وأنا أيضاً يا سيادة الرئيس

منذ 2011-01-20

طالعتنا الصحف بخبر استقبال السيد الرئيس للفنان طلعت زكريا طباخ الرئيس في الفيلم الذي عُرف بهذا الاسم.. وقد ذكر الفنان بأن لقاءهما أمتد لأكثر من ساعتين من الزمن وأنه اتسم بروح المودة العميقة، وأن الرئيس قد أزال بدفء استقباله الرهبة والوحشة..


طالعتنا الصحف بخبر استقبال السيد الرئيس للفنان طلعت زكريا طباخ الرئيس في الفيلم الذي عُرف بهذا الاسم.. وقد ذكر الفنان بأن لقاءهما أمتد لأكثر من ساعتين من الزمن وأنه اتسم بروح المودة العميقة، وأن الرئيس قد أزال بدفء استقباله الرهبة والوحشة..
وقد دفعتني هذه المبادرة الكريمة إلى أن أكتب هذه الرسالة لأقول:

وأنا أيضاً أريد أن أتشرف بمقابلتك يا سيادة الرئيس، أنا أيضاً عندي الكثير والكثير مما أريد أن أبوح لك به -على انفراد- فإن لم يسمح وقتك بساعتين فأستطيع أن ألخص ما أريده -ولو في نصف ساعة- كي لا أضيع وقتك الثمين.


سيادة الرئيس، قد لا أكون مشهوراً، ومن المؤكد أنك لا تعرفني، لكن يكفى أنني واحد من أبناء هذا الوطن العظيم، وأنني أتألم مما آل إليه الحال، وأنا أعتقد أن عندي ما يمكن أن يساهم في عودة هذا الوطن إلى مكانته الطبيعية.

أنا لست مثل طلعت زكريا -طلعت زكريا بيمثل أنا بتكلم جد- وقد لا أكون أُحُسن ما يحسنه، لكنى أُحُسن أشياء أخرى (أهم وأنفع للوطن).

أنا واحد من الناس، من الطين، من المعاناة، من الهموم التي يجب أن تعرفها بالتفصيل وتسمعها من أصحابها.

سيادتك لا يمكن أن تراني لأن الذين يستأجرون أواني الورد ويدهنون الرصيف ويغلقون كل المنافذ والنوافذ في الطرق التي تمر عليها في أي زيارة لا يسمحوا لمثلي أن يقف أثناء زيارتك محاولاً أن يلفت انتباهك لوجوده، لعلك تدعوه وتسمع منه، ثقة منه في أنك لو سمعت الحقيقة كاملة فستتدخل على الفور.


سيادة الرئيس أنا لا أطلب الزيارة لنفسي والله (أنا مستور والحمد لله) أنا أطلب الزيارة لأجل جارى الذي يموت من الجوع ومع ذلك يرفض مساعدتي له، وأطلب الزيارة لأجل النساء اللاتي أراهن كل يوم على مقالب الزبالة يجمعن الطعام لأولادهن، ولأجل عشرات المعارف الذين ماتوا في حوادث طرق، أو قضوا بسرطان، أو فشل كلوي-عافانا الله وإياكم-.

أنا أطلب الزيارة لأجل أولادي الذين لا يحصلون على تعليم جيد ولا هواء نظيف ولا ماء نقى.

أطلب الزيارة لأجل الغد، الغد مرعب مرعب يا سيادة الرئيس، الغد مخيف لي ولأولادي وربما لأحفادك يا سيادة الرئيس.


نذر الشر والفتنة والانفجار أطلت بوجهها في كل مكان، ولابد أن يصلك هذا بوضوح تام ومصارحة كاملة، الناس في بلادي تغلي، والصدور ممتلئة، ولابد أن تتدخل فوراً وبقوة، سيادة الرئيس لا أعتقد أن المقال سيكون مناسباً.

فلتشرفني بلقاء أبث هموم الناس فيه، وأطلعك على الواقع بلا تجميل ولا تزييف، ثم انظر ماذا ترى -وظني أنك لن ترضى بمظلمة ولن تقبل بجور-.

عندي اقتراحات لمساعدة أهلنا في غزة دون المساس بسيادة مصر، وعندي اقتراحات لحل مشكلة التغول النصراني دون ظلم النصارى أو جرح مشاعرهم، وعندي أفكار لنزيف الدماء على الإسفلت، وأفكار لارتفاع معدلات الجريمة، والعنوسة، والتعليم، والفقر، والتخلف الصناعي، والزراعي، والتقني، والتعليمي.

طبعاً ليست كلها أفكاري، بل أفكار عشرات من المخلصين الواقفين في انتظار إشارة منك لإنقاذ مصر الحبيبة.

فقط نصف ساعة وأعدك أن أكون مفيداً وألا أكون رغاياً ولا ضيفاً ثقيلاً.

وأعدك أن تجدني قوياً أميناً مع انتماء كبير لهذا الوطن و هذا كل ما تحتاجه، و خلفي ملايين ينتظرون كلمة حلوة وأمل، ينتظرون حياة كريمة، ينتظرون احتراما لإنسانيتهم.


خلفي ملايين على استعداد أن يبدءوا صفحة جديدة، ويحملوك على الأعناق حتى آخر العمر، بشرط أن تعيد إليهم كرامتهم، وأن تضعهم على طريق الأمل، خلفي ملايين على استعداد أن ينسوا كل شيء، ويبدءوا كألا شيء كان، فقط يشعروا أن البلد بلدهم، وأن خيرها لهم، وأن لديهم حد أدنى من الحقوق.

الناس كما تعلم طيبون في مصر يا سيادة الرئيس، ناسك الذين خرجت منهم وتربيت بينهم طيبون، ومع أقل كلمة طيبة يسامحون، فقط كلمة طيبة، ولمسة حانية، وأمل، وسيغفرون كل شيء، ويبدءون من جديد.

أنا لست أقل من طلعت زكريا ولا من شيخ العرب همام، أنا لست طباخا، ولا طبالاً، ولا لاعباً مشهوراً، أنا صانع ماهر، وفلاح نشيط، وتاجر حاذق، ومخترع عبقري، وطبيب ذكي، ومهندس لا مثيل لي، ومدرس موهوب، وفقيه متمكن، أنا من يحتاجه البلد، وينتفع به البلد، ويتقدم به البلد، أنا إنسان أحب هذا البلد وعلى استعداد أن أفعل كل ما تطلبه منى لأجلها.

كلما نظرت إليك أقول مستحيل أن تكون على علم بما يجري، كلما قرأت تاريخك العسكري أكاد اقطع أنك لا تعرف. وأن ما يصلك ليس هو الواقع قطعاً.

سيادة الرئيس أنا لم أهاجمك يوماً في مقالاتي ولن أفعل لأنك رئيس هذا البلد، ولم أكرهك يوماً ليقيني أن الذي يصلك ليس الحقيقة، لكن محبتي لك تتعرض لضغوط جبارة بسبب ما يجرى على أيدي الكثيرين ممن يتحكمون في الوطن.


سيادة الرئيس أنا أيضا أريد بعضاً من وقتك ولو نصف ساعة وأنا على يقين أنك لو منحتني هذه الفرصة وعلى انفراد فإن أشياء كثيرة ستتغير إن شاء الله.

حينما شاهدت العرض العسكري عاد إلى الأمل، وتذكرت كم هو كبير هذا الوطن، وتذكرت مبارك العسكري، مبارك أكتوبر.

اسمح لي أن أقابلك ولو نصف ساعة، امنحنى هذه الفرصة وستجدني إن شاء الله ولداً باراً، ومواطناً حريصاً على وطنه، امنحنى فرصة كي أنقل لك ما يحدث، كيلو اللحم يقترب من المائة جنيه، والطماطم جُنت بحق، الناس تأكل من الزبالة، والجامعات لا تُخرج أحداً ذا قيمة، الرشوة ضربت كل شيء، والفساد بلغ الذروة، والمياه صارت قاتلة، والسرطانات لم تترك بيتاً إلا انتزعت منه حبيباً، والهواء ملوث، دين الله يحارب وهذا مؤذن بعذاب عام، والدخول في الإسلام صار مُجَّرمَّاً، وطبول الفتنة تُصم الآذان فكيف لم تسمعها، وكيف لم تتدخل ؟


سيادة الرئيس أنا في حاجة ملحة لنصف ساعة من وقتك واسمح لي أن آتى معي ببعض الشرفاء ردءاً لي يصدقونني وليعرضوا صورا وأفكارا أخرى.

المئات من أبناءك يحلمون بأن يستيقظوا يوماً على هذه المكالمة التاريخية ليبثوا لسيادتك بعضاً مما يعتمل في صدورهم ويقصوا عليك بعضاً من حكاياتهم التي تحتاج إلى كريم عنايتك.

هؤلاء أيضاً ينتظرون مكالمة التاسعة صباحاً، وهؤلاء أيضا يحلمون بمقابلة سيادتك، هؤلاء وغيرهم قد تكون مقابلتك لهم نهاية لآلامهم ومعاناتهم التي طالت.


من الذين ينتظرون مكالمة الرئيس: عشرات المعتقلين خلف القضبان من أصحاب القضايا السياسية الملفقة وكثير منهم لم يخضع لأي محاكمة ولم يعط فرصة للدفاع عن نفسه، وكثير منهم صدرت بحقه عشرات الأحكام بالإفراج الفوري ومع ذلك ترفض الأجهزة الأمنية تنفيذ أحكام القضاء وهو ما يمثل تحدى سافر لسيادة القانون التي يؤكد عليها سيادتك في كل مناسبة، خاصة وأن كثيراً من هؤلاء يعانى من أمراض مزمنة ومنهم من له سنوات طويلة في ظلمة السجن.


وإلى جانب هؤلاء فإن ذويهم يحلمون هم أيضاً بلقاء الرئيس ليبثوا إليه همومهم وآلامهم وعذاباتهم التي لا يعلمها إلا الله وكيف أنهم يعيشون بلا عائل ولا مصدر رزق بعد أن سُجن العائل وصودرت الممتلكات.

ومن هؤلاء بدو سيناء الذين يتعرضون لبطش أمنى ليس له مثيل، ومنهم ابن الرئيس محمد نجيب الذي انتهى به الحال أن يعمل سائق تاكسي في شوارع القاهرة ومع أن الرجل لم يشتكى ولا يجد في العمل مادام حلالاً غضاضة ولكنى مُصرٌ أن أصطحبه معي لأن هذا لا يليق بمصر يا سيادة الرئيس، لا يليق بها أن يكون ابن أول رئيس لها يكافح بهذه الصورة لأجل لقمة عيشه.

بناتك من المنتقبات اللاتي منعن من دخول الجامعة وأداء الامتحانات رغم أن معهن عشرات الأحكام القضائية وأنت من عودتنا على سيادة القانون وأنه لا تدخل في أحكامه.


أبناؤك من جماعات التيار الإسلامي يريدون أن يقابلوك ليثبتوا لك أنهم أعقل أهل هذا الوطن وأخوفهم عليه وأرحمهم به وأخلصهم له وأنهم ليسوا من التشدد ولا التزمت ولا التعصب في شيء.

الملايين أيضاً من حملات الشهادات العليا بل والدكتوراه ممن لم يجدوا فرصة ولم يعينوا في الجامعات بسبب المحسوبية ومنهم من يعمل أعمال مهينة بعد أن أنفق أجمل سنوات حياته للحصول على هذه الشهادة وكل جريمتهم أنهم لم يتعلموا ركل الكرة أو هز الوسط أو التمثيل.


الأغلبية المسلمة كلها تطلب لقائك لتشكو لك ما يفعله نصارى مصر معهم من استفزاز غير مسبوق وازدراء للإسلام واستهانة بالمشاعر وطعن في المقدسات واستقواء بالخارج واستعلاء على القانون.

كاميليا شحاتة ووفاء قسطنطين وأخريات ينتظرن أن تتدخل بنفسك لترد لهن حريتهن كي يتمكن باللحاق بهذا اللقاء التاريخي ويحكين بأنفسهن ما رأينه من أهوال.


صدقني يا سيادة الرئيس في الوطن شرفاء كثيرون على استعداد لوقف أعمارهم وأموالهم وأوقاتهم لخدمة هذا الوطن وعلى استعداد لأن يكونوا رهن إشارتك على استعداد لفعل أي شيء ليعود هذا الوطن زهرة بلاد الإسلام يخرج فقهاء وعلماء وصناع وزراع وأدباء.

جَرِبنا، أسمع لنا، وستجدنا كما يحب الصديق ويكره العدو، أسمع لنا إن أذنت ولن تندم إن شاء الله.


عموماً يا سيادة الرئيس ليس شرطاً أن تدعوني شخصياً بل أستأذنك أن تنزل بنفسك واعذرني -إن كنت أسأت الأدب- أن تنزل بنفسك للشارع وأدعو أي رجل في الشارع شريطة أن يحمل ملامح مصر اليوم، أي رجل سيتشرف بلقائك سيحمل نفس الهم وسيقص نفس حكاياتي يا سيادة الرئيس.

والله من وراء القصد محيط.

خالد الشافعي
kaledshafey@yahoo.com

المصدر: موقع جريدة المصريين

خالد الشافعي

داعية مصري سلفي