سليمان الحلبي يفدي مصر بروحه: قصة من التاريخ

منذ 2016-12-22

مجاهدٌ إسلامي، وهب حياته لحرية مصر وكبريائها المثلوم.

تعجبت من موقف الكثير من أبناء مصر من تلك المشاهد المفزعة والأحداث المروعة التي مر بها إخوتنا في حلب.
ودون كثير كلام أُهدى لهم هذا الموقف من التاريخ:
تمكنت الحملة الفرنسية بقيادة نابليون بونابرت من احتلال مصر عام 1798م، وذلك بعد قيام الثورة الفرنسية بعشر سنوات، وعملت الحملة الفرنسية على إهانة الشعب المصري وإذلاله، بعد أن رأوا منه المقاومة التي كان يحركها علماء الأزهر، فعمِلت الحملة الفرنسية على وأد هذه الثورات، وكان نابليون قد عهد إلى كليبر بقيادة الحملة بعد أن غادرها إلى فرنسا، فقَتَل من علماء الأزهر الكثير، ودَخل الأزهر بخيله وضربه بالمدافع؛ مما كان له الأثر الكبير في إنشاء خلايا سريةٍ تقاوم المحتل الفرنسي، وكانت هذه الخلايا بداية النهاية، حيث استطاع أحد أفراد هذه الخلايا قتل كليبر قائد الحملة؛ مما ألقى الرعب في قلوبهم، وكان لذلك أثرٌ في خروجهم من مصر.

عاش سليمان الحلبي في بلده (حلب) بأرض الشام إلى أن تم العشرين من عمره، حيث أرسله والده بعد ذلك إلى الأزهر لينهل من علومه، فرحل إلى القاهرة لينخرط في رواق الشوم المكان الذي خُصَِص لطلبة الأزهر من أبناء الشام، وانتظم في سلك الدراسة وتتلمذ على يد الشيخ أحمد الشرقاوي الذي عَلّمه وغرس فيه معنى العزة والكرامة بأفعاله، والتي تتمثل في إشعال الثورات ضد الحملة الفرنسية حتى قتله كليبر فيما بعد، وزادت صلته بهذا الشيخ حتى إنه كان يبيت في بيته، وكان سليمان الحلبي بجانب شيخه حين اقتحم جيش نابليون أرض الجيزة، ثم أرض المحروسة القاهرة حيث راح الغزاة يُنَكلون بالشعب المصري أشد تنكيل كما يذكر الجبرتي.

في الوقت الذي كان فيه إبراهيم بك يحرض المصريين على الثورة ضد الغزاة الكفرة مِن مكانه في غزة، ومراد بك يحض الشعب المصري على المقاومة مِن مكانه في صعيد مصر، وهو التحريض الذي جعل بونابرت يَزعم في رسالة بعث بها إلى شريف مكة في الحجاز غالب بن مسعود وإلى بيانٍ وجهه على مشايخ وأعيان المحروسة القاهرة: (بأنه قد هدم الكنائس في أوروبا وخلع بابا روما قبل قدومه على مصر، وأنه عاشق للنبي محمد، نصير الدين الإسلامي)!! إلا أن حصافة الشعب المصري لم تكن عاجزةً عن إدراك هذا الزعم الكاذب الذي رافقه التنكيل بالمصريين الذين أججوا ثورة القاهرة الأولى ضد الغزاة الكفرة انطلاقًا من الجامع الأزهر.

وقد رد عليها الغزاة بقذائف مدافعهم غير الرحيمة التي نالت من مبنى المسجد الكبير الذي لم تشفع له قدسيته كمسجد للعبادة الإسلامية فقامت خيول الغزاة المسلحين بالبنادق والسيوف باحتلاله... وحكمت على ستة من شيوخ الأزهر بالإعدام كان من بينهم أستاذ سليمان الحلبي الشيخ أحمد الشرقاوي، الذي اقتيد إلى القلعة حيث ضربت عنقه مع أعناق الشيوخ المجاهدين الخمسة الآخرين.

واستطاع الفرنسيون إجهاض الثورة المصرية الأولى بعد القبض على شيوخ الأزهر وإعدامهم، فاختفى البعض عن أعين الفرنسيين وهرب البعض وكان فيمن هرب سليمان الحلبي الذي خرج متوجهًا إلى الشام بعد أن أقام في القاهرة ثلاثة سنوات، حيث وجد الوالي أحمد آغا قد ضاعف على والده تاجر الزيت والسمن الضرائب، فكلمه سليمان في ذلك ووعده أحمد آغا بتخفيف الغرامة عن والده بعد أن كلفه بالتوجه إلى مصر لقتل كليبر، وكان سليمان الحلبي وقتئذ قد انضم إلى خلايا سريةٍ تعمل على جهاد الفرنسيين. وبعد أن تمكن بونابرت من اجتياح خان يونس والعريش وغزة ويافا، وفشل في اجتياح عكا لمناعة أسوارها، سافر إلى فرنسا سِرًّا، تاركًا على الحملة الفرنسية كليبر الذي لقي حتفه على يد سليمان الحلبي.

وبعد أن وافق على إتمام المهمة، أرسله أحمد آغا إلى (ياسين آغا) في غزة؛ ليعطي له مصروفه، وفي غزة قابل ياسين آغا، ووعده بأن يرفع الغرامات عن أبيه، وأن يجعل نظره عليه في كل ما يلزمه إن استطاع ذلك، وأعطاه 40 قرشًا لمصروف السفر، وأوصوه أن يسكن جامع الأزهر، وألاّ يُخبر أحدًا عن مهمته.

وقد استغرقت رحلة القافلة من غزة إلى القاهرة ستة أيام، انضم بعدها سليمان إلى مجموعة من الشوام المقيمين في (رواق الشوام) كطلبة في الأزهر، وقد كانوا أربعة فتيان من مقرئي القرآن من الفلسطينيين أبناء غزة، هم: محمد وعبد الله وسعيد عبد القادر الغزي، وأحمد الوالي. وقد ابلغهم سليمان بعزمه على قتل الجنرال كليبر، وبأنه نذر حياته للجهاد الإسلامي في سبيل تحرير مصر من الغزاة.. وربما لم يأخذوا كلامه على محمل الجد باعتباره كان يمارس مهنة كاتب عربي (عرضحالجي).

وفي صباح يوم 15 يونيو 1800م كتب الفتى سليمان الحلبي عددًا من الابتهالات والدعوات إلى ربه على عدد من الأوراق، ثم ثبتها في المكان المخصص لمثلها في الجامع الأزهر، ثم توجه إلى (بركة الأزبكية) حيث كان الجنرال كليبر يقيم في قصر (محمد بك الألفي) الذي اغتصبه بونابرت وأقام فيه، ثم سكنه بعد رحيل بونابرت إلى فرنسا خليفته الجنرال كليبر، الذي ما إن فرغ من تناول الغداء في قصر مجاور لسكنه (ساري عسكر داماس)، حتى دخل سليمان حديقة قصر محمد الألفي بك الذي يقيم فيه كليبر، ومعه كبير المهندسين الفرنسيين (قسطنطين بروتاين)، وقد تمكن سليمان من أن يطعن كليبر بنصلة السكين التي اشتراها من غزة أربع طعناتٍ قاتلةٍ في كبده، وفي سُرته وفي ذراعه الأيمن وفي خده الأيمن. كذلك تمكن من طعن كبير المهندسين قسطنطين بروتاين ست طعناتٍ غير قاتلة.

وقد تمكن اثنان من العساكر الفرنسيين هما العسكري الخيال الطبجي جوزيف برين، والعسكري الخيال الطبجي روبيرت، من إلقاء القبض عليه في الحديقة، ومن العثور على السكين التي نفذ بها (مهمة القتل) التي كُلِف بها كمجاهدٍ إسلامي، وهب حياته لحرية مصر وكبريائها المثلوم.

 

Editorial notes: *السياق التاريخي للقصة منقول من بحث : سليمان الحلبي :موقع قصة الإسلام

أبو الهيثم محمد درويش

دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.