يا عائشة: أما الله عز وجل فقد برأك

منذ 2010-11-21

إنها الشريفة التي زوّجها الله عزّ وجلّ لنبيّه، واختارها له، واصطفاها رفيقةً لدربه: «رَأَيْتُكِ فِي الْمَنَامِ يَجِيءُ بِكِ الْمَلَكُ فِي سَرَقَةٍ مِنْ حَرِيرٍ، فَقَالَ لِي: هَذِهِ امْرَأَتُكَ، فَكَشَفْتُ عَنْ وَجْهِكِ الثَّوْبَ فَإِذَا أَنْتِ هِيَ،


د. محمد بسام يوسف

مَن ذا الذي يجرؤ على النيل منكِ يا أمّنا يا أمّ المؤمنين؟! أَوَبَعْدَ أن برَّأكِ إله السماوات والأرضين؟!: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْأِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْأِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النور:11] أيُكَذَّبُ اللهُ ورسولُهُ وقرآنُهُ، ويُزَوَّر التاريخ، ويُلبَسُ الحقُّ بالباطل وفينا قلب ينبض، ودم يَهدر، ولسان يلهج بلا إله إلا الله؟!



يا سيّدة الطُّهرِ يا سليلةَ البيتِ المسلم الطاهر الصابر الصادق يا قدوةَ نساء المسلمين يا بنتَ الفضيلة يا جليلة: ألستِ ربيبةَ بيت النبوّة والإيمان والعزّة والشموخ والطهارة والشرف الرفيع؟! بيت النبوّة الذي أفاض على البشرية أنوار الهداية، وأنجز لها تحريراً، من ظلام العبودية لغير الله سبحانه وتعالى، بمختلف أشكالها إلى نور الإسلام وعبادة الله العزيز الحكيم وحده لا شريك له؟!



أيتها الأصيلة القرشيّة التيميّة المكّية يا ابنةَ صاحب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يا حبيبةَ أشرف خَلْقِ الله: ألستِ أنتِ التي حيّاكِ مَلَكُ الوحي جبريلُ عليه السلام بتحيّة الإسلام؟!: «يَا عَائِشَ هَذَا جِبْرِيلُ يُقْرِئُكِ السَّلَام» [رواه البخاري ومسلم]، «إنَّهُ وَاللَّهِ مَا نَزَلَ عَلَيَّ الْوَحْيُ وَأَنَا فِي لِحَافِ امْرَأَةٍ مِنْكُنَّ غَيْرِهَا "عائشة"» [رواه البخاري] فأيّ مكرمةٍ تنالها امرأة من خَلْق الله، كهذه التي خصّ الله عزّ وجلّ بها عائشةَ بنت أبي بكرٍ الصدّيق، رضي الله عنهما وأرضاهما؟!



إنها أمّ المؤمنين عائشة أفقه نساء المسلمين، حتى قيل: إنّ رُبع الأحكام الشرعية نُقِلَت عنها رضوان الله عليها عائشة، أحبّ الناس إلى نفسه صلّى الله عليه وسلّم: «أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: عَائِشَة، قُلْتُ: مِنْ الرِّجَالِ؟ قَالَ: أَبُوهَا، قُلْتُ: ثمَّ مَنْ؟ قَالَ: عُمَر» [رواه البخاري ومسلم] «أَيْ بُنَيَّةُ "يقصد فاطمة رضي الله عنها": أَلَسْتِ تُحِبِّينَ مَا أُحِبُّ؟ فَقَالَتْ: بَلَى، قَالَ: فَأَحِبِّي هَذِهِ "أي عائشة"» [رواه مسلم].



إنها أمّ المؤمنين المؤمنة، الحصيفة، الحكيمة، الوفيّة، التي عندما خَيّرها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالفراق أو الاستمرار شريكةً له، قالت - متحمّلةً شظف العيش - قولتَها البليغة: "أَفِيكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَسْتَشِيرُ أَبَوَيَّ؟ بَلْ أَخْتَارُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ" [رواه مسلم].



إنها الشريفة التي زوّجها الله عزّ وجلّ لنبيّه، واختارها له، واصطفاها رفيقةً لدربه: «رَأَيْتُكِ فِي الْمَنَامِ يَجِيءُ بِكِ الْمَلَكُ فِي سَرَقَةٍ مِنْ حَرِيرٍ، فَقَالَ لِي: هَذِهِ امْرَأَتُكَ، فَكَشَفْتُ عَنْ وَجْهِكِ الثَّوْبَ فَإِذَا أَنْتِ هِيَ، فَقُلْتُ: إِنْ يَكُ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ يُمْضِهِ» [رواه البخاري] وها قد أمضاه الله عزّ وجلّ!



يا أمّنا، يا بركةَ المسلمين إلى يوم الدين، ها هوذا الصحابيّ الجليل (أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ) يقول فيكِ حين أنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ التَّيَمُّمِ، فتيمَّمَ المسلمون بعد فَقْدِ الماء، في موقعٍ نزلوا فيه لأجلكِ: "جَزَاكِ اللَّهُ خَيْراً، فَوَاللَّهِ مَا نَزَلَ بِكِ أَمْرٌ قَطُّ، إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ لَكِ مِنْهُ مَخْرَجاً، وَجَعَلَ لِلْمُسْلِمِينَ فِيهِ بَرَكَةً" [البخاري].



يا قوم: هي عائشة رضوان الله عليها، زوجة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وعِرضه، وشرفه في الدنيا والآخرة، وفي الجنّة بإذن الله سبحانه وتعالى: «أما ترضين أن تكوني زوجتي في الدنيا والآخرة؟ قلتُ: بلى والله، قال: فأنتِ زوجتي في الدنيا والآخرة» [رواه الحاكم] هي عائشة، أمّ كل مؤمنٍ مسلمٍ إلى يوم الدين، التي مات رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في بيتها، ورأسه الشريف على صدرها: «فَكَانَ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ حَتَّى مَاتَ عِنْدَهَا، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقَبَضَهُ اللَّهُ وَإِنَّ رَأْسَهُ لَبَيْنَ نَحْرِي وَسَحْرِي» [رواه البخاري] (سَحْرِي = رئتي).



طوبى لأبي أيوبٍ (خالد بن زيدٍ)، رضي الله عنه، وعن أمثاله من المؤمنين الطاهرين الصادقين، ذلك الصحابيّ الجليل الواثق المؤمن الحق، والثابت على الحق، الذي قالت له امرأته أمّ أيوب: "يا أبا أيوب، ألا تسمع ما يقول الناس عن عائشة؟ قال: بلى، وذلك الكذِب، أكنتِ يا أمّ أيوبٍ فاعلة؟ قالت: لا واللهِ ما كنت لِأفعَلَه، قال: فعائشة واللهِ خيرٌ منكِ"! [السيرة النبوية لابن هشام / ج3 ص236].



والويل لأهل الإفكِ والشِّركِ والضلال والتضليل والفجور - على مّرّ السنين والعصور - الذين توعّدهم الله عزّ وجلّ ووبّخهم وقرّعهم في مُحكَم تنزيله، وأعدّ لهم شديدَ عذابه وعقابه:

{إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ . وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيم ٌ. يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [النور:15-17]، {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النور:19] {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النور:24،23].



فَوَيْلٌ للأفّاكين مما يأفِكون ووَيْلٌ لهم مما يَصنعون ويَفترون ويُدَبِّرون وويلٌ لكل أبي لهبٍ وابنِ سَلولٍ في القرن الحادي والعشرين وما سيليه من قرونٍ وعصور وَيْلٌ لهم، من عذاب جبّارٍ عظيم، وانتقام عزيزٍ عليمٍ قديرٍ حكيم!