ولولـة في أرض الكنانة!!

منذ 2011-01-06

فالأهـم اليوم هو ما كشـفه الحدث من حقيقة المؤامرة القبطيّة على مصر، وعلاقة تلك المؤامرة بسعيهم الحثيث للتدخـل الخــارجـي والغربي تحديـداً في أرض الكنانـة!!


"ثـم ختم حديثه بأن بشّـر الحاضرين، وطلب إليهم نقل هذه البشرى لشعب الكنيسة، بأنَّ أملهم الأكبـر في عودة البلاد، والأراضي إلى أصحابها من "الغزاة المسلمين" -!!- قـد بات وشيكاً، وليس في ذلك أدنى غرابـة -في زعمه- وضرب لهم مثلاً بأسبانيا النصرانية التي ظلت بأيدي "المستعمرين المسلمين" قرابة ثمانية قرون (800 سنة)، ثم استردها أصحابهـا النصارى، ثم قال: وفي التاريخ المعاصر عادت أكثر من بلد إلى أهلها بعد أنْ طُردوا منها منذ قرون طويلة جداً -واضح أنَّ شنودة يقصد الكيان الصهيوني- وفي ختام الاجتماع أنهى حديثه ببعض الأدعية الدينية للمسيح الربّ الذي يحميهم ويبارك خطواتهـم".

"والتخطيط العام الذي تم الاتفاق عليه بالإجماع، والتي صدرت بشأنه التعليمات الخاصّـة لتنفيـذه، وضع على أساس بلوغ شعب الكنيسة إلى نصف الشعب المصري، بحيث يتساوى عدد شعب الكنيسة مع عدد المسلمين لأول مرة منذ 13 قرنا -أي منذ "الإستعمار العربي والغزو الإسلامي لبلادنا" على حد قوله- والمدة المحددة وفقاً للتخطيط الموضوع للوصول إلى هذه النتيجة المطلوبة تتراوح بين 12-15 سنة من الآن".

كان هذا بعـض ما نقله الشيخ محمد الغزالي رحمه الله في كتابه المهم (قذائف الحق)، عن تقريـر سـرّي يصف لقاء شنوده مع رجال دين وأثريـاء من الأقبـاط، في أوائل السبعينات في إجتـماع خاص على مستوى عال!

ليس في بلاد الإسلام نهضة إلاّ وفي عنقها منـّة لمصـر، وما من شعلة مجـد توقـد في الأمـّة إلاّ ولمصـر يدٌ عليها.

وقد كفانا علماؤها، ودعاتها، وضع ما جرى في الإسكندرية قبل أيام في محلِّه من الإعراب، فلنـدع التحليـل الذي يتناول الحادثة بعينـها، لأبنـاء النيـل، فهم أدرى بمجاريـه؛ فالأهـم اليوم هو ما كشـفه الحدث من حقيقة المؤامرة القبطيّة على مصر، وعلاقة تلك المؤامرة بسعيهم الحثيث للتدخـل الخــارجـي والغربي تحديـداً في أرض الكنانـة!!

ومن الواضح أنّ ما خطَّط لـه شنوده في ذلك اللقاء الذي ذكر مضامينه الشيخ محمد الغزالي رحمه الله، لم يبلغ به ما تمنـّاه {إِن فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَّا هُم بِبَالِغِيهِ} [سورة غافر: 56]، فأصيب ومن معه بإحباط تسلسل عبر ثلاثـة عقود، حتى إذا أجمع المكـر الصهيوصليبي الغربي أن يُسرّع خطط شنّ الغـارة على العالم الإسلامي بعد الحادي عشر من أيلول، هيـَّج الأقليـّات -كالشيعة في العراق والخليج، والأقباط في مصر- فأخذ أقباط مصـر يولولون علينا ولولة المجانين صرعتها الشياطين!

لاسيما وهم يرون انتشار الإسلام كالغيث استدبرته الريح، أو كالنار في الهشيـم، وأين؟!.. فـي مصر التي هي مركز الثقل الإسلامي، ومصدر التأثير الأقوى في محيطهـا.

ولا ريب من يتابع المؤامرات على مصر ليدهش من صمودها حتى الآن؛ ففضلا عما تقترفه مافيا التحالف بين (ذوي السلطة، ورجال الأعمـال، والعسكر) من جرائم في حقِّ الشعب المصـري، فالصهاينة لم يقابلوا الهبات الجليلة التي منحها النظام المصري لهم، إلاّ بمزيد من التجسُّس، والتخريب الداخلي، والعبث بكلّ ما تفتخـر به مصـر، حتى وصلوا إلى منابع النيـل نفسها، ليقيموا لهم دولة في جنوب السودان، وليتحالفوا مع محيط هذه الدولة الصهيونية الجديدة الوليـدة، من دول فقد نظام المصري قدرته على التأثير فيها بعدما إنشغـل بمفاسده الداخلية، يتحالفـوا معـها لتدميـر الأمـن المائي المصـري!!

وأمـَّا الغربيون عامـَّة، والأمريكيون خاصة، فلم يألوا جهـدا في إضعاف مصر، وتحجيمها، وتحريض الأقبـاط ضـد أمنـها الداخلـي، حيث تنتشر في الغـرب سبع منظمـات قبطية كبيـرة -فضلا عن تلك الصغرى- تتلقى دعمـا هائـلا، ولا تتوقـف ساعة واحـدة عن إثارة الفتنة الداخلية في مصـر، ولم يـزل التحريض الغربي للأقـباط في مصر يتزايـد، ومعه الدعـم (الملياري)، حتى بلغ بالأقلية القبطية -غرورا- أن رأوْا أنفسهم دولة قائمة بذاتها داخل الدولة المصرية، رأسها هو شنوده، وتحته مجموعة من الأساقفة، كهيئة الوزراء، تحت كلّ واحـد منهم مأمـورون لايعصـون آمرهـم!

وقـد توزَّعوا بينهم إدارة شؤون البلاد!!، فأسقف للاتصالات، وأسقـف للدراسات، وأسقف للشباب، وأسقـف التعليم، وأسقف الإعلام، وهكـذا حتى أدق تفاصيل الحياة، وكـلُّ مـن هؤلاء (الأساقفة الوزراء) تحته مكاتـب تنفيذيـة يديرها، وميزانيـة ككنز قارون ينفق منها بغيـر حسـاب!!

وكلُّها تعمل كأنهَّـا دولة بكامـل مؤسساتها، وتحت تصرفها من أموال الدعم الغربي عامة، والأمريكي خاصة، ما لا يوصـف قدرُه، وهـي تُدار باسم الدين، وبصفة أصولية دينية، وتُدرَّس فيها المواد الدينية، والمناهـج النصرانيـّة المتمسّكـة حرفيّـاً بدينهـم، لا يغيـَّر منها شيء، مصـونةً لا تمـسّ، ولا يطالـِبُ أحـدٌ بتنقيح المناهج الدينية في الكنيسة، كما يُطالَب بتنقيح مناهج التربية الإسلامية!

ثـم إنَّ هذه المدارس، والمعاهد الدينية التي يديرها أسقف الأديرة، أو أسقف الرهبان، أو أسقف التعليم -على سبيل المثال فلا أدري على وجه التفصيـل- يُدرَّس فيها كلَّ شيء من التمارين الرياضية، إلى التدريب على السـلاح، مروراً بالتعليم الديني، وتاريخ الحروب الصليبية!!

وكـلُّ هذا التعليم الديني المتعصّب، والتدريب على (الإرهاب) الديني الذي يجري ضمن فكر (أصولي) متشـدِّد -يخرج متدرِّبوه في مظاهرات ترشق رجال الأمن حتى تدميهـم!- لا يجرؤ أحـدٌ أن يطلق عليه (إرهابا) ولا على منظماته (أنها منظمات إرهابية)، ولا على المال الذي يجلب إليه من أمريكا والغرب، (دعم للإرهاب)!!

ثـم هـم يطلقون على أنفسهـم (شعب الكنيسة)، وليس شعـب مصــر!

ولأنَّ شنودة يرى نفسه أنـَّه الرئيس الفعلـي لمصـر، وينظـر إلى مصـر من خلال هذا الغرور فحسـب، وتحـت يده ذلك الدعم اللا محدود، فإنَّ من الملاحظـات العجيبة على فتـرة (رئاسـته لدولتـه) -أي منذ استهل منصبه في بداية السبعينيات- لم تُطفــأ نار فتنة يشعلهـا في مصر إلاَّ وأشعـل أخـرى بعدهـا، منـذ فتنة الخانكة إلى الأميرية والبحر الأحمـ ، مرورا بالزاوية الحمراء، ونجع حمادى، وفرشـوط، والكشح، والإسكندرية، والمطرية، وعين شمس وعرب الحصن، وهلـم جـرَّا، حتى هذا التفجير الأخيـر!

وبعد كـلُّ فتنـة يولـول معيداً (موال) اضطهـاد الأقبـاط الذين لا يتمتـّع المسلمون في مصـر بربع ما يتمتعون به من النعيـم!!

ولم يزل هذا (الموَّال) يُكـرَّر حتى أعـلن الكونغرس الأمريكي -بعدما كان يناوش من بعيـد- أن يتحمـَّل بنفسه ملف الأقباط، بواسطة السيناتور فرانك وولف -الذي تولى ملف (دارفور) إلى أن تـمَّ التدخل الأجنبي فيها- ووُضِع تحت يده تقارير من منظمات قبطية عنوانـها المشترك هـو: الوجود القبطي في مصر يتعرض لخطر ماحق إلى درجة اختطاف الفتيات القبطيات للأسلمة القسرية ثم الاغتصاب (أي الزواج بالإكراه)!

وهي تقاريـر مليئة بالأكاذيب، والافتراءات عن خطف فتيات الأقباط وبيعهن كالجواري!، وعن القتل، والاغتصـاب الذين يجريان على نطاق واسع ضد الأقبـاط!

ويضع التقريـر كلَّ مؤسسات الدولة المصريـّة تحت دائرة الإتهام المباشر، الحكومة، ومجلس الشعب، والأزهر، والقضاء، والجهات الأمنية!! -ولهذا رأينا كيف أنَّ المظاهرات القبطية يوم أمـس، قـد تطاولت حتى على رجال الأمن، وعلى شيخ الأزهر، والمفتي، ووزير الأوقـاف- ويطالب التقرير بالتدخـل الدولي لحماية أقبـاط مصـر!

ولهذا لم يمنـع البابا بنديكتيس انشغاله بفضائح الأطفال المغتصبين في كنائسه! أن يرفع عقيرته، ويتدخَّـل في شؤون مصـر الداخليـة بكلِّ وقاحـة، مطالبا بالتدخـل الأجنبيِّ لحمايـة النصارى!!

فردَّ عليه شيخ الأزهـر مستهجنا هذه الدسيسة المريبة، ومما أثـار الدهشـة والعجب أنَّ البابا كأنـَّه كان مستعداً للحدث، فلم يمض على التفجيـر سوى ساعات، حتى أظهـر مكنون نفسه، وأبـان ما يخفيـه!!

والخلاصة أنَّ المؤامرة القبطية في مصـر، ستكون هـي أكبـر المستفيدين مما جرى، ولن تدَّخـر وسعـاً في استثمارها إلى أبعـد مـدى؛ لبلوغ أهدافها الخبيثة التي تلتقـي مع أهداف المشروع الصهيوصليبي ضدَّ أمِّتـنا.

غير أنَّ هذا كلـَّه لن يزعزع يقيننا أنَّ هذه المؤامرات التي يحركها المشروع الاستعماري الجديد، ستبوء بالفشـل الذريع بإذن الله تعالى.

كمـا يقيننـا أيضـا أنَّ الصروح الإسلامية الشامخـة في أرض الكنانـة، تمـلك من الوعي، والعزم، والقـوَّة، ما هـو كفيـل بأنَّ يجهض تلك المؤامـرات الخسيسـة، ويحـول دون أن تبلغ أمانيـها المريضـة.

{إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۚ وَقَدْ أَنزَلْنَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ ۚ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ} [سورة المجادلة: 5].

والله المستعان، وهو حسبنا، عليه توكـَّلنا، وعليه فليتوكّـل المتوكّـلون.
 

المصدر: موقع الشيخ حامد العلي

حامد بن عبد الله العلي

أستاذ للثقافة الإسلامية في كلية التربية الأساسية في الكويت،وخطيب مسجد ضاحية الصباحية