مع القرآن - الكل يعترف حتى الكفار
"فَذَٰلِكُمُ اللَّـهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ ۖ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ"
في لحظات الصدق مع النفس الكل يعترف بالحق البديهي بل قد يَدعي أنه يناصر الحق ولكن على طريقته الخاصة، وفي واقع الأمر هو يعادي الحق ويرتمي في أحضان الضلال سواء درى أم لم يدرِ.
الكثير من الخلق يعترفون بالله وبشريعته ومع معرفتهم يقعون في معاداة الله وشريعته في لحظات الحسم والاختبار سواء بالإهمال والترك أو شراء الدنيا وبيع الله وشريعته بثمنٍ بخس أو بالعداء الصريح للحق وأهله الحاملين لواءه بسبب مرض قلبٍ أو غَلَبة هوى أو طبع على الفؤاد .
ولهؤلاء: نفس اعترافاتكم بالله وشريعته كان يعترف بها مشركوا الأمس وبالرغم من ذلك وصفهم الله بالضلال لمعاداتهم وبعدهم عنه وعن شرع .
فهلا تفكرتم ؟؟!!!
{قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ۚ فَسَيَقُولُونَ اللَّـهُ ۚ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ * فَذَٰلِكُمُ اللَّـهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ ۖ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ ۖ فَأَنَّىٰ تُصْرَفُونَ * كَذَٰلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} [يونس: 31 - 33] .
قال السعدي في تفسيره :أي: {قُلْ} لهؤلاء الذين أشركوا بالله، ما لم ينزل به سلطانًا - محتجًا عليهم بما أقروا به من توحيد الربوبية، على ما أنكروه من توحيد الألوهية- {مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} بإنزال الأرزاق من السماء، وإخراج أنواعها من الأرض، وتيسير أسبابها فيها؟
{أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ} أي: من هو الذي خلقهما وهو مالكهما؟، وخصهما بالذكر من باب التنبيه على المفضول بالفاضل، ولكمال شرفهما ونفعهما.
{وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ} كإخراج أنواع الأشجار والنبات من الحبوب والنوى، وإخراج المؤمن من الكافر، والطائر من البيضة، ونحو ذلك، {وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ} عكس هذه المذكورات، {وَمَن يُدَبِّرُ الْأَمْرَ} في العالم العلوي والسفلي، وهذا شامل لجميع أنواع التدابير الإلهية، فإنك إذا سألتهم عن ذلك {فَسَيَقُولُونَ اللَّـهُ} لأنهم يعترفون بجميع ذلك، وأن الله لا شريك له في شيء من المذكورات.
{فَقُلْ} لهم إلزامًا بالحجة {أَفَلَا تَتَّقُونَ} الله فتخلصون له العبادة وحده لا شريك له، وتخلعون ما تعبدون من دونه من الأنداد والأوثان.
{فَذَٰلِكُمُ} الذي وصف نفسه بما وصفها به {اللَّـهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ} أي: المألوه المعبود المحمود، المربي جميع الخلق بالنعم وهو: {الْحَقُّ ۖ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ}.
فإنه تعالى المنفرد بالخلق والتدبير لجميع الأشياء، الذي ما بالعباد من نعمة إلا منه، ولا يأتي بالحسنات إلا هو، ولا يدفع السيئات إلا هو، ذو الأسماء الحسنى والصفات الكاملة العظيمة والجلال والإكرام.
{فَأَنَّىٰ تُصْرَفُونَ} عن عبادة من هذا وصفه، إلى عبادة الذي ليس له من وجوده إلا العدم، ولا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًا، ولا موتًا ولا حياة ولا نشورًا.
فليس له من الملك مثقال ذرة، ولا شركة له بوجه من الوجوه، ولا يشفع عند الله إلا بإذنه، فتبا لمن أشرك به، وويحًا لمن كفر به، لقد عدموا عقولهم، بعد أن عدموا أديانهم، بل فقدوا دنياهم وأخراهم.
ولهذا قال تعالى عنهم: {كَذَٰلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} بعد ما أراهم الله من الآيات البينات والبراهين النيرات، ما فيه عبرة لأولي الألباب، وموعظة للمتقين وهدى للعالمين.
#مع_القرآن
أبو الهيثم محمد درويش
دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.
- التصنيف:
- المصدر: