لا تكونوا ممَّن يسأل عن الأنباء فحسب!!
يؤسفني حال كثير من أبناء الأمَّة المسلمة، حين تجدهم يتقاطرون على شاشات (الحاسب الآلي) أو(الرائي) وينظرون ويستمعون الأخبار والأنباء الساعات الطوال، التي تتحدَّث عن أوضاع أمتنا الإسلامية المكلومة!
يؤسفني حال كثير من أبناء الأمَّة المسلمة، حين تجدهم يتقاطرون على
شاشات (الحاسب الآلي) أو(الرائي) وينظرون ويستمعون الأخبار والأنباء
الساعات الطوال، التي تتحدَّث عن أوضاع أمتنا الإسلامية
المكلومة!
ولا ريب أنَّ هذا الأمر فيه جانبٌ من جوانب الخير للمسلم الذي يهتمُّ
بأحوال أمَّته، ويتابع أخبارها وهمومها... ولكن هل الاقتصار على
متابعة الأخبار والأنباء يكفي دون عمل منهجي، أو خطَّة إصلاحيَّة
مرسومة لنصرة قضايا الأمَّة؟
إنَّ الله تعالى حين وصف المنافقين، وأحوالهم المريبة في معركة
الأحزاب، ذكر أنَّهم لفَرْطِ جبنهم وتخاذلهم، لم يكن لديهم همٌّ إلاَّ
بالسؤال والالتقاط لأخبار رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم والثلَّة
المؤمنة التي صمدت للجهاد معه والدفاع عن دولة الإسلام، إلاَّ أنَّ
المنافقين قاعدون عن العمل، متثاقلون عن نصرة هذا الدين... فماذا كان
نفعهم للمسلمين؟!
ولهذا يقول الله تعالى عن أولئك المنافقين: {يَسْأَلُونَ عَنْ أَنبَائِكُمْ ۖ
وَلَوْ كَانُوا فِيكُم مَّا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا}
[الأحزاب:20] قال الإمام الشوكاني رحمه الله: "أي: عن أخباركم وما جرى
لكم، كل قادم عليهم من جهتكم. أو يسأل بعضهم بعضاً عن الأخبار التي
بلغته من أخبار الأحزاب ورسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم. والمعنى:
أنَّهم يتمنون أنَّهم بعيد عنكم يسألون عن أخباركم من غير مشاهدة
للقتال لفرط جبنهم وضعف نياتهم" (فتح القدير4/263).
ولم يكن قصارى جهد المنافقين إلاَّ السؤال عن الأخبار والأنباء فحسب،
ولم يتعدوا ذلك بخطوة مرحليَّة جديدة يخدمون بها دين الله، وينصرون
رسوله.
ومن المؤكَّد أنَّنا لو بحثنا في الفائدة من سماع تلك الأنباء بدون
عمل مفيد، ولا حركة ملتهبة، ولا نصرة عاجلة، ولا أثر يرتجى، فليس ينتج
عن ذلك إلاَّ ترف فكري في الأخبار، وحشو معلومات من شتَّى الأقطار، بل
قد يصاب من ابتلي بذلك بتبلُّد إحساس، وعدم اكتراث بأحوال الأمَّة
الإسلاميَّة وهمومها.
ومن ثمَّ فإنَّ حمل همِّ المظلومين من المسلمين ونصرتهم، وصناعة
الحدث الخادم لهم، هو الذي يفرحهم، ويبهج أنفسهم، ولا شيء أجدى وأنفع
من العمل، الذي يحقِّق بإذن الله مكاسب كبيرة، ونتائج مثيرة في قلب
الساحة الإسلاميَّة.
وإنَّ العمل على خدمة المسلمين وبالأخصِّ المستضعفين منهم والسعي على
ذلك، من خير ما أوصت به شريعة الإسلام، وقامت بالحثِّ عليه خير قيام،
ولعلنا نتذكر أحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلَّم في ذلك حيث قال:
«الساعي على الأرملة والمسكين
كالمجاهد في سبيل الله» قال الراوي للحديث: "وأحسبه قال:
وكالقائم الذي لا يفتر، وكالصائم الذي لا يفطر، أو القائم الليل
الصائم النهار" (أخرجه البخاري (5353)، ومسلم (2982)) وحسبك بذلك أيها
الأخ الموفَّق أجراً!
ومن ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: «خير الناس أنفعهم للناس» (رواه
الطبراني في الكبير والبيهقي في الشعب بسند حسن)، وكذا قوله صلَّى
الله عليه وسلم: «أنا وكافل
اليتيم في الجنة كهاتين»، وأشار بإصبعه السبَّابة والوسطى.
(أخرجه البخاري).
وفي حديث أبي ذر رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله: أيُّ الأعمال
أفضل؟ قال:«الإيمان بالله
والجهاد في سبيله» قال: قلت: أيُّ الرقاب أفضل؟ قال: «أنفسها عند أهلها وأكثرها
ثمناً» قال: قلت: فإن لم أفعل؟ قال:«تعين صانعاً أو تصنع لأخرق»
قال: قلت: يا رسول الله، أرأيت إن ضعفت عن بعض العمل؟ قال: «تكفُّ شرَّك عن الناس فإنها صدقة منك
على نفسك». (أخرجه مسلم في صحيحه(1/62)) ومعنى الأخرق: هو الذي
ليس بصانع، يقال: رجل أخرق وامرأة خرقاء لمن لا صنعة له، (مختصر صحيح
مسلم للمنذري (صـ13)).
وهذه كلُّها شواهد تبيِّن دلالة واضحة على أهمية خدمة المسلم لإخوانه
المسلمين وحمل همومهم، والسعي في العمل لخدمتهم وقضاء حوائجهم، فالله
تعالى جعل المؤمنين إخوة، فقال: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ
إِخْوَةٌ} [الأحزاب:10] ومن الإخاء الإيماني؛ العمل والسعي على
قضاء حوائج المضطهدين والمستضعفين من المسلمين، وذاك هو التكافل
الاجتماعي المتين والصف الإيماني المرصوص، الذي لا يمكِّن العدو من
استغلال فوَّهات الفراغ والدخول من خلالها.
ومن هذا المنطلق فليتنا جميعاً حين نطالع خبراً، أو نسمع نبأً،
نوظِّفه في مصالح أمَّتنا، ونجريه في قنطرة العمل والبناء والحركة
المتجددة، لأنَّ طلاَّب العمل الإسلامي، لا يهنأ لهم بال حين يستمعون
لأخبار المسلمين، ويكتفون بالحوقلة والاسترجاع البارد، وهكذا أصحاب
المعالي، وتوَّاقو الهمم، يصنعون المجد والبناء بأيديهم، ويعلمون أنَّ
كفكفة الدموع، وحوقلة الألسن، لن تنصر مظلوماً، ولن تعين
ملهوفاً.
وقد تجد أنَّ أولئك القوم لا يحسنون الكلام، ولا التحليلات والتكهنات
السياسيَّة، ولكنَّهم يعرفون كيف يكون للعمل دور أصيل في نصرة قضاياهم
وأمَّتهم... إنَّه العمل الهادئ ولكنَّه المتواصل، والمضي البطيء
إلاَّ أنَّه الدائم، يشعرك بأنَّ هناك من يستفرغ جهده ووقته للعمل
لهذا الدين، دون كلل أو ملل... وهكذا أصحاب القضيَّة والهمِّ
والهمم... يعملون ولا يملون، ويجاهدون ولا يقعدون، فلله درُّهم!
إنَّهم -باختصار- قوم فاعلون لأمَّتهم، متفاعلون مع قضيَّتهم،
منهمكون في أعمالهم، فلم تجذبهم الأرض فتثاقلوا لها، ولم تلههم زخارف
الحياة الدنيا، إنَّهم أبعد ما يكون حالهم عن الركون إليها، والانغماس
في أتونها، وصدق من قال:
إذا الفتى لم يركب الأهوالا
فأعطـه المـِرآة والمِكْحالا!
واسْـعَ له! وعُـدَّه عِيالا!!
وفي ظنِّي أننا لو اكتفينا بكثير من العواطف الجيَّاشة، والنزعات
العشوائيَّة الكامنة في أنفسنا، وصيَّرنا ذلك لواقع عملي مدروس، يفيد
الأمَّة، ويثريها عبر أعمال نهضوية، وخدمات إصلاحية، وحركات جهاديَّة،
فإنَّ تلك البرامج والأجندة هي التي تغيظ أعداء الله وتراغمهم.
عبر الواقع... نرسِّخ العمل... في فلسطين الأمل:
سئل الفيلسوف اليوناني "ديوجين" حين كان يحمل مصباحه ويدور به في
ضياء النهار، ماذا تصنع بمصباحك؟! فأجاب: أفتِّش عن إنسان!!
إنَّها كلمة أروع من رائعة، تعطيك معنى ينساب لسويداء القلب، نستنبط
منه أنَّنا نحتاج إلى (إنسان الهم)(ورجل الأمَّة)... الذي يعي خطر
الأعداء، ويبرز الدواء وقت انتشار الداء، في عالم الضوضاء!
وفي فوضى الأنباء المتتالية، نسمع أنَّ في فلسطين اليوم حصاراً
اقتصادياً رهيباً، عقب انتصار الحركة الإسلاميَّة في الانتخابات
التشريعيَّة، حيث أدرك الكفرة وأعداء المسلمين، أنَّ انتصار حركة
إسلاميَّة وتولِّيها لمناصب العمل الحكومي، يمثِّل خطراً شديداً على
ربيبتهم (إسرائيل) ولهذا فقد قاموا بمحاولة لخنق الفلسطينيين عبر
الحصار الاقتصادي الظالم، الذي لم يبدأ من الآن وإنَّما ازدادت وطأته
حين تولَّى الإسلاميُّون منصب القيادة والحكومة.
فواجب الآن... وعلى وجه السرعة أن يكون للمسلمين دور عظيم، في
التفاني لنصرة إخوانهم المسلمين في فلسطين، والذين يعاني أكثرهم من
ألم البلاء والضرَّاء ما لا يعلمه إلاَّ الله.
فهم بأشدِّ الحاجة إلى الدعم والنصرة والتأييد، بتقديم التبرعات لهم،
ونصر قضيَّتهم، وجمع الأموال للأُسر المكلومة أو الفقيرة، وكفالة
الأيتام، ورعاية الأرامل، وإنجاد الفقراء بالمساعدات الماليَّة،
والتبرع لكلِّ مسلم منهم ثبت أنَّه محتاج لمساعدة، وقد قال الله:
{وَلَا يَأْتَلِ أُولُو
الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَىٰ
وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ}
[النور:22] والوقوف إلى جانبهم بكلِّ ما يحتاجونه!
وإنَّ أعظم خيانة لقضيَّة فلسطين في رأيي أن نسلمها للفلسطينيين
فحسب، ولا يكون للمسلمين جميعهم دور في نصرة هذه القضيَّة
ودعمها!
وإنَّ من العجب والعار أن نطلب من الفلسطينيين ألاّ يتنازلوا عن
الثوابت والمبادئ التي لا نرضى أن يتنازلوا عنها، بل لو تنازلوا عنها
لنفضنا أيدينا منهم، وفي الوقت نفسه لم نقدِّم لهم شيئاً من وسائل
الثبات المادية والمعنوية إلاَّ الكلام فحسب، أو الوعود
العرقوبيَّة!
وإنَّ من صدق الله في البحث عن وسائل دعمهم صدقه الله في تيسير ذلك
له، ومن سعى بكشف كربهم، فرَّج الله عنه شيئاً من كروب الدنيا
والآخرة، ولنحذر من الوعيد النبوي القائل: «ما من امرئ يخذل امرأً مسلماً في موطن
ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلا خذله الله في موطن يحب فيه
نصرته» (أخرجه أبو داود من حديث جابر، وانظر: صحيح الجامع
برقم:(5690)). وأمَّا من رتع في دنياه، وآثرها على أُخراه، فحسبه الله
الذي سيلقاه، ويسأله عن ماله ماذا صنع به، وعن وقته أين أضاعه.
{هَا أَنتُمْ هَـٰؤُلَاءِ
تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ
ۖ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ ۚ وَاللَّـهُ
الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاءُ ۚ وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ
قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم}
[محمد:38]. قال الإمام ابن تيمية في الاختيارات: "ومن عجز عن الجهاد
ببدنه وجب عليه الجهاد بماله وهو نصُّ أحمد في رواية أبي الحكم، وهو
الذي قطع به القاضي في أحكام القرآن بسورة براءة عند قوله: {انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا}
[التوبة:41] فيجب على الموسرين النفقة في سبيل الله، وعلى هذا فيجب
على النساء الجهاد في أموالهن إن كان فيها فضل وكذلك في أموال الصغار
إذا احتيج إليها كما تجب النفقات والزكاة، وينبغي أن يكون محلُّ
الروايتين في واجب الكفاية".
وأخيراً:أين هم رجال الأمَّة الذين يقدِّمون مصالح أمَّتهم على
مصالحهم الشخصيَّة، فقد ملَّت الأمَّة المسلمة من رجال الزوجات، وهي
تطلب وترقب رجال الأمَّة والأزمات الذين يعيدون مجد أمَّة سحقت، يريد
أعداء الله ذبحها بلا حراك!!
- التصنيف: