انتبهوا أيها السادة

منذ 2010-10-27

كاميليا تختفي لتُشهر إسلامها فيهيج النصارى ويضغطون على الدولة المنبطحة ويأخذون كاميليا من صحن- الذي كان أزهراً وكان للحق منبراً-، تُسلمها الدولة المنبطحة إلى الكنيسة بدم بارد، يدفع الدولة إلى ذلك حسابات ودوافع كلها خاطئة..


الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين أما بعد:
فانتبهوا أيها السادة، انتبهوا جيداً لما يُحاك لكم، وما يُراد بكم، وما تُستدرجون إليه، انتبهوا حتى لا تقعوا في الكمين المنصوب لكم.

جعلت أتأمل في تصريحات بيشوى وشنودة، وأستعيدُها، وأتأملها، فبان لي شيء عجيب وأحسست أن القصة كالتالي:
كاميليا تختفي لتُشهر إسلامها فيهيج النصارى ويضغطون على الدولة المنبطحة ويأخذون كاميليا من صحن- الذي كان أزهراً وكان للحق منبراً-، تُسلمها الدولة المنبطحة إلى الكنيسة بدم بارد، يدفع الدولة إلى ذلك حسابات ودوافع كلها خاطئة، فمن جهة الدولة تخضع (لعصا) الكنيسة التي ترهبها بنصارى المهجر، وجماعات الضغط الصهيونية، ومظاهرات نصارى الداخل، ومن جهة أخرى يسيل لعاب الدولة (لجزرة) تأييد الكنيسة للتوريث، ويُغرى الدولة على ذلك حسابات أكثر خطئاً عن شكل رد الفعل المتوقع من الجماهير، سواء من العامة، أو من التيار الإسلامي خاصة السلفي الذي كانت الدولة مطمئنة إلى أنه سيكون على أرض الفعل خارج السرب.


كل هذه الحسابات الخاطئة جعلت قرار تسليم كاميليا أسهل من قرار تسليم دجاجة خرجت من حظيرة على -سطوح الجيران-. بعد قليل تعلن الدولة والكنيسة -وهما غافلان عما ينتظرهما من مفاجآت- أن كاميليا لم تكن مختطفة ولا علاقة للمسلمين بذلك وإنما كانت -غضبانة من جوزها- شوفتوا إزاى؟ -وواخدة على خاطرها منه- بقى كده؟- ومقموصة من بسلامته -يا عين أبوه-.

لكن نظراً لأن المخذول من خذله الله، والمفضوح من فضحه الله، ولأن الكذب -مالوش رجلين ولا إيدين ولا عينين- تكشفت الحقيقة، ومع كل صباح كان حجم التكشُف يزداد، حتى ظهرت عورات وسوءات فوق حجم التصور والإدراك.
مع كل صباح جديد كان حجم الفضيحة يزداد، ويتسلل، وينتشر، ويتوغل، ويتغول، ويتوحش،حتى أسقط عروشاً وكروشاً و أبراجاً أعلى من برجي مانهاتن.
ظلت الكنيسة والدولة تراهنان على حالة وفاء قسطنطين، وعلى -هبالة- الشعب المصري وعلى خنوعه، وعلى انشغال الإخوان بالانتخابات، وعلى تفاهة شباب الفيس بوك، وعلى موقف التيار السلفي من العمل الحركي والمسيرات والمظاهرات
تعاملت الدولة والكنيسة مع الموقف بعنجهية وسلبية ولا مبالاة واستخفاف. وفى حين لم تعلق الدولة قط إلا تعبيراً فاضحاً حين ظهر الشريط المضروب، فإن الكنيسة ظلت تتخبط في التعليقات (غضبانة وزعلانة مع جوزها، غسيل مخ وغسيل الغسيل، انتوا مالكوا خليكوا فى حالكوا) وكان منها تصريح شنودة: أن المصريين طيبون وسينسوها كما نسوا وفاء -هكذا- ودون أدنى مراعاة لأي اعتبارات ولا خوف من أية عواقب، وقد أكد في تصريحه الأخير الذي أذاعه التليفزيون المصري على صحة تحليلي هذا بقوله أنه لم يكن يتصور أن تحصل كل هذه الزوبعة.
صح نومك يا (بلا نظير) أنت تتعامل مع جيل آخر ومع واقع آخر وصحوة وصلت إلى سن الرشد والفتوة، وصار الكل يعمل لها ألف حساب، وكذلك في ظل ثورة اتصالات تجعل -مفيش حاجة بتستخبى- وتجعل من محاولة التكتيم والتعتيم والخداع نوعاً من -العبط والهبالة-.

المهم راهن الكل على النسيان، وعلى (لعبة الأيام) وعلى -طيبة المصريين إلى حد الهبل- والتفريط في دينهم، وعرضهم، وإلى حد غض الطرف بل - والتطنيش أمام التشكيك فى كتابهم، واعتبارهم ضيوفاً يجب عليهم أن يتأدبوا -وما ينسوش نفسهم والعشم يقتلهم ويفكروا إنهم أصحاب بيت-، يجب عليهم أن يتأدبوا وإلا فالباب مفتوح - مفتوح على الآخر- وعلى فكرة -يفوت جمل- وعلى فكرة كمان المركب -اللي هتودي بالصدفة واقفة، وبالصدفة طالعة الحجاز- يجب علي المسلمين الضيوف أن -يحمدوا ربنا ويبوسوا إيديهم ضهر ووش مش كفاية مستحملينكم-.


راهن الكل على كل ذلك، لكن المفاجأة المذهلة أن مرور الأيام كان يزيد من حجم الفضيحة وعدد المفضوحين، وتوالت هزائم المقامرين، وانتصارات أصحاب الحق،حتى اضطر للكلام من كنا لا نحسبه يتكلم حتى أنني لا أعرف قضية اتفق رأى الإسلاميين والعلمانيين والحقوقيين والكتاب والأدباء عليها، كما حدث في قضية كاميليا، ولم يبق على الجانب الآخر إلا ثلاثة:
الدولة، صمتت صمتاً ليس في قاموسي ما يُسعفني لأُسميه، وليس فيما أعرف من قصص ما يُسعفني لأشبهه به، والمؤسسة الدينية الرسمية ولن أقول أكثر من أننا لو عقدنا مقارنة بين مؤسسة الكنيسة ولغة رجالها وبين رجالات مؤسسات الإسلام الرسمية في مصر فستكون النتيجة عار وخزي ليس له نظير.

والطرف الثالث هو الكنيسة حيث أصابتها الصدمة في رشدها، ووجدت نفسها للمرة الأولى وحيدة، تخلى عنها الكُل للمرة الأولى، وهاجمها من لم يهاجمها قط، لفداحة جُرمها.

وبدلاً من أن يكون هناك وقفة محاسبة، وقراءة صحيحة لواقع جديد يتشكل، أخذتها العزة بالآثام، فأخذت تهاجم الكل وتوزع اتهامات مضحكة مبكية، ثم فجأة بدأت خطة جهنمية.
فلنشغل المسلمين بزلزال مدوي ثم نعتذر لهم بعد ذلك ولا مانع أن نلحس الاعتذار نفسه، المهم أن ينسوا كاميليا !!

لما لم ينسى الطيبون البلهاء من أهل مصر -كما ظن شنودة- كان لابد من أن يتم صرف أنظارهم بالقوة، بزلزال، فتم الدفع ببيشوى ليفجر قنبلة (الضيوف البجحين قلالات الذوق، اللي ما طمرش فيهم، وعضوا الإيد اللي اتمدت لهم).
انفجرت قنبلة (الضيوف) وحصل فعلاً نوع من الانشغال عن كاميليا (واتلهينا في مطارحنا اللى عاوزين يُكرشونا منها).
وقبل أن يعود الناس لكاميليا تم تفجير قنبلة أكبر وأفظع (التشكيك في القرآن).


ومع هدف إلهاء الناس عن كاميليا تتحقق أهداف أخرى:
تجاوز الخطوط الحمراء وفرض واقع جديد، اختبار صبر الجماهير، معرفة رد الفعل وقياس مستويات الغضب، ومعرفة استراتيجية كل فصيل، وتكوين فكرة على الأرض عن واقع البلد، ثم استخدامها للمساومة (توقفوا عن مهاجمة النصرانية نتوقف عن مهاجمة الإسلام) ثم بعد الاعتذار الظهور بمظهر المنصفين والذين ليس عندهم مشكلة إذا أخطئوا أن يعتذروا ثم المطالبة باعتذارات مقابلة عن أي قول في نصرانية هذا الزمان كما فعلوها هم.

انتبهوا أيها السادة، ووزعوا الأدوار والمجهود، واصبروا على لأواء الغربة ومرارات الطريق، وتذكروا نبي الله نوح عليه وعلى نبينا السلام الذي ظل يدعو قومه قريباً من ألف سنة ورغم ذلك ماذا كانت النتيجة؟ وما هى الثمرة؟ {وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ } [هود:40]، ضع نفسك مكان هذا النبي صلى الله عليه وعلى نبينا وسلم، ألف سنة من الدعوة ثم تنظر حولك فلا تجد إلا القليل من المؤمنين ومما يزيد من طعم المرار أنه حتى هذا القليل ليس فيه ولدك ولا زوجتك!! يالله ما أصبر نبي الله نوح!، ما آمن معه إلا قليل، والباقون؟ سخرية وتبكيت وترويع وتهديد!!!

إخواني بناء سفينتنا سفينة النجاة يحتاج إلى وقت، والسخرية والاستهزاء من دعوتنا عادة الكفار والمنافقين وطول فترة الدعوة وصعوبتها وامتلاءها بالإحباطات ليس بجديد وتأخر الثمرة طبيعي وقصة متكررة.
اصبروا على مشاق الطريق، وإياكم أن تنسوا كاميليا.
وليعلم الجميع أننا لو استعدنا كاميليا فلن يكون هناك كاميليا أخرى بإذن الله، وسيرتاح الجميع مسلمون ونصارى.


أيها الشرفاء القابضون على الجمر المعاينون لفتن كقطع الليل المظلم: اعلموا أننا في صراع إرادات، ومعركة وجود، ونفس طويل وإعادة رسم خريطة واقع جديد.
إخواني الشرفاء، مما لا شك فيه أن الكنيسة والدولة ليس لديهما لحل قضية كاميليا إلا إستراتيجية واحدة، إنها إستراتيجية النسيان. الحق الذي لا مرية فيه أنهما يلعبان على ورقة مرور الأيام أو (لعبة الأيام)، ويعتمدان كما صرح شنودة على أن (المصريين طيبين) وسينسون كاميليا كما نسوا وفاء.

الدولة والكنيسة هداهما تفكيرهما إلى أن هذا الحل هو الأفضل لكليهما، وإلى أن هذا البديل هو الأنسب، ولذلك أنا اليوم ومن هنا أدعو إلى (مفاجأة عُمر) من العيار الثقيل للدولة وللكنيسة، مفاجأة تقلب الطاولة عليهما وتبرجل حسابات الدولة والكنيسة وتدخلهما في غيبوبة ذهول. أدعو اليوم إلى إطلاق حملة: "اصبروا على كاميليا".

حملة مباركة لوجه الله، حملة لإيصال رسالة واحدة ووحيدة للدولة وللكنيسة ألا وهى أن كاميليا غير قابلة للنسيان بل ووفاء أيضاً، بل حتى لو أخرجتم كاميليا فلن نصمت حتى تعود وفاء أيضاً -إن كانت حية- أو دليلاً مادياً على وفاتها مع تقديم القاتل إلى العدالة.
إذن ومن هنا انطلقت حملة "اصبروا على كاميليا" حملة ستستمر ولو إلى الأبد، ستستمر ولو أسلمتها الأجيال إلى الأجيال وورثها الآباء إلى الأبناء.

إخواني صدقوني هذه الحملة حياة أو موت وإلا سنعيش في بلادنا كالدجاج، هذه الحملة أهم من الطعام والشراب وإلا لن يجرؤ رجل ولا امرأة في مصر على الدخول في الإسلام، هذه الحملة لمساعدة النظام الحاكم والجهات الأمنية على الوقوف في وجه الطغاة الجدد الذين فاق طغيانهم كل ما عرفناه، أكاد أقسم بالله أن الحكومة تحتاج وتبارك هذه الحملة وهذه الوقفات، وأنها تحتاج إلى مساعدة أبناءها للوقوف في وجه الطوفان.


أطلقوها حملة وإلا سيضحك علينا العالم أطلقوها حملة وإلا فلنعد إلى بيوتنا ولندع النساء يتولين شئون الحياة لنا لأننا لو خذلنا كاميليا ولم نصبر عليها وهزم عزيمتنا النسيان فمعنى ذلك أننا لا نستحق أن نكون رجالاً بل ولا أن نتسمى بأسماء الرجال ومعنى ذلك أنهم "لعبوها صح" وأنهم "عارفين آخرنا" وأننا جيل كلام وكرة وطعام وشراب وشهوات وسنكون جيل العار في تاريخ هذه الأمة.

قولوا لهم: للعلم وللعلم فقط ولمن يهمه الأمر ولمن لا يهمه فإن قضية كاميليا لن تموت، ولعلم كل من يراهن على مرور الزمن وفوات الأيام حتى ينسى الناس قولوا له: للعلم فقط هذا لن يحدث، والإسلاميون وإن كانوا لن يفعلوا شيئاً واحداً يخالف قانون البلد لكنهم سيحولون كاميليا إلى بطلة -وهى كذلك والله حسيبها- وسنجعلها نشيداً لنا وسنجعل سيرتها على كل لسان حتى يسير بحكايتها الركبان بل والرهبان.

قولوا لهم: لن نسمح أن تصبح كاميليا "وفاء جديدة" لن نسمح، لن نسمح، لن نسمح، وعلى جثثنا، وابحثوا عن استراتيجية أخرى غير لعبة الأيام.


خالد الشافعي
kaledshafey@yahoo.com

 
المصدر: خالد الشافعي - خاص بموقع طريق الإسلام