وما علاج ذاك الإدمان؟

منذ 2016-10-01

تكلمنا في مقال "إدمان البعد عن السعادة" عن الدوامة اليومية التي تأكل من عمر الإنسان وتقلص من مساحات الارتقاء الروحي والإيماني اللازمين لتزكيته ونجاته في الدنيا والآخرة، وكشفنا الستر عن واقع مؤلم نتوارى منه يوميا دون وعي، فسألني الناس بعده سؤالا منطقيا: وكيف نوقف هذا الإدمان؟

تكلمنا في مقال "إدمان البعد عن السعادة" عن الدوامة اليومية التي تأكل من عمر الإنسان وتقلص من مساحات الارتقاء الروحي والإيماني اللازمين لتزكيته ونجاته في الدنيا والآخرة، وكشفنا الستر عن واقع مؤلم نتوارى منه يوميا دون وعي، فسألني الناس بعده سؤالا منطقيا: وكيف نوقف هذا الإدمان؟

أجبتهم بنقاط محددة: 

  • الاستعانة بالله في وضع هدف أو مجموعة أهداف عظيمة لحياتك، ولنسمها "أهداف كبيرة" أو "أهداف رئيسية"، تكون كالمحور الذي تدور حوله أيامك، وتظل تلك الأهداف نصب عينيك منتبه لها وموليها تركيزك، مع وضع خطة وجدول واقعي لتنفيذها ومسار تدرج متناغم مع قدراتك ومسئولياتك الأساسية، ثم الاستعانة بالله في مجاهدة النفس لمقاومتها لكل الملهيات عن تلك الأهداف والخطة والجدول، قدر الطاقة.
  • وضع شروط صارمة يتم تحقيقها قبل فتح أيقونة الواي فاي. على سبيل المثال: إنهاء الفرائض بالإضافة إلى الأوراد من الأذكار والقرآن، وعدم التفريط في النوافل، وقراءة عدد من الصفحات من كتاب رقائق أو سماع دقائق من درس إيماني...إلخ، أي ما يعادل الحد الأدنى مما لا يسع المسلم تركه في اليوم والليلة لزيادة إيمانه وتحصين نفسه وقلبه..
  • الجلوس يوما كاملا في الأسبوع بلا أنترنت نهائيا لكل أفراد الأسرة، وتدريج ذلك فيما بعد ليومين وثلاثة -ولو متفرقين على مدار الأسبوع- حتى يصير شيئا معتادا الجلوس بدون الانترنت.. فلا يصاب الشخص بالضيق والغربة حين يبتعد عنها.
  • الامتناع عن فتح الباقة و نحن في السيارة، المصيف، الزيارات العائلية، جلسات الذكر...إلخ
  • تأنيب الضمير نتيجة لمراقبة أطفالنا وأهلينا لنا يوميا بأعين حزينة ونحن عاكفون على شاشاتنا بالساعات، منصرفين عنهم ومشعرين إياهم بإهمال نفسي عظيم.. والعزم على الإقلاع عن هذا تأليفا لقلوبهم وتقوية لأواصر الصداقة معهم وتقديما لقدوة صالحة لهم.
  • إشغال النفس بمهمات أسرية رئيسية، ويمكننا تسميتها "أهداف صغيرة" أو "أهداف فرعية" متفرعة عن "الأهداف الكبيرة الرئيسية" التي تكلمنا عنها في النقطة رقم1.. أضرب مثالا: "هدف تربية الأبناء بشكل يرضي الله ويقر أعيننا في الدنيا والآخرة"، وليس مجرد رعايتهم بأكلٍ وشرب.. فهذا هدف يلزمه وقتا كافيا للاطلاع على أسس التربية الإسلامية وقصص صغار الصحابة مع الإلمام والتطبيق لكل وسائل تربية الأبناء تربية سوية، من المداومة على احتوائهم ومشاركتهم بحب في أمورهم وإنشاء حوارات تواصل فعالة معهم لصناعة النفوس الراقية وغرس القيم، بالتزامن مع النقطة رقم4.. فمن سيجد وقتا بعد ذلك لإدمان الشاشات؟
  • التأكد من عدم تعارض وقت الجلوس على الجهاز مع وقت العبادات المخصوصة الموقوتة بأوقات معينة لا ينبغي تفويتها. على سبيل المثال: الوقت ما بين العصر والمغرب هو وقت ترديد أذكار المساء، إذن يمتنع المسلم عن الإمساك بأي شاشة حتى ينتهي من تلك العبادة قبل فوات وقتها المشروع ، بل يغلق ال"واي فاي" خاصته تماما إمعانا في تحقيق حضور القلب وصفاء الذهن.
  • وضع أيقونة لبرنامج المصحف بجوار أيقونة المواقع المشهورة على هاتفك –فيسبوك تويتر واتس آب تليجرام...إلخ- وقبل فتح أي من تلك المواقع يقوم الشخص بفتح أيقونة المصحف أولا ويقرأ ولو آيتين. وليكن شعاره هنا "رسائل خالقي قبل رسائل خَلقِه".. عن تجربة: هذه الفكرة قللت كثيرا من وقت التصفح، ناهيك عن مئات الحسنات المتراكمة دوريا بإذن الله، مما يورث شعورا بالراحة والطمأنينة وقوة الإرادة، فجزى الله خيرا من تبتكر تلك الفكرة ونقلها إلينا.

ولا يخفى على أحد أن التركيز على هذه الأمور بإتقان سيقلل الوقت المستقطع للأجهزة الاكترونية وسيعين على الإقلاع عن إدمانها تدريجيا إن شاء الله، فيبدأ المرء بالممارسة العملية إدراك أنه يستطيع العيش فعليًا بعيدًا عن إدمان الشاشات والبقاء سعيدا مع ذلك، بل أسعد حالًا وأنشط روحًا وأصفى نفسًا..  

وكل هذا يتم بالاستعانة بالله أولا وأخيرا والدعاء، وتعلُّم علم الآخرة، لما يورثه في النفس من خوف ورجاء وهمة عالية.
والله المستعان. 

 

أسماء محمد لبيب

كاتبة مصرية