هل تريد أن تكون سعيداً ؟ ... الحلقة الثانية
منذ 2001-04-29
نتابع ما كتبناه في الحلقة الأولى....
الكتاب أصله وضع لبيان أخطاء الحضارة المادية، وكيف أنها أنشئت دون اعتبار لوضع الإنسان...
لقد أمعن المؤلف في إظهار سوءاتها.. ومع أنها جلبت كثيرا من الراحة والمتعة للإنسان إلا أن المؤلف متشائم جدا من ذلك التطور..
ويبين بالدراسة والبحث أن كثيرا منها ما هي إلا أدوات تعمل على تدمير قوى الإنسان العقلية والروحية والبدنية..
وليؤكد ما ذهب إليه يقارن بين حياة الزراعة وحياة الصناعة..
حياة الزراعة التي كان الإنسان يقوم فيها بأعماله بنفسه، بيديه وساعديه وقدميه.. يتعب ويواجه مصاعب الحياة وتقلبات الأجواء والفصول، ويعيش حياة البساطة والهم الدائم..
وحياة الصناعة التي صار الإنسان فيها معتمدا على الآلة وحدها في كل شيء، فقلَّ تعبه وجهده وهمه وكفاحه..
إنه يؤكد أن حياة الزراعة، حياة الكفاح والكدح أجدى وأحسن للإنسان من حياة الصناعة، حياة الراحة والدعة والسكون..
يقول في بيان انقلاب حياة الناس في أوربا:
" من الواضح أن بني الإنسان رجعوا مسرورين بالحضارة العصرية، فقد هجروا الريف وتجمعوا في المدن والمصانع.. واستخدموا في لهفة طريقة الحياة ونظم العمل والتفكير التي استحدثها العهد الجديد، ونفضوا عنهم عاداتهم القديمة بلا تردد، لأن هذه العادات كانت تقتضيهم بذل مجهود كبير.. إذ إن العمل في المكتب أو المصنع أقل عناء من العمل في المزرعة..
ومع ذلك، فحتى حياة الريف قد هانت وسهلت بسبب الفنون الحديثة، فالمنازل العصرية تجعل الحياة سهلة لكل إنسان، إذ إنها بما يتوفر فيها من دواعي الراحة والدفء وجمال الإضاءة، توفر للقاطنين فيها شعورا من الرضاء والارتياح.. كما أن الأدوات العصرية أتاحت للسيدات راحة لم يكن ينعمن بها فيما مضى، فأصبح العمل الذي كان يستلزم بذل جهد شاق كل يوم يؤدى في وقت قصير وبلا جهد تقريبا.
وفضلا عن ذلك فقد أطلقهم العلم العصري من القيود الأدبية التي كان يفرضها عليهم النظام الديني البحت.. وهكذا حررتهم الحياة العصرية من القيود الثقيلة التي كانوا يعانون منها الأمرين، كما أنها تحفزهم على العمل للفوز بالثراء بأية وسيلة مستطاعة بشرط ألا تؤدي بهم هذه الوسيلة إلى السجن..". ص31-32.
وبعد أن بين مكتسبات الحضارة من حيث الحالة المادية والتعليم والراحة والصحة والمتع.. شرع يبين في تكرار مستمر الآثار السلبية للحضارة التي أنشأت لمجرد التطور والتقدم دون النظر في ملاءمتها للإنسان.. يقول:
" إن الحضارة العصرية تجد نفسها في موقف صعب، لأنها لا تلائمنا، فقد أنشئت دون أية معرفة بطبيعتنا الحقيقية، إذ إنها تولدت من خيالات الاكتشافات العلمية، وشهوات الناس، وأوهامهم، ونظرياتهم، ورغباتهم، وعلى الرغم من أنها أنشئت بمجهوداتنا إلا أنها غير صالحة بالنسبة لحجمنا وشكلنا".. ص37.
وينتقد بشدة موقف العلماء والأثرياء، الذين كانوا السبب في إنشائها.. العلماء بعلمهم، والأثرياء بأموالهم. يحملهم السبب في انحطاط الإنسان في الغرب.. فقد خدموا التطور والبحث والإنتاج دون النظر إلى الإنسان، وهل تلائم وضعه، وتحسن إليه.. أم أنها لا تلائمه، وتسيء إليه؟.. يقول:
" من الواضح أن العلم لا يتبع أية خطة، وإنما يتطور اعتباطا".. ويقول:
" رجال العلم لا يعرفون إلى أين هم ذاهبون، وإنما تقودهم الصدفة والتفكير الحاذق. وكل منهم يعتبر عالما منفصلا تحكمه قوانينه الخاصة.. وبالجملة إن الاكتشافات تتطور دون إدراك سابق لنتائجها".. ص37
ويمضي في بيان كيف أن رواد الحضارة ومنشئيها من أصحاب المال إنما أردوا خدمة أغراضهم الخاصة فقط، يقول:
" لقد أُهمل تأثير المصنع على الحالة الفسيولوجية والعقلية للعمال إهمالا تاما عند تنظيم الحياة الصناعية.. إذ إن الصناعة العصرية تنهض على مبدأ..
((الحد الأقصى من الإنتاج بأقل التكاليف))..
حتى يستطيع فرد أو مجموعة من الأفراد أن يحصلوا على أكبر مبلغ مستطاع من المال..
وقد اتسع نطاقها دون أي تفكير في طبيعة البشر الذين يديرون الآلات، ودون اعتبار للتأثيرات التي تحدثها طريقة الحياة الصناعية التي يفرضها المصنع على الأفراد وأحفادهم، لقد بنيت المدن الكبرى دون اهتمام بأمرنا.
إن المدينة العصرية تتكون من مبان هائلة، بينما تمتليء شوراعها الضيقة برائحة البترول وذرات الفحم والغازات السامة، كما تمزق أعصابهم ضوضاء سيارات الأجرة والنقل والأتوبيس، وتحتشد بصفة دائمة جماهير غفيرة من الناس.. وهكذا يتضح أن من خططوا هذه المدن لم يقيموا وزنا لخير سكانها.
تتأثر حياتنا بالإعلانات التجارية إلى حد كبير، وهذا اللون من الدعاية يهدف إلى تحقيق مصلحة المعلنين أكثر من مصلحة المستهلكين، مثال ذلك، لقد أوهمت الدعاية الجمهور أن الخبز الأبيض أفضل من الخبر الأسمر، وهكذا ينخل الدقيق مرة بعد مرة بدقة ليجرد من عناصره الغذائية النافعة..
ومعالجة الدقيق على هذا النحو يجعل في الإمكان الاحتفاظ به فترات أطول، كما يسهل صناعة الخبز، وبذلك يستطيع أصحاب المطاحن والمخابز أن يحصلوا على نقود أكثر، بينما يُطعم المستهلكون بخبز أردأ، وهم يعتقدون أنه خبز ممتاز..
ومن ثم فإن سكان البلاد التي يتخذون من الخبز غذاء أساسيا آخذون في الانحطاط والتدهور..
إن مبالغ ضخمة تنفق في الدعاية، ونتيجة لذلك أصبحت كميات كبيرة من المنتجات الغذائية والطبية، التي لا فائدة منها على الأقل، وغالبا ما تكون ضارة، أصبحت هذه المنتجات ضرورية لبني الإنسان المتحضرين.
إن التعليم الذي تنشره المدارس والجامعات يتكون بصفة رئيسية من تدريب الذاكرة والعضلات، ومباديء إجتماعية معينة، كذا عبادة الرياضة.. فهل مثل هذه النظم ملائمة حقا للإنسان العصري، الذي يحتاج قبل كل شيء إلى التوازن العقلي وقوة الأعصاب وأصالة الحكم والشجاعة البدنية والأدبية وقوة الاحتمال؟.
لماذا يتصرف علماء الصحة كما لو أن بني الإنسان معرضون فقط للأمراض المعدية، في حين أنهم معرضون أيضا لهجمات الاضطرابات العصبية والعقلية، وكذا ضعف العقل؟.
وهكذا يبدو أن البيئة التي نجح العلم والتكنولوجيا في إيجادها للإنسان لا تلائمه، لأنها أنشئت اعتباطا وكيفما اتفق دون أي اعتبار لذاته الحقيقية" ص38-40.
إن الآثار السلبية قد نالت جميع قوى الإنسان العقلية والبدنية والروحية.. هكذا يقرر الدكتور كارل..
الكتاب أصله وضع لبيان أخطاء الحضارة المادية، وكيف أنها أنشئت دون اعتبار لوضع الإنسان...
لقد أمعن المؤلف في إظهار سوءاتها.. ومع أنها جلبت كثيرا من الراحة والمتعة للإنسان إلا أن المؤلف متشائم جدا من ذلك التطور..
ويبين بالدراسة والبحث أن كثيرا منها ما هي إلا أدوات تعمل على تدمير قوى الإنسان العقلية والروحية والبدنية..
وليؤكد ما ذهب إليه يقارن بين حياة الزراعة وحياة الصناعة..
حياة الزراعة التي كان الإنسان يقوم فيها بأعماله بنفسه، بيديه وساعديه وقدميه.. يتعب ويواجه مصاعب الحياة وتقلبات الأجواء والفصول، ويعيش حياة البساطة والهم الدائم..
وحياة الصناعة التي صار الإنسان فيها معتمدا على الآلة وحدها في كل شيء، فقلَّ تعبه وجهده وهمه وكفاحه..
إنه يؤكد أن حياة الزراعة، حياة الكفاح والكدح أجدى وأحسن للإنسان من حياة الصناعة، حياة الراحة والدعة والسكون..
يقول في بيان انقلاب حياة الناس في أوربا:
" من الواضح أن بني الإنسان رجعوا مسرورين بالحضارة العصرية، فقد هجروا الريف وتجمعوا في المدن والمصانع.. واستخدموا في لهفة طريقة الحياة ونظم العمل والتفكير التي استحدثها العهد الجديد، ونفضوا عنهم عاداتهم القديمة بلا تردد، لأن هذه العادات كانت تقتضيهم بذل مجهود كبير.. إذ إن العمل في المكتب أو المصنع أقل عناء من العمل في المزرعة..
ومع ذلك، فحتى حياة الريف قد هانت وسهلت بسبب الفنون الحديثة، فالمنازل العصرية تجعل الحياة سهلة لكل إنسان، إذ إنها بما يتوفر فيها من دواعي الراحة والدفء وجمال الإضاءة، توفر للقاطنين فيها شعورا من الرضاء والارتياح.. كما أن الأدوات العصرية أتاحت للسيدات راحة لم يكن ينعمن بها فيما مضى، فأصبح العمل الذي كان يستلزم بذل جهد شاق كل يوم يؤدى في وقت قصير وبلا جهد تقريبا.
وفضلا عن ذلك فقد أطلقهم العلم العصري من القيود الأدبية التي كان يفرضها عليهم النظام الديني البحت.. وهكذا حررتهم الحياة العصرية من القيود الثقيلة التي كانوا يعانون منها الأمرين، كما أنها تحفزهم على العمل للفوز بالثراء بأية وسيلة مستطاعة بشرط ألا تؤدي بهم هذه الوسيلة إلى السجن..". ص31-32.
وبعد أن بين مكتسبات الحضارة من حيث الحالة المادية والتعليم والراحة والصحة والمتع.. شرع يبين في تكرار مستمر الآثار السلبية للحضارة التي أنشأت لمجرد التطور والتقدم دون النظر في ملاءمتها للإنسان.. يقول:
" إن الحضارة العصرية تجد نفسها في موقف صعب، لأنها لا تلائمنا، فقد أنشئت دون أية معرفة بطبيعتنا الحقيقية، إذ إنها تولدت من خيالات الاكتشافات العلمية، وشهوات الناس، وأوهامهم، ونظرياتهم، ورغباتهم، وعلى الرغم من أنها أنشئت بمجهوداتنا إلا أنها غير صالحة بالنسبة لحجمنا وشكلنا".. ص37.
وينتقد بشدة موقف العلماء والأثرياء، الذين كانوا السبب في إنشائها.. العلماء بعلمهم، والأثرياء بأموالهم. يحملهم السبب في انحطاط الإنسان في الغرب.. فقد خدموا التطور والبحث والإنتاج دون النظر إلى الإنسان، وهل تلائم وضعه، وتحسن إليه.. أم أنها لا تلائمه، وتسيء إليه؟.. يقول:
" من الواضح أن العلم لا يتبع أية خطة، وإنما يتطور اعتباطا".. ويقول:
" رجال العلم لا يعرفون إلى أين هم ذاهبون، وإنما تقودهم الصدفة والتفكير الحاذق. وكل منهم يعتبر عالما منفصلا تحكمه قوانينه الخاصة.. وبالجملة إن الاكتشافات تتطور دون إدراك سابق لنتائجها".. ص37
ويمضي في بيان كيف أن رواد الحضارة ومنشئيها من أصحاب المال إنما أردوا خدمة أغراضهم الخاصة فقط، يقول:
" لقد أُهمل تأثير المصنع على الحالة الفسيولوجية والعقلية للعمال إهمالا تاما عند تنظيم الحياة الصناعية.. إذ إن الصناعة العصرية تنهض على مبدأ..
((الحد الأقصى من الإنتاج بأقل التكاليف))..
حتى يستطيع فرد أو مجموعة من الأفراد أن يحصلوا على أكبر مبلغ مستطاع من المال..
وقد اتسع نطاقها دون أي تفكير في طبيعة البشر الذين يديرون الآلات، ودون اعتبار للتأثيرات التي تحدثها طريقة الحياة الصناعية التي يفرضها المصنع على الأفراد وأحفادهم، لقد بنيت المدن الكبرى دون اهتمام بأمرنا.
إن المدينة العصرية تتكون من مبان هائلة، بينما تمتليء شوراعها الضيقة برائحة البترول وذرات الفحم والغازات السامة، كما تمزق أعصابهم ضوضاء سيارات الأجرة والنقل والأتوبيس، وتحتشد بصفة دائمة جماهير غفيرة من الناس.. وهكذا يتضح أن من خططوا هذه المدن لم يقيموا وزنا لخير سكانها.
تتأثر حياتنا بالإعلانات التجارية إلى حد كبير، وهذا اللون من الدعاية يهدف إلى تحقيق مصلحة المعلنين أكثر من مصلحة المستهلكين، مثال ذلك، لقد أوهمت الدعاية الجمهور أن الخبز الأبيض أفضل من الخبر الأسمر، وهكذا ينخل الدقيق مرة بعد مرة بدقة ليجرد من عناصره الغذائية النافعة..
ومعالجة الدقيق على هذا النحو يجعل في الإمكان الاحتفاظ به فترات أطول، كما يسهل صناعة الخبز، وبذلك يستطيع أصحاب المطاحن والمخابز أن يحصلوا على نقود أكثر، بينما يُطعم المستهلكون بخبز أردأ، وهم يعتقدون أنه خبز ممتاز..
ومن ثم فإن سكان البلاد التي يتخذون من الخبز غذاء أساسيا آخذون في الانحطاط والتدهور..
إن مبالغ ضخمة تنفق في الدعاية، ونتيجة لذلك أصبحت كميات كبيرة من المنتجات الغذائية والطبية، التي لا فائدة منها على الأقل، وغالبا ما تكون ضارة، أصبحت هذه المنتجات ضرورية لبني الإنسان المتحضرين.
إن التعليم الذي تنشره المدارس والجامعات يتكون بصفة رئيسية من تدريب الذاكرة والعضلات، ومباديء إجتماعية معينة، كذا عبادة الرياضة.. فهل مثل هذه النظم ملائمة حقا للإنسان العصري، الذي يحتاج قبل كل شيء إلى التوازن العقلي وقوة الأعصاب وأصالة الحكم والشجاعة البدنية والأدبية وقوة الاحتمال؟.
لماذا يتصرف علماء الصحة كما لو أن بني الإنسان معرضون فقط للأمراض المعدية، في حين أنهم معرضون أيضا لهجمات الاضطرابات العصبية والعقلية، وكذا ضعف العقل؟.
وهكذا يبدو أن البيئة التي نجح العلم والتكنولوجيا في إيجادها للإنسان لا تلائمه، لأنها أنشئت اعتباطا وكيفما اتفق دون أي اعتبار لذاته الحقيقية" ص38-40.
إن الآثار السلبية قد نالت جميع قوى الإنسان العقلية والبدنية والروحية.. هكذا يقرر الدكتور كارل..
المصدر: منتدى تحرير المرأة
- التصنيف: