من النصارى بالمدينة إذا سمع المنادي ينادي: "أشهد أن محمد رسول الله" قال: حرق الكذاب، فدخلت خادمة ليلةً من الليالي بنار، وهو نائم وأهله نيام، فسقطت شارة، فأحرقت البيت، فأحترق هو وأهله. [رواه ابن جرير]
وقال القرطبي: كان إذا أذن المؤذن وقام المسلمون إلى الصلاة قالت اليهود: قد قاموا لا قاموا؛ وكانوا يضحكون إذا ركع المسلمون وسجدوا. وقالوا في حق الأذان: لقد ابتدعت شيئاً لم نسمع به فيما مضى من الأمم، فمن أين لك صياح مثل صياح العير؟ فما أقبحه من صوت، وما أسمجه من أمر.
وقيل: إنهم كانوا إذا أذن المؤذن للصلاة تضاحكوا فيما بينهم، وتغامزوا على طريق السخف والمجون؛ تجهيلاً لأهلها، وتنفيراً للناس عنها وعن الداعي إليها.
وقيل إنهم كانوا يرون المنادي إليها بمنزلة اللاعب الهازئ بفعلها، جهلاً منهم بمنزلتها، فنزلت هذه الآيـة، ونزل قوله سبحانه وتعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّـهِ وَعَمِلَ صَالِحًا} [فصلت جزء من الآية:33] والنداء: الدعاء برفع الصوت، لقد أدرك اليهود والنصارى أن الأذان شعار الإسلام وأهله فغاظهم ذلك، واليوم في عصرنا نسمع عن رُغاء بعض الفسقة ممن ينشرون الفِسق والمجون والإنحلال، يتحدث عن الأذان بمثل ما تحدث عنه أسلافه اليهود.
خالد سعد النجار
كاتب وباحث مصري متميز
- التصنيف: