أساطير المعاصرين!
إن الوحي ليس أساطير بل نحن من يعيش الأساطير
وأما قول المشركين للرسل {إِنْ هَـٰذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ} فقد قالتها قريش لرسول الله، وقالتها عاد لهود، وقالتها ثمود لصالح، وقالها غيرهم، أفلا نعتبر من هذا؟.
بلى، لا بد من الاعتبار فكل جيلٍ بشري يظن أنه يمتلك قمة الحضارة وأنه يمثل التقدم وأن كل مرحلةٍ سابقة تمثل حالةً من التخلف، برغم أن الله تعالى نص أنه مكّن لحضارات وأُمم بما لم يمكّن لمن بعدهم {أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِم مِّدْرَارًا وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ}، فكم من حضارةٍ مخدوعة في نفسها قد سبقتها حضارات أعظم منها ومع هذا تصمم أنها أساطير الأولين.
وقد وجدنا مصداق ذلك في عجز الحضارات المعاصرة عن فك رموز حضاراتٍ سابقة، كالفرعونية التي يقفون أمامها عاجزين في كثير من نواحيها، ومع هذا لم تغن عن الفراعنة شيئًا ولم يعْدو كونهم كفارًا يرذلهم التاريخ، ويوم القيامة هم من المقبوحين.
كل من رد الرسالات متكبرًا عنها كان يرى أنه ليس في حاجة إليها، وأنها تمثل له (خرافة) وأنه بعقله وعلمه يمثل حالة (التقدم)!، بينما الناظر لهم من بعيد كنقطة في شريط التاريخ يراهم جهالًا أراذل، جاهليين متخلفين، منحرفين عقديًا وأخلاقيًا، خرجوا عن روح الوجود العابد لله وسيطرت عليهم الخرافات..
لكن الجميع أثناء تناول الخرافة لا يراها كذلك إذ لكل خرافة زينة {وَكَذَٰلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ} {يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا} يعني خداعًا..
هو زخرف وطلاء لا يراه المباشر للخرافة لكن يظهر لمن بعده، فلماذا نسمح لأنفسنا أن نضعف أمام أي هجمة غربية جاءت بزخرفها، وهو بالقطع زخرف خاص بهذه الخرافة المرحلية، وستسقط كما سقطت جميع الخرافات، خرافة استغناء الإنسان عن منهج الله، وخرافة الاستغناء عن دينه في السياسة والاقتصاد والفن والفكر والنظام الإجتماعي، وخرافة الإباحية الأخلاقية وأنها تمثل وجهًا للحرية لا تتحقق الحرية بدونه!، خرافة الإرهاب الإسلامي أمام ملايين المسلمين يُذبحون بانتظام وارتياح عالمي!!، خرافة أننا نتقدم ونحن خاصم هذا الدين، خرافة أن القوانين الشرعية كانت لزمن بعيد هو زمن الرسول والصحابة متناسين أن الشريعة كانت حاكمة إلى ما أقل من مائة عام لا أكثر..
إن الوحي ليس أساطير بل نحن من يعيش الأساطير، وطوبى لمن فاز بالتمسك بثبات الوحي وعلم أنه الحقيقة الموجودة، وكل ما عداه خرافة، نعم خرافة وأساطير المعاصرين لا الأولين..
مدحت القصراوي
كاتب إسلامي
- التصنيف: