ملاحظات حول التوكيل في ذبح الأضاحي

منذ 2010-11-13

ذبح الأضاحي من شعائر الإسلام الظاهرة والدعوة إلى التوكيل في ذبحها في الخارج أو الداخل مما يقضي على هذه الشعيرة أو يضعفها.فينشأ ناشئة المجتمع لا يعلمون عن هذه الشعيرة شيئا بينما ذبحها بيد أهلها ورؤيتها عند شرائها وذبحها


عبدالرحمن بن صالح المزيني


الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.



وبعد:

فقد جاء في سنن الإمام الدارمي رحمه الله قال: أخبرنا الحكم بن المبارك أخبرنا عمر بن يحيى قال سمعت أبي يحدث عن أبيه قال: كنا نجلس على باب عبد الله بن مسعود قبل صلاة الغداة فإذا خرج مشينا معه إلى المسجد فجاءنا أبو موسى الأشعري فقال أخرج إليكم أبو عبد الرحمن بعد قلنا لا فجلس معنا حتى خرج فلما خرج قمنا إليه جميعا فقال له أبو موسى يا أبا عبد الرحمن أني رأيت في المسجد أنفا أمرا أنكرته ولم أر والحمد لله إلا خيرا قال فما هو فقال إن عشت فستراه قال رأيت في المسجد قوما حلقا جلوسا ينتظرون الصلاة في كل حلقة رجل وفي أيديهم حصا فيقول كبروا مائة فيكبرون مائة فيقول هللوا مائة فيهللون مائة ويقول سبحوا مائة فيسبحون مائة قال فماذا قلت لهم قال ما قلت لهم شيئا انتظار رأيك أو انتظار أمرك قال أفلا أمرتهم أن يعدوا سيئاتهم وضمنت لهم أن لا يضيع من حسناتهم ثم مضى ومضينا معه حتى أتى حلقة من تلك الحلق فوقف عليهم فقال ما هذا الذي أراكم تصنعون قالوا يا أبا عبد الله حصا نعد به التكبير والتهليل والتسبيح قال فعدوا سيئاتكم فأنا ضامن أن لا يضيع من حسناتكم شيء ويحكم يا أمة محمد ما أسرع هلكتكم هؤلاء صحابة نبيكم صلى الله عليه و سلم متوافرون وهذه ثيابه لم تبل وأنيته لم تكسر والذي نفسي بيده إنكم لعلي ملة هي أهدي من ملة محمد أو مفتتحوا باب ضلالة قالوا والله يا أبا عبد الرحمن ما أردنا إلا الخير قال وكم من مريد للخير لن يصيبه إن رسول الله صلى الله عليه و سلم حدثنا أن قوما يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم وأيم الله ما أدري لعل أكثرهم منكم ثم تولى عنهم فقال عمرو بن سلمة رأينا عامة أولئك الحلق يطاعنونا يوم النهروان مع الخوارج). أ. هـ



وما أعنيه وأقصده من هذا الأثر؛ قوله رضي الله عنه: (وكم من مريد للخير لن يصيبه)؛ فربما حرص المرء على الخير فلم يوفق لقصور في طلبه وإلا فالحق أبلج.



ولقد شاع في مجتمعنا قبل سنوات الدعوة للتوكيل في ذبح الأضاحي داخل البلاد أو خارجها، وما زالت تتجدد هذه الدعوة في كل عام إذا ما قرب موسم الأضاحي سواء على مستوى جمعيات البر أو المؤسسات الخيرية أو من بعض الأشخاص الصالحين. وإن كنا لا نشك أن الحامل لهؤلاء هو الحرص على الخير والإحسان إلى الناس.



ولي مع هذا وقفات:

أولا: لا يخفى انه كلما زاد ثمن الأضحية كانت أفضل عند الله.فلا ينبغي أن يعود الناس على الأرخص. قال في كشاف القناع: (وَأَفْضَلُهَا) أَيْ: الْأَجْنَاسِ، أَيْ: أَفْضَلُ كُلِّ جِنْسٍ (أَسْمَنُ، ثُمَّ أَغْلَى ثَمَنًا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴾ [الحج: 32] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: "تَعْظِيمُهَا اسْتِسْمَانُهَا وَاسْتِحْسَانُهَا" وَلِأَنَّ ذَلِكَ أَعْظَمُ لِأَجْرِهَا وَأَكْثَرُ لِنَفْعِهَا أ.هـ


ثانيا: ليعلم أن المقصود من النسك عموما (أضحية أو هدي أو عقيقه) المقصود الشرعي تعظيم الله والمسارعة إلى التقوى ليست مغرما حتى نبحث عن الأرخص مع أن الأغلى هو الأفضل قال تعالى: ﴿ لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [الحج: 37].



ثالثا: ذبح الأضاحي من شعائر الإسلام الظاهرة والدعوة إلى التوكيل في ذبحها في الخارج أو الداخل مما يقضي على هذه الشعيرة أو يضعفها.فينشأ ناشئة المجتمع لا يعلمون عن هذه الشعيرة شيئا بينما ذبحها بيد أهلها ورؤيتها عند شرائها وذبحها مما يعلنها ويشيعها ويتربى عليها أهل البيوت.وقد رئينا ضعف هذه الشعيرة عندما صار الناس يذبحون أضاحيهم في المجازر ونحوها.



فماذا سيحدث إذا فتحنا هذا الباب للتوكيل المطلق بالشراء والذبح والتوزيع؟ فهلا تركنا الشعائر لأهلها يتعبدون لله بشرائها وذبحها والأكل منها وإهداء الأصدقاء وإطعام الفقراء. بعيدا عن العواطف التي تحتاج إلى ما يسعفها من الأدلة؟



رابعا: ذبح الأضاحي عبادة يتبعها عبادات واجبة ومستحبة كمباشرة الذبح أو حضور الذبح وذكر اسم الله عليها والأكل منها... وتوكيل الغير في ذبحها يذهب بهذه العبادات التابعة لهذه العبادة.



خامسا: من شروط الأضحية سلامتها من العيوب فإذا قام الإنسان بشرائها بنفسه فإن عنايته بسلامتها من العيوب أكثر من عناية غيره ممن سوف يشتري عشرات الأضاحي لمن وكله.وإذا وقع نقص في ذلك أو عيب فلا تسلم ذمة الوكيل.


سادسا: في هذه الدعوة تعويد للناس على التكاسل عن القيام بعباداتهم.فالجهد المبذول في الشراء والذبح والتوزيع كلها عبادات ومن مكملات الأضحية فما بالنا نجني على العبادات؟



سابعا: في هذه الدعوة إغلاق باب الصدقات العامة فالمتعين تشجيع الناس على ذبح ضحاياهم في بيوتهم وعلى مرأى ونظر منهم. والقيام بتكثيف الدعوة إلى الصدقات على إخواننا المعوزين بعيدا عن الجناية على النسك والشعائر.



ثامنا: لاشك ولا ريب أن كثيرا من الناس اليوم يعيشون حياة الفقر والحاجة والمسغبة، ومن الجميل قيام الناصحين وطلبة العلم والمؤسسات الخيرية بمساندة إخوانهم والوقوف معهم في محنهم لكن لا يكون ذلك على حساب شعائر الإسلام.


وأخيرا: انقل بعض ما قاله شيخنا محمد بن عثيمين رحمه الله حول هذه القضية.


قال رحمه الله في اللقاء الشهري: بعض الناس يعطي هيئة الإغاثة أو غيرها من الجهات دراهم ليضحى عنه في أماكن أخرى، هذا لم يؤد الأضحية، الأضحية شعيرة ينبغي أن تقام في كل بلد، ومن نعمة الله عز وجل أنه لما اختص الحجاج بالهدايا يذبحونها تقرباً إلى الله في أيام العيد شرع الله لمن لم يحج أن يضحي، حتى يشاركوا الحجاج في شيء من شعائر الله عز وجل ﴿ وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ ﴾ [الحج: 36].



فإذا كان هذا هو المقصود من الأضحية قلنا للإنسان: لا تضح خارج بيتك، ضح في بلدك، أقم هذه الشعيرة، والأضحية في مكان يبعث بالدراهم إليه مخالف للسنة، يفوت بها مصالح كثيرة، أذكر منها ما يلي:

أولاً: إخفاء شعيرة من شعائر الله في بلادك وهي: الأضحية.



ثانياً: يفوتك التقرب إلى الله تعالى بذبحها؛ لأن المشروع في الأضحية أن يباشر الإنسان ذبحها بيده، فإن لم يحسن فقال العلماء: يحضر ذبحها، وهذا يفوته.



ثالثاً: يفوتك ذكر اسم الله عليها؛ لأن الأضحية إذا كانت عندك في البلد، فأنت الذي تذكر اسم الله عليها، وقد أشار الله إلى هذه الفائدة بقوله: ﴿ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ﴾ [الحج: 34] فتذهب أضحيتك إلى مكان بعيد لا تدري هل يذكر اسم الله عليها أم لا، وتحرم نفسك من ذكر اسم الله عليها.



رابعاً: يفوتك أن تأكل منها، لأنها إذا كانت في البوسنة والهرسك و الشيشان و الصومال وغيرها هل يمكن أن تأكل منها؟! لا. يفوتك الأكل منها وقد قال الله عز وجل: ﴿ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ ﴾ [الحج:28].. ﴿ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ ﴾ [الحج: 36] فبدأ بالأكل، ولهذا ذهب بعض علماء المسلمين إلى أن الأكل من الأضحية واجب، كما تجب الصدقة يجب الأكل، وهذا قطعاً يفوت إذا ضحيت في غير بلادك.



خامساً: أنه يفوتك التوزيع المطلوب؛ لأن المطلوب في الأضحية أن تأكل وتهدي وتتصدق، وهذا يفوت، إذا وزعت هناك لا ندري أتوزع صدقة على الفقراء، أم هدية على أغنياء، أم هدية على قوم ليسوا بمسلمين؟!



سادساً: أنك تحرم أهل بلدك من الانتفاع بهذه الأضاحي، أن تقوم بالإهداء إلى جيرانك وأصحابك من الأضحية، وبالصدقة على فقراء بلدك، لكن إذا ذهبت هناك فات هذا الشيء.



سابعاً: أنك لا تدري هل تذبح هذه على الوجه الأكمل أو على وجه خلاف ذلك، ربما تذبح قبل الصلاة، وربما تؤخر عن أيام التشريق، وربما لا يسمِ عليها الذابح، كل هذا وارد، لكن إذا كانت عندك ذبحتها على ما تريد، وعلى الوجه الأكمل، ولهذا ننصح بألا تدفع الدراهم ليضحى بها خارج البلاد، بل تضحى هنا، وننصح -أيضاً- بأن من عنده فضل مال فليتصدق به على إخوانه المحتاجين في أي بلاد من بلاد المسلمين. أ.هـ



وإني بهذه المناسبة أوصي القائمين على هذه المناشط والجمعيات والمؤسسات الخيرية بتقوى الله تعالى وعرض مشاريعهم على طلبة العلم لدراستها حتى يسلموا من تبعاتها.


جعلنا الله ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.




 

المصدر: موقع الألوكة