مواجهة حتمية الموت
عند تذكر الموت، نحس أننا مضطرون للعودة إلى الله، ففي الحياة فرصة يمكن من خلالها أن نختار التقرب إلى الله طوعًا وأن نعيش حياتنا وفقا لضوابطه. بهذه الطريقة، نستثمر الفرصة للقاء الله وكسب رضوانه حتى قبل أن نغادر هذه الدنيا.
متى يكون الإنسان على استعداد للموت؟، ماذا ينبغي للمرء أن يسعى جاهدًا لتحقيقه بطريقةٍ تجعله على استعداد تام لهذا الحدث؟.
إن الموت هو تعبير يعني الرحلة من هذه الدنيا إلى جانب الحق سبحانه، لأننا من الله وسنعود إليه في نهاية المطاف. أي شخصٍ يخوض هذا السفر بحاجةٍ إلى أن يعرف ما عليه أن يحمل معه من متاع. الجواب أنه لن ينفع المسافر شيئًا عدا وعيٍ عميق بالله وتقواه. يقول ربنا سبحانه وتعالى: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ} [البقرة جزء من الآية: 197].
لقد خلق الله كل شيء بأجلٍ ثابت، يقول تعالى: {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّـهِ كِتَابًا مُّؤَجَّلًا} [آل عمران جزء من الآية: 145]، في الواقع ليس هناك يقين في الحياة إلا الموت { كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} [ آل عمران جزء من الآية: 185]. ليس فقط أن الموت نفسه لا مفر منه، ولكن الإنسان يجهل مكان ويوم وساعة موته ورحيله {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا ۖ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ} [ لقمان جزء من الآية: 34] .
{فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً ۖ وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ} [النحل جزء من الآية: 61]. عند تذكر الموت، نحس أننا مضطرون للعودة إلى الله، ففي الحياة فرصة يمكن من خلالها أن نختار التقرب إلى الله طوعًا وأن نعيش حياتنا وفقا لضوابطه. بهذه الطريقة، نستثمر الفرصة للقاء الله وكسب رضوانه حتى قبل أن نغادر هذه الدنيا.
الذين يفشلون في استخدام خيرات الله لكسب رضوانه سوف يندمون حتمًا وإلى الأبد عن أخطائهم وعدم استغلال حياتهم وفرصة عمرهم من أجل التوبة والاستقامة، وقد حذرنا سبحانه من ذلك كله {حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ۚ كَلَّا ۚ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا ۖ وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [المؤمنون : 99-100] .
على الرغم من أن الموت مؤكد، فإننا نميل من وقتٍ لآخر إلى نسيان لقائنا مع ربنا، هذا النسيان يجعلنا تبتعد عن المهمة الحقيقية التي خلقنا من أجلها {وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَـٰنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} [الزخرف: 36]. وعلى الرغم أن هذا النسيان جزء من الطبيعة البشرية، يمكننا التغلب عليه بذكر الله في جميع مناحي الحياة، كما ذكرنا بذلك ربنا مرة أخرى {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ} [الأعراف: 201].
نحن نخاف من الموت لأنه لا يوجد هروب منه، ولا نعلم ماذا سيحدث لنا ولأقربائنا بعده، على الرغم من أنه في وسعنا أن نجعل ذلك في صالحنا وليس ضدنا، فقد قال تعالى في القرآن الكريم: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} ۛ [البقرة جزء من الآية: 195]. أي جهد لإرضاء الله لن يترك دون مردود، وإن بذل كل جهد للحصول على ملذات هذه الدنيا لن يسفر عن شيء يدوم فضله.
في هذا الباب ذكرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لن ناخذ معنا إلى قبورنا إلا أفعالنا وحثنا على أن تذكر الموت يساعد في الحفاظ على توازن بين الدنيا والآخره «أكثروا من ذكر هاذم اللذات [أي الموت]» (صححهُ ابْن حِبَان برقم: 3044 و3045 و3047) . كما نصح بالأخذ من وقتنا لحضور الجنازة وصلاتها، وكذلك زيارة قبور الذين رحلوا عنا، لما لذلك من تذكير بمصيرنا بعد هذه الدنيا.
أخيرا، إن القرآن يصف أسوأ العقوبات التي أعدها ربنا سبحانه للذين يستمرون في نسيانه جل جلاله، من أنه لا يكلمهم يوم القيامة، وأنه لا ينظر إليهم، وهم في هذه الدنيا يدعون انهم يخشون الله ولكنهم حقيقة غافلون عن وصاياه. يوم يلقون ربهم سيكون هناك حجاب بينهم وبين الله، ولن ينالوا شيئًا من الرحمة والشفقة.
{إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّـهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَـٰئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّـهُ وَلَا يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [آل عمران: 77] . { رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ ۖ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا ۚ أَنتَ مَوْلَانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} [ البقرة جزء من الآية: 286].
معاد كوزرو
كاتب إسلامي
- التصنيف: