مؤتمرا جروزني والكويت ومخططات التقسيم
مؤتمر الكويت كسابقه في جروزني يكرس التفرقة بين مكونات السُنة في وقتٍ يباد فيه أهلها
جميلٌ جدًا أن يدافع المسلم عن المفهوم ويبذل جهده للحفاظ على مضمون هذا المفهوم، لكن ما يعيب ويشين هو أن يغفل الإنسان وهو يناقش هذه المفاهيم القضايا الكبرى التي تهدد المرجعية الحاضنة لهذا المفهوم، ويولي عنايةً كبرى لمناقشة مصطلحاتٍ وقضايا داخلية في وقت تتهدده جائحةٌ خارجية.
وفي هذا الإطار خص مؤخرًا (مفهوم أهل السنة والجماعة) بين شهري اوغست ونوفمبر مؤتمرين، واحدٌ بجروزني في الشيشان، والآخر بالكويت في الجزيرة العربية، والمثير في توصيات المؤتمرين أنهما لم يشيرا من قريبٍ أو بعيد إلى ما يقع في بلاد أهل السُنة والجماعة، انطلاقًا من اليمن ومرورًا بالعراق وانتهاءً بسوريا ومصر وغيرها من بلاد أهل السُنة والجماعة.
فمؤتمر جروزني نظم تحت رعاية حاكم الشيشان الموال لروسيا التي تدك السُنة وأهلها في سوريا وغيرها، وحضره أكثر من 200 عالم وشخصيات وازنة من حيث المناصب الرسمية في العالم الإسلامي كشيخ الأزهر أحمد الطيب، وأحمد العبادي رئيس الرابطة المحمدية للعلماء بالمغرب، وركز في توصياته على حصر أهل السُنة والجماعة في الأشاعرة والصوفية مقابل إقصاء أهل الحديث والسلفيين.
أما مؤتمر الكويت، والذي جاء تنظيمه كرد فعل على مؤتمر جروزني، فقد كان باهتًا من جهة الشخصيات المشاركة والمحاضرة، فرغم ترأس مفتي موريتانيا للمؤتمر إلا أنه غاب عنه ممثلون عن المؤسسات الرسمية أبرزها هيئة كبار العلماء بالسعودية المرجع الأشهر للسلفيين في العالم.
أما توصياته فقد ركزت هي الأخرى على إخراج الأشاعرة من أهل السُنة، إضافة إلى الأحزاب والتنظيمات الإسلامية التي اعتبرتها سببا للفرقة وشتات الصف.
ما جعل مؤتمر الكويت كسابقه في جروزني يكرس التفرقة بين مكونات السُنة في وقتٍ يباد فيه أهلها، ويتجاهل فيه بشكل سافرٍ وغير مقبول المجازر الوحشية التي يتعرض لها المنتسبون للسنة في العراق وسوريا واليمن،مؤكدًا في توصياته فقط على إدانة "الجريمة النكراء التي قام بها الحوثيون من استهداف بيت الله الحرام" دون أن ينسى مسودو التوصيات الثناء العطر على "الجهود التي يقوم بها التحالف الإسلامي في اليمن" وفق ما جاء في توصيات المؤتمر.
أكيد أن كل المسلمين يدينون استهداف بيت الله الحرام وهم مستعدون لفدائه بدمائهم وأموالهم، لكنهم في الوقت نفسه ينتظرون من السادة العلماء المنافحين عن السُنة أن يهتموا بقضايا أهل السنة كلها دون اعتبار لحدود الجغرافية، أو مصالح ضيقة، لأن المسلمين تتكافؤ دماؤهم وأعراضهم وأموالهم.
وهذا ما شَان مؤتمر الكويت وتوصياته التي لم تلتفت على الإطلاق لانتهاكات الحشد الشعبي النازية ضد أهل الموصل -فرج الله عنهم-، الذين تبقر بطونهم، ويداس أطفالهم أمام أعينهم بالدبابات، ولا أدان القصف الهمجي الذي يتعرض له السُنة في حلب، وغيرها.
المهم، فكلا المؤتمرين كان خاضعًا للسلطة السياسية للنظام الذي احتضنته، وكلاهما كان ضد حراك الشارع (الربيع العربي) ومجرما للاحتجاج والمطالبة بالحقوق على الطريقة التي تم بها، كما أنهما تجاهلا مآسي المسلمين السنة ومعانتهم الشديدة في دول كانت لا تفرقهم عنها سوى كيلومترات قليلة.
فنحن نعيش اليوم صراعا طائفيا مدعوما من الغرب والكيان الإرهابي، المستهدف فيه بالأساس هم أهل السنة والجماعة، والغرض من ورائه إعادة تقسيم المقسم من بلاد المسلمين، وتفتيتها إلى دويلات صغيرة لا تشكل خطرا على أمن "إسرائيل"، وإذا لم يكن النخبة وهم العلماء من الذين حضروا المؤتمرين على قدر المسؤولية، ولم يتحلوا بالدرجة الكافية من الوعي والحكمة، فإن الأمة تنتظرها أيامٌ سوداء تنذر بمزيد من الفرقة والاختلاف والقتل والدمار.
نبيل غزال
كاتب إسلامي
- التصنيف: