مقاطع دعوية منوعة - المجموعة 86

منذ 2016-11-07

في كل يوم تموت وتحيا

من أقوال ابن القيم رحمه الله تعالى: يخرج العارف من الدنيا ولم يقض وطره من شيئين: بكائه على نفسه، وثنائه على ربه.

 

جنازة عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: قال سعيد بن جبير رحمه الله: لما دفن ابن عباس سمعنا من شفير القبر هذه الآية ولا يُدرى من تلاها: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ *ارْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي}   [الفجر:27-30] .

جنازة ابن تيمية رحمه الله: ختم القرآن في سجنه أكثر من مرة، ومات في الختمة السابعة والثلاثين عند قول الله عز وجل: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ} [القمر:54-55]

في كل يوم تموت وتحيا، فاعتبر: {وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الأنعام:60]، {اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الزمر:42].
 

علينا أن ننتبه إلى مرحلة تشويه الرموز الإسلامية وعلينا التسلح بحسن الظن بدعاتنا وعدم تصديق تلك التشويهات أو تلك الإشاعات لأننا إزاء معركةٍ فاصلةٍ سلاحنا فيها عقيدتنا ودرعنا فيها حسن الظن برموزنا وتكاتفنا مع بعضنا.

قال ابن القيم رحمه الله: وخُلُق الحياء من أفضل الأخلاق وأجلها وأعظمها قدراً وأكثرها نفعاً، بل هو خاصة الإنسانية، فمن لا حياء فيه ليس معه من الإنسانية إلا اللحم والدم وصورتهما الظاهرة، كما أنه ليس معه من الخير شيء، ولولا هذا الخلق يعني الحياء لم يُكرم الضيف، ولم يوَف بالوعد، ولم تؤد أمانة، ولم تُقض لأحد حاجة، ولا تحرى المرء الجميل فآثره، والقبيح فتجنبه، ولولا الحياء لم تُستر عورة، ولم يُمتنع عن فاحشة، ولولا الحياء لم تُفعل الواجبات وتترك المحرمات، ولم يرع لمخلوق حقاً، ولم يصل رحماً، ولم يبر والدين، فالحياء من خلق الصالحات، أما العاصيات فلا حياء لهن؛ لأن المعاصي تذهب الحياء، قال ابن القيم رحمه الله: من عقوبات المعاصي ذهاب الحياء الذي هو مادة حياة القلب، وهو أصل كل خير، وذهابه -يعني ذهاب الحياء- ذهاب الخير أجمع، فقد جاء في الحديث الصحيح: «الحياء خير كله» (صحيح البخاري: 5766) والمقصود: أن الذنوب تضعف الحياء من العبد والأمة حتى ربما انسلخ منه بالكلية، وربما لا يتأثر بعلم الناس بسوء حاله، ولا باطلاعهم عليه، بل كثير وكثيرات يخبرن عن حالهن وقبيح أفعالهن، والحامل على ذلك ذهاب الحياء، قال صلى الله عليه وسلم: «كل أمتي معافى إلا المجاهرون» (صحيح البخاري: 5722) وإذا وصل العبد والأمة إلى هذه الحال لم يبق في صلاحه وصلاحها مطمع. واعلمي أخية! أن لا حياء فيها فهي ميتة في الدنيا، وشقية في الآخرة، ومن استحت من الله عند معصيته استحى الله من عقوبتها يوم تلقاه، ومن لم تستحي من الله عند معصيته لم يستح الله من عقوبتها.
 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

أبو الهيثم محمد درويش

دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.

المقال السابق
المجموعة85
المقال التالي
المجموعة (87)