قراءة في فكرة التقريب بين السنة والرافضة

منذ 2010-12-08

في مرأى ومسمع من العالم يصمت دعاة التقارب حيث تسب أم المؤمنين وزوج خير المرسلين عائشة رضي الله عنها وعن أبيها، وعلى استحياء نجد بعضهم يتظاهرون بالإنكار.. وهيهات أن نقبل منهم هذا الموقف الضعيف....

قراءة في فكرة التقريب بين السنة والرافضة [1] :


في مرأى ومسمع من العالم يصمت دعاة التقارب حيث تسب أم المؤمنين وزوج خير المرسلين عائشة رضي الله عنها وعن أبيها، وعلى استحياء نجد بعضهم يتظاهرون بالإنكار.. وهيهات أن نقبل منهم هذا الموقف الضعيف.

أخي القارئ الكريم:

أضع بين يديك قراءة لفكرة التقارب والتي طالما تعلق بها النقارون، وصفق لها المخدوعون، وهي أشبه بسراب يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا. وهذا البحث أريد أن أخلص فيه إلى أن التقارب مع هؤلاء مصلحة متوهمة وملغاة؛ إذ تتعارض مع نصوص الوحي والمصالح الضرورية التي جاء بها.

تمهيد:

تبرز أهمية الموضوع في نظري من جانبين:

1- الشيعة الإمامية يعشيون عصر تمكين [2]، سواء على الصعيد السياسي أو الإعلامي أو الاقتصادي.. هو يشكل تحدي للعلماء وللدعاة وطلاب العلم وأرباب الفكر والقلم كي يستوعبوا حقيقة العقيدة الرافضية الإمامية بأبعادها المختلفة؛ لأن العرض الانتقائي هو سبب التضارب في مواقف أهل السنة منها اليوم.

2- ارتباط التشيع بآفة النفاق:

وهنا ثلاث مسائل:

المسألة الأولى: النفاق أخطر الأدواء في جسد الأمة وأعظمها أثرا، والتشيع يقوم على قاعدة كبيرة وهي التقية.

ولذلك ذكر أهل العلم والفقه بمناهج الفرق من المتقدمين والمعاصرين أن أكثر الناس نفاقاً في هذه الأمة وردة هم الرافضة [3] .

ولهذا ندرك أنه بقدر معرفتنا بالنفاق والتعامل مع المنافقين نحسن فقه التعامل مع هؤلاء؛ إذ فيهم الجاهل الضال، والمنافق الذي يظهر ما لا يبطن كما قرر ابن تيمية رحمه الله.

ومن دقيق استدلالات ابن تيمية وإلزاماته المحرجة للرافضة: أن الرافضة يبغضون علياً؟؛ لأنهم في الحقيقة قد أحبوا شخصاً لا وجود له إلا في أذهانهم، ولا يحبوا علياً رضي الله عنه على حقيقته الثابتة عند المؤمنين، فهم كاليهود مع موسى، والنصارى مع عيسى عليهما السلام.

ثم بين الشيخ أن حديث علي -رضي الله عنه- والذي في صحيح مسلم حيث يقول رضي الله عنه: «وَالَّذِى فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ إِنَّهُ لَعَهْدُ النَّبِىِّ الأُمِّىِّ -صلى الله عليه وسلم- إِلَىَّ أَنْ لاَ يُحِبَّنِى إِلاَّ مُؤْمِنٌ وَلاَ يُبْغِضَنِى إِلاَّ مُنَافِقٌ»، ينطبق على الرافضة، فهم منافقون لأنهم يبغضون علياً (الحقيقي)، ويحبون علياً ( الوهمي).

وهذا الحديث ليس من خصائص علي أيضاً، فقد شاركه غيره فيه كالأنصار . ففي صحيح مسلم أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِى الأَنْصَارِ «لاَ يُحِبُّهُمْ إِلاَّ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يُبْغِضُهُمْ إِلاَّ مُنَافِقٌ، مَنْ أَحَبَّهُمْ أَحَبَّهُ اللَّهُ، وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ أَبْغَضَهُ اللَّهُ».

المسألة الثانية: هناك طرح فكري ليبرالي يعتمد على النصوص الشرعية في تطبيع ظاهرة النفاق في الأمة، فإذا وقع هذا اليوم، فمن باب أولى أن يقع القول بتطبيع الرفض والتشيع كتنوع منهجي وفكري تستوعبه الشريعة الإسلامية.

المسألة الثالثة: تحرير مصطلح التقارب ومصطلح التعايش قضية جوهرية؛ إذ تجد من يخلط بينهما أو يلبس على الناس في دلالة هذين المصطلحين.

فالتقارب مرفوض، والتعايش مقبول بضوابط منها:

ألا يقرون على إظهار معتقداتهم؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم هدم مسجد الضرار في آخر حياته، وامتنع عن قتل رأس المنافقين في أول سني الهجرة، وهذا وفق المصلحة الشرعية، ومآلات الأفعال. أما من أسر بعقيدته فأمره إلى الله تعالى ويقبل منه ظاهره ما لم يأتِ بناقض، ومن جاء بناقض فيعامل معاملة المرتدين.

وبقاء الخطاب الدعوي فاعلا في عرض المنهج الحق مع هؤلاء ونشر الوعي بينهم، وتفكيك اللحمة العقدية بينهم على مستوى الأسرة والمدينة بحيث يتسنى للشباب والنساء بخاصة الحرية في السماع والحوار. ثم النقد القائم على الدليل والإقناع في فساد موروثاتهم وكساد تصوراتهم أمر لا مفر منه؛ حتى لا تكرر مآسي العراق في بلاد أخرى. فالقرآن كان يتنزل في المدينة على النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكف عن دعوة اليهود والمنافقين، ولم يسكت عن التنديد بعقائدهم وفضح طرائقهم، ولم يكن ذلك تناقض مع نصوص الوثيقة التي كتبها النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين يهود. فالقول بأن الدعوة بالحكمة تتنافى مع مبدأ التعايش أمر حادث في الشرع، ويكذبه التاريخ الإسلامي، فكل منصف يطالع تواريخ الدول الإسلامية السنية، ويقف على سير خلفائها وسلاطينها، وينظر في تراجم علمائها الربانيين سيلحظ تعانق السنان والبيان في التصدي لهؤلاء.

مدخل:

مناهج البحث في فكرة التقريب بين السنة والرافضة:

الأول: المنهج السياسي الذي يقوم على تسييس القضايا العقدية:

ومن الأمثلة على ذلك:

- الإرجاء:

فالجهم بن صفوان ثائر سياسي يدعو للمساواة في المواطنة، وليس مرجئا جبريا.. هذا سبب قتله على أيدي الأمويين كما يقول محمد عابد الجابري.

- فتنة القول بخلق القرآن:

وهي من أظهر المسائل العقدية التي حاول العصرانيون تسييسها: كما في كتاب محمد عابد الجابري (المثقفون في الحضارة العربية، محنة ابن حنبل ونكبة ابن رشد) وخلص فيه إلى أن هناك أسباب سياسية أكبر من هذه المسألة الفرعية كخوف المأمون من أهل الحديث ومكانتهم عند العامة... [4].

- تسييس الرفض:

فدعاة الوطنية والقومية و العلمانية لا يرون في ظاهرة الرفض أي مبرر للقلق، ويرون المسألة لا تعدو خلافا سياسيا.

ومن أمثلة ذلك مقال (البيان الشيعي الجديد) لأحمد الكاتب كما في موقعه، واحتفت به ونشرته مجلة العصر الالكترونية. حيث يقول فيه: "إن الخلاف الطائفي (الشيعي السني) خلاف سياسي تاريخي، كان يدور حول شكل النظام الدستوري للمسلمين، وفيما إذا كان شوريا؟، أم ملكيا وراثيا؟، أم عسكريا؟، ودينيا؟، أم مدنيا؟، وفي هذه العائلة أوتلك؟، وقد تطور ذلك الخلاف في العصور الوسطى وفي ظل الأنظمة المستبدة إلى خلاف فقهي ديني عاطفي......." [5].

الثاني: المنهج العقدي:

وهذا من خلال الطرق على إسلام هؤلاء وأن هذا هو الأصل حتى يأت الناقل عنه. فالقوم يشهدون بكلمة التوحيد، ويصلون ويصومون ويحجون، وظواهر النصوص تحرم دم وعرض من جاء بهذه الأركان.

التفت هؤلاء العقديون للشروط ولم يلتفتوا للموانع، وقاعدة الشريعة أن الحكم شرعيا كان أم قدريا أم جزائيا لا يتم حتى تتحقق شروطه وتنتفي موانعه.

وهذا المنهج يمثله فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي والمتأثرين به، وإن كان الشيخ يرفض فكرة التقريب الآن التي كان من دعاتها بالأمس إلا أنه يرى مبدأ "اتركوهم ما تركوكم"، فلا تشييع في الأوساط السنية، ولا تسنن في الأوساط الشيعية. وهذا يتنافى مع واجب النصيحة والدعوة لهؤلاء ولا سيما من عوامهم الذين يضللون عن الحق، فترك التقريب لا يعني ترك دعوتهم بالحكمة والموعظة الحسنة وجدالهم بالتي هي أحسن، ومن الجهود في هذا الباب مناظرات الشيخ عدنان العرور وغيره من العلماء والدعاة من قبل ومن بعد الذين كتب الله على أيديهم هداية الكثير من الشيعة، ورجوع من تشيع "ظاهرا" من أهل السنة [6].

الثالث: المنهج الأصولي المقاصدي:

وهذا المنهج يوظف الأصول والمقاصد في عرض فكرة التقريب مع الفكر الإثنى عشري، وممن يمثل هذا الشيخ الدكتور سلمان العودة.

ومفردات خطابه تقوم على مسائل علمية لا يختلف حولها، ولكن الإشكال في إسقاطها على الواقع وهذا من مزالق الخطاب المقاصدي المعاصر؛ قد يحسن في التنظير لكنه يشتط في التطبيق.

خذ مثلا فقه الأولويات.. يقولون: نبدأ بالعدو المتفق على عداوته (اليهود)، ونؤخر العدو المختلف فيه.

ومثال آخر على المقاصد التي يدندنون حولها الدعوة إلى وحدة الكلمة، ونبذ الاختلاف، ونحن نعلم أن الاجتماع مقصد من مقاصد الشريعة بلا ريب، لكن كيف يتم هذا مع من نختلف معه في كل شيء.

ومثال ثالث: يزعم أهل هذا الاتجاه أن المصلحة تقتضي أن نقف من الرافضة اليوم بناء على مواقفهم هم، وليس اعتمادا على كتبهم القديمة التي سطرها غيرهم {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ ۖ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ ۖ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [سورة البقرة: 134].

وهذا أمر عجيب؛ فالله تعالى في كتابه قد حاكم اليهود والنصارى إلى معتقدات أسلافهم، وجادلهم فيها، وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يقر يهوديا على إسلامه حتى يخلع وراء ظهره اليهودية، فكيف لا نطالب هؤلاء بالبراءة من كتب شحنت بالشرك والطعن بكتاب الله والسب لأصحاب رسول الله. وكيف لا يطالبون بقطع النسب الأدبي بأولئك الأصنام الذين سطروا تلك الكتب؛ فالله سبحانه ذكر على لسان نبيه إبراهيم عليه السلام البراءة من الكافر قبل البراءة من فعله.

فقال تعالى: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّىٰ تُؤْمِنُوا بِاللَّـهِ وَحْدَهُ..} [سورة الممتحنة: 4].

المنهج الواقعي: وهذا يقوم على التسليم بوجود الفكر الشيعي كواقع تاريخي لا يمكن تجاهله، وحقيقة ماثلة تفرض التعاطي معها بشيء من التدرج والبقاء على المسمى الطائفي، مع خلخلة الصف واستحضار الرموز المعتدلة قديما وحديثا في السجال الفكري. والعودة به إلى الجذور الأولية التي يسميها أهل هذا الاتجاه بالتشيع العلوي، هروبا من الصيرورة التي أدت بهذا الفكر إلى الغلو الصفوي الذي سيطر في القرون المتأخرة، وبلغ عصره الذهبي بقيام الثورة الإيرانية.

ومأزق هذا المنهج يتلخص في تجاهله لحقيقتين:

الأولى: أن الانتماء العقدي لأتباع الفكر الرافضي يقوم على التقليد المحض الذي ينعدم معه العقل أمام المرجعيات. وعندها كم نكون مسيئين لعامة الشيعة حينما نطرح لهم بديلا (التشيع العلوي) لا يخرجهم من ربق المرجعيات، وأغلال الخمس، وآصار المتعة.

والأخرى: الانتماء السياسي لحكومة طهران؛ فهي الحاضنة في هذا العصر لفكر الرافضة سواء كانوا علويين أم صفويين، عربا كانوا أم عجما.

فنحن بهذا المنهج نسهل المهمة على دولة إيران؛ لأننا نخلق قابلية للتشيع الصفوي -الذي نهرب منه- في أوساط الأجيال الشابة من الشيعة حينما ندعوهم إلى العودة إلى التشيع العلوي، فيعود الرفض الصفوي من قناة التشيع العلوي، كما حصل ويحصل في أطياف شيعية أخرى منها على سبيل المثال الزيدية.

والحق أن ندعوهم إلى الإسلام الذي كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وكان عليه أهل بيته وأصحابه رضي الله عن الجميع، فيكون حالهم حال ذلك التائب من الرفض حينما قال: "كسبت الصحابة ولم أخسر آل البيت".

بداية محاولات التقريب المعاصرة:

جاء ذلك في في الفتوى رقم 7807، من فتاوى اللجنة الدائمة: برئاسة الشيخ عبد العزيز بن عبدالله بن باز، وفضيلة نائبه الشيخ عبد الرزاق عفيفي، وعضوية فضيلة الشيخ عبدالله بن قعود، وفضيلة الشيخ عبدالله الغديان، رحمهم الله تعالى.

نص الفتوى: "سعى جماعة من علماء الأزهر المصريين مع القُمِّي الإيراني الرافضي في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وجدُّوا في التقارب المزعوم، وانخدع بذلك قلَّة من كبار العلماء الصادقين ممَّن طَهُرت قلوبهم، ولم تعركهم الحياة، وأصدروا مجلة سمَّوها: مجلة التقريب، وسرعان ما انكشف أمرهم لِمن خُدع بهم، فباء أمرُ جماعة التقريب بالفشل، ولا عجبَ؛ فالقلوب متباينة، والأفكار متضاربة، والعقائد متناقضة، وهيهات هيهات أن يجتمع النقيضان، أو يتفق الضدان". وللكلام تتمة. والله أعلم وأحكم.

___________________________________

[1] يقول شيخ الإسلام ابن تيمية:

"وأما لفظ [الرافضة]، فهذا اللفظ أول ما ظهر في الإسلام، لما خرج زيد بن علي ابن الحسين في أوائل المائة الثانية في خلافة هشام بن عبد الملك، واتبعه الشيعة، فسئل عن أبي بكر وعمر فتولاهما وترحم عليهما، فرفضه قوم،فقال : رفضتموني رفضتموني، فسموا الرافضة؛ فالرافضة تتولى أخاه أبا جعفر محمد بن علي، والزيدية يتولون زيدًا وينسبون إليه، ومن حينئذ انقسمت الشيعة إلى: زيدية، ورافضة إمامية" .

[2] أقصد التمكين المادي: لأن التمكين المنهجي الفكري مكفول قدرا للطائفة المنصورة بنص حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لاَ تَزَال طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلى الحَقِّ لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلهُمْ حَتَّى يَأْتِي أَمْرُ اللهِ وَهُمْ كَذَلكَ".

[3] انظر: التكفير وضوابطه للدكتور سفر الحوالي (1 / 63).

[4] انظر بخصوص هذه المسألة بحثا جيدا بعنوان: (مآلات القول بخلق القرآن) للدكتور ناصر الحنيني جزاه الله خيرا.

[5] انظر كتابا رائعا بعنوان: التفسير السياسي للقضايا العقدية في الفكر العربي لمؤلفه: سلطان العميري.

[6] ومن أجود ما كتب حول نقد فكرة التقريب نقدا عقديا، د.ناصر القفاري في كتابه التقريب بين السنة والشيعة.

 

سعد مقبل العنزي

المصدر: طريق الإسلام