والدتى تسأل عن قناة الناس
لست ممن يحرصون على مشاهدة قناة الناس أو القنوات الإسلامية المشابهة ؛ لضيق الوقت ؛ولتحفظي على الأساليب الوعظية النمطية والمباشرة على نحو ما يحدث في كثير من القنوات الإسلامية ومنها قناة الناس ..
لست ممن يحرصون على مشاهدة قناة الناس أو القنوات الإسلامية المشابهة
؛ لضيق الوقت ؛ولتحفظي على الأساليب الوعظية النمطية والمباشرة على
نحو ما يحدث في كثير من القنوات الإسلامية ومنها قناة الناس ،إلا أن
حجب قنوات تعريف الناس بالإسلام وتجديد إيمانهم خاصة قناة الناس كان
له وقع مؤسف ؛ لأني أولا : أعرف أن هذه القنوات كانت ملاذا آمنا
لأهالينا المعذبين في الوطن ، يلتقون فيه بمن يطمئنون إليه ؛فتتسع
معارفهم الإسلامية ؛ وترتقي أحوالهم الإيمانية وتتجدد ؛ فيحسُن ظنّهم
بربهم ويتوفر لهم الدعم الروحي والمعنوي والإيماني في مواجهة ظروف
أحالت أحوالهم الاقتصادية والسياسية والاجتماعية إلى مثل حال : «عاصر
الحجر» !ـ بتعبير الرافعي ـ يريد أن يشرب منه!! ...
مصاعب ومصائب وابتلاءات وأمراض كلوية وكبدية وسرطانية وقهرية صباحية
مسائية!! لا يكاد يخل منها بيت من بيوت مصر «المسخوطة» والتي يتصدى
فيها «المساخيط» ـ أدعياء على الناس ـ لتغريب الناس وقطع حبل الوصال
بينهم وبين إسلامهم بل والتحريض على اعتقال وسجن وإسكات أصوات من
يعلــّمون الناس إسلامهم ويجدّدون لهم إيمانهم : إكسير حياتهم في
الدنيا والآخرة ... عرفت تلك القنوات الطيبة الطريق إلى قلوب الجماهير
والبسطاء دون تكلّف أو عناء؛ فألقت فيها الموعظة الحسنة والبذرة
الطيبة والتي عاين الراصدون المنصفون آثارها الطيبة في من يحرص على
مشاهدتـها بصفة مستمرة ـ وهم بالملايين ـ وهو بلا شك نجاح وتوفيق من
الله أحرق قلوب المنافقين والمحرضين الحجرية، ساكني ثياب العلمانية
والليبرالية والحرية ....
وإن كان الأمر لم يخل من بعض السلبيات ـ الشكلية والموضوعية ـ هنا
أوهناك مما يسهل تفاديه ومعالجته ، والتي ماكانت لتقلّل من قدر وقيمة
تلك القنوات التي نحسب أن القائمين عليها يتحرّون الصواب والإخلاص
فيما يقدمونه للناس ...وأما ما أزعجني ثانيا ـ وقد يكون الأهم ـ هو أن
قناة الناس كانت واحة والدتي الكريمة... واستراحتها ،وموضوع حديثها لي
مع كل زيارة لها ، فأهيئ لها مسامع قلبي لأتلقى عنها ما شرح صدرها
وأضاء قلبها مما وعته أو حفظته عن الشيخ الجليل ، ذي اللحيّة الكثيفة
والجبهة العريضة البراقة ، والذي يشع من وجهه النور وهو يتكلم عن معني
الصبر ونعيم الآخرة وعن الرضي بقضاء الله وقدره ،أوعن حكمة الابتلاء
والضرّالذي يصيب المؤمنين والمؤمنات..إلي آخر ماتنقله إلي جليسها مما
شرح صدرها ورطّب نفسها وأفرغ عليها صبرا مع صبرها ، الأمر الذي كان
يزيد احترامي للقناة والقائمين عليها مما أعاينه من أثرهم الطيب علي
الصحة النفسية بل والجسدية لوالدتي التي تتمتع بذكاء فطري وفطنة لا
تكلف فيها تجعلني أطمئن إلي ما تطمئن هي إليه وأثق فيمن تثق هي فيه
....
كما أنهم كفوني مؤنة دعمها ومواساتها وشد أزرها في مواجهة الجيوش
العاتية من «فيروس سي » التي أوهنت كبدها ، وأحالت حياتها إلي مسلسل
مؤلم لها ولأحبابها من المناظير والأدوية وحقن الدوالي أو ربطها ،
بالإضافة إلى أرطال الأدوية التي ما إن تصلح عضوا ـ بإذن الله ـ إلا
وأصابت معه آخر ـ والحمد لله ـ ، تلك الجيوش التي خلـّفت ورائها
الضحايا بالملايين من أمهاتنا وآبائنا وأخوالنا وأعمامنا والتي لم
تصادف يوما مسئولا كفوا لها يتعاطي مع ما تسببه من هلاك وإهلاك بما
تستحق من الأسباب .... فكانت والدتي ـ شفاها الله وعفاها ـ والتي
أحسبها صابرة ومحتسبة ، إذا انتابتها حالة من الضيق أوالعنت مما
أصابها تلتمس السلوى في قراءة القرآن والصلاة ثم في قناة الناس ؛ لذلك
كان الانزعاج الشديد لغلق تلك القناة الطيبة ؛ فبغلقها حرمت الوالدة ـ
والملايين معها ـ سببا من أسباب الراحة والتصبر مما قد يعرّض من حرمها
ـ أو حرمهم ـ منه لقذائف دعائها ـ أو دعائهم ـ عليه ؛ وكأنّ من أغلقها
ـ عامله الله بما يستحق ـ أراد بغلقها أن يحجب بالإضافة إلى ماهو
محجوب شعاعا من ضوء الحياة عمن هم أو «هنّ» في أمسّ الحاجة إليه ،
لماذا تغلق قناة الناس ؟ هل تحسين صلة الأهل والأحبة بالله جريمة ؟ هل
وصل ماانقطع بين الناس ودينهم جناية ؟وهل تذكير الناس بآخرتهم خرافة ؟
وهل تجديد إيمان الناس مظلمة ؟ أوليس من بين الحاجبين رشيد يجيب
....فما لهؤلاء الجلاميد من الصخر لا يكادون يحسنون صنعا بقدر ما
يحجبون عن الناس الخير وأسبابه ! ...
إن قصة والدتي مع من حجبوا عنها قناتها المفضلة ، تكاد تكون مختصر
مفيد لمحنة المصريين في بلادهم ...محنة الاستبداد الذي يحول بين من لا
حيلة لهم أولهن وبين أبسط حقوقهم أو حقوقهن : أن يركنوا إلي من يأنسون
له أوأن يستمعوا إلى من يحبون ، أوأن يكون لهم الحق في اختيار من يضيء
لهم حياتهم ، هذا الحق الذي انتزعه ذوو الوجدان الحجري المصقول ؛الذين
لا يفقهون من أمر دينهم ودنياهم إلا ماجلب لهم نفع الغرور من عرض زائل
ووعد كاذب ألقاه إليهم صاحب جاه أوسلطان جائر ضل سعيه وهو يحسب أنه
يحسن صنعا أو انه لن يسأل عما يفعل أبدا !!.... إن المسافة بين
المصريين من ناحية ونظام مصر« المسخوطة » من ناحية أخري ، هي ذات
المسافة بين طالبة الأزهر ومن رفسها بإحدي حافريه !، وهي ذات المسافة
بين خالد سعيد ومن ذبحه !، وبين القنوات الطيبة ومن حجبها!، وبين
المواطنين المقهورين المغلوبين على أمرهم وبين النادي الحاكم ، وبين
من انتهك النظام حرماتهم في منازلهم ومحالهم ومزارعهم ومصانعهم
وعياداتهم ومعاملهم وأمعن فيهم حبسا واعتقالا وهم المصلحون!! من ناحية
ومن أطلق لهم العنان ومنح لهم المناصب والأموال يخربون وعي الناس
يريدون هدم هويتهم وتدمير سجيّتهم وهم المفسدون!! ..وأخيرا وليس آخرا
هي ذات المسافة بين والدتي وبين من انشغل عن مكافحة الفيروس الذي يأكل
كبدها والملايين معها بحجب سبب من أسباب راحتها واستراحتها..وجعلها
تبحث - محتسبة - دون جدوى بين القنوات عن قناة كانت تسهم - مع آخرين -
في تدفق الحياة في روحها وجسدها وغرفتها !.
29-10-2010 م
- التصنيف: