الولايات (غير المتحدة) الأمريكية!

منذ 2016-11-15

فليجدد المسلمون الأمل إذن في نصر الله، الذي يعز من يشاء ويذل من يشاء، وليجددوا اليقين بأن العاقبة للمتقين ولو بعد حين، وماعليهم بعد الأخذ بأسباب الخروج من أسر القهر والاستلاب

تسببت سياسات الإدارات الأمريكية المتتابعة في العقود الأخيرة في تفكك وانقسام شعبي خطير في الكثير من بلاد المسلمين، وذلك عن طريق تدبير الانقلابات وتخطيط المؤامرات ودعم الزعامات المهزومة ومساندة القيادات المأزومة.
ولأن المكر السيء لا يحيق إلا بأهله؛ وأنه على الباغي تدور الدوائر؛ فقد دخلت أمريكا باختيارها وإرادة نصف شعبها -عن طريق الانتخابات الأخيرة- في النفق الذي أدخلت فيه غيرها، حيث تلوح في الأفق -كما يرى كثير من المراقبين- نذر شقاق شعبي، وبدايات خلل وزلل سياسي واجتماعي وحضاري، قد يُوقع الأمريكيين في تشتت يتلوه تفكك، وربما يتحول بعدها إلى تفتت، جزاءً وفاقاً {وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} [الكهف:49].


- فالولايات (المتحدة) لم تعد متحدة على المستوى (الشعبي):
لأن الشعب الأمريكي لم يعد واحدًا؛ بل هو داخل حكمًا في المرحلة الانشطارية الانقسامية، التي دخلت فيها الحالة الشعبية في بلادنا بعد إجهاض الثورات العربية وبخاصة المصرية حين صار شعار القسم الرديء من الشعب يردد أغنية: "احنا شعب وانتو شعب.. لينا رب وليكو رب"! وتسبب ترامب مبكرًا جدًا وقبل أن يتسلم السلطة؛ في إحداث شروخ قد تتحول إلى أخاديد في العهد الأمريكي الجديد، وتدل عليه تلك التظاهرات الحاشدة والاعتراضات الحادة ، من نصف الشعب المناهض ضد النصف المناصر.


- والولايات الأمريكية لم تعد متحدة على المستوى (السياسي):
لبروز الانفصام الأشبه بالانفصال بين المؤسسة الحاكمة الخفية الحقيقية التي يخرج الساسة من داخلها تقليديًا، وبين مؤسسة الرئاسة المنتظرة المنتصرة التي ركبها ترامب رغما عنهم، ليؤسس بذلك لواقع مقلق حاليًا.. ومفجع مستقبلًا، وكذلك بعد اتضاح إفلاس الحياة السياسية، بعجز الجمهوريين عن ترشيح شخصية محترمة أخلاقية في الحملة الانتخابية، والمتوقع أن الحزبين الرئيسيين المتنافسين -الديمقراطي والجمهوري- المرموز لهما بالحمار والفيل..سيتحولان مستقبلاً إلى حيوان أشبه بالغيلان، تحركهما بعدما حدث البواعث الانتقامية الحربية أكثر من المنافسات السياسية الحزبية.


- والولايات الأمريكية لن تعود متحدة على المستوى (الإداري الداخلي):
بعد أن طالبت بالفعل بعض الولايات مثل ولاية كاليفورنيا -التي تعد الأكثر سكانًا والأقوى اقتصادًا- بالانفصال عن الاتحاد الأمريكي، الذي أصبح الالتزام به عبئًا عليها، باعتبار أن كاليفورنيا؛ ستمثل عند الانفصال سادس أكبر اقتصاد في العالم، لأنها أقوى اقتصاديًا من فرنسا، وأكبر عددًا من بولندا، وأكثر انسجامًا من الناحية الشعبية من بقية الولايات الأمريكية. ويشبهها في المطالبة بالانفصال ولايات تكساس، وألاسكا، وجزر الهاواي!
بل قد تقدمت عشرون ولاية عام 2012 بذات الطلب الذي تجددت أجواؤه بمجيء (طرامب)!


- وأمريكا لم تعد متحدة على المستوى (القيمي):
لأن (المبادئ) و(القيم) الديموقراطية؛ لم تعد تصلح للمثالية التي توافق عليها الأمريكيون، بعد أن أتت تلك الديمقراطية لهم بدابة الاستبداد ودمية العنصرية (دونالد ترامب) على ذات الطريقة التي صعد بها الدكتاتور (أدولف هتلر) من خلال الديمقراطية الألمانية، ونظيره (بينيتو موسوليني) من خلال الانتخابات الإيطالية، حيث تعاونت بعدها نازية هتلر وفاشية موسوليني في خراب الحرب العالمية الثانية.. التي يبدو أن (خرامبو) الأمريكي سيورط العالم في مثل مآسيها من خلال تحريكه وتهيئته لأجواء حرب عالمية ثالثة.


• ولن تعود الولايات الأمريكية متحدة على المستوى (الاجتماعي):
بعد أن نثر زعيم (أصحاب الفيل) الجدد؛ بذور الفرقة بين المكونات الاجتماعية الأمريكية، على الطريقة الانقلابية التي تحدث في البلاد العربية، ففرق بين المسلمين وغير المسلمين، وبين الليبراليين والمتدينين..وبين الأمريكيين البيض البروتستانت الأنجلو ساكسون المتعالين، وبين الأمريكيين (الملونين) من أصول إفريقية أوآسيوية أو لاتينية، وكذلك بين طبقات الأثرياء ورجال الأعمال، وبين الطبقات الأدنى وخاصة المزارعين والحرفيين والعمال.


وأخيرًا، وعلى خطا (جورباتشوف) الروسي الذي أراد إعادة (العظمة) للاتحاد السوفييتي البائد تحت زعامته، فكان سببًا في تفكيكه ثم سقوطه .. يبدو أن (ترامبتشوف) المبشر بعودة العظمة لأمريكا تحت قيادته؛ سيعود بما عاد به جورباتشوف؛ ليس فقط على المستوى الأمريكي؛ بل على مستوى النظام الدولي العالمي ، حتى إن المفكر الأمريكي، الياباني الأصل - فرنسيس فوكوياما - الذي بشر بـ(نهاية التاريخ) على مشهد السيادة النهائية للنمط الحضاري الليبرالي الأمريكي، بعد مرحلة من (صدام الحضارات) صرح مؤخراً متحسراً؛ بأن مجيء ترامب قد يتسبب في تفكك الولايات (المتحدة) الأمريكية، وسيؤدي ذلك إلى تصدع النظام العالمي الليبرالي برمته، الذي كان مؤملاً أن تظل أمريكا على قمته ، ممثِلة للنمط المثالي والمثير، لـما سماه فوكوياما يومًا (الإنسان الأخير)!
وقد عبر الكاتب والصحفي البريطاني الشهير(ديفيد هيرست) عن الزلزال الذي أحدثه انتصار ترامب بكلمات معبرة ليست عابرة فقال: "الأحداث تعطي إحساسًا بحجم الانهيار الذي تعرض له الاتحاد السوفييتي في عام 1992"... "العالم الذي ينظمه ويهيمن عليه الغرب يوشك على الانفجار من الداخل"... "لم يعد هناك معنى للحديث عن وجود نظام عالمي، فضلا عن أن تكون إدارته بيد الولايات المتحدة الأمريكية"!
فليجدد المسلمون الأمل إذن في نصر الله، الذي يعز من يشاء ويذل من يشاء، وليجددوا اليقين بأن العاقبة للمتقين ولو بعد حين، وماعليهم بعد الأخذ بأسباب الخروج من أسر القهر والاستلاب؛ إلا ينتظروا ويتربصوا قليلا بمن تربصوا وفتكوا بهم طويلا مع الفارق بين التربصين مرددين قول ملك الملوك سبحانه: {قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ (عِنْدِهِ) أَوْ(بِأَيْدِينَا) فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ} [التوبة:52].

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام