الإسلاميون والتغيير بين السنن والأماني
المسلمون هم أفقه وأعلم من غيرهم من البشر بسنن الله في التغيير بسبب علمهم بالقرآن والسنة وفقه الصحابة والسلف الصالح رضي الله عنهم ولكن بسبب تعاقب الاستبداد والقهر على المسلمين منذ قرون تغيرت مفاهيم كثيرة عندهم تغييراً يخدم الخنوع للمستبد والظالم..
المسلمون هم أفقه وأعلم من غيرهم من البشر بسنن الله في التغيير
بسبب علمهم بالقرآن والسنة وفقه الصحابة والسلف الصالح رضي الله عنهم
ولكن بسبب تعاقب الاستبداد والقهر على المسلمين منذ قرون تغيرت مفاهيم
كثيرة عندهم تغييراً يخدم الخنوع للمستبد والظالم تحت مبررات أخذت
قوالب شكلية من الفقه والدين، والدين منها براء.
ويتفاعل الآن المسلمون مع ثورة تونس وتنطلق أمانيهم في جلسات السمر
وبعد غلق الأبواب أو حتى بالصياح على الإنترنت ولكن للحياة سنن كما
قال سبحانه: {
سُنَّةَ اللَّـهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ ۖ
وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّـهِ تَبْدِيلًا
} [الأحزاب:62] ومن هذه السنن قال تعالى: {
وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ
وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ}
[هود:117].
وفي تفسير هذه الآية قال المفسرون أن الله لا يهلك القرى بالشرك فقط
ما داموا قائمين بالعدل ولم يفسدوا ويظلموا ولكن إذا طغوا وأفسدوا
أهلكهم كما حدث وأهلك الله فرعون وعاد، وهو ما ينسجم مع قول شيخ
الإسلام ابن تيمية: إن الله ينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة ويخذل
الدولة الظالمة وإن كانت مسلمة.
وتاريخ الحياة البشرية شاهد على هذه السُنّة في الحياة..
وتفعيل هذه الُسنّة في الحياة مرتبط بمن يسعى لتحقيق الإصلاح وإقامة
العدل..
والتاريخ خير شاهد صادق على أن القيام بسنن الله في الحياة من التدافع
والمغالبة هو السبيل لتحقيق دولة الإسلام العظيم وقيام دولته على يد
الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام أو حتى بالنسبة للأفكار
التي تحولت إلى دول كالثورة الفرنسية أو الأمريكية أو البلشفية ومن
يفكر بإمعان يجد أن أي فكرة مهما كانت جميلة لا تتحول إلى واقع له
سلطان ودولة إلا بالتضحيات والأفعال ولو وقفت الأفكار على النظريات لم
يتغير شيء ولم تتحول أبداً إلى دولة.
ولقد تشتت طائفة من علماء المسلمين المعاصرين في الرؤية ببصيرة ونور
وهداية لتلك السنن فمنهم من ينادي بالصبر على الظلم والاستبداد ويزيد
بعضهم أن هذا من البلاء وما أعظم أجر الصابرين على السجون والمعتقلات
والظلم!! وبعضهم يقول أنه لابد من تربية الفرد وإصلاحه وعدم الاهتمام
بصلاح الحاكم ولا بطانته لأن صلاح الأفراد سيصلح المجتمع ويسري حتى
يصلح الحاكم ومنهم من يقول أنه حيثما تكونون يُولى عليكم ومنهم من
يهتف أن المستقبل لهذا الدين وعلى الدعاة الاهتمام فقط بنشر العلم
وتربية الجيل المسلم وسوف ينتصر بذلك الحق ومنهم من ينادى بأهمية
العمل الخيري لأنه طريق البر والتقوى!
وكل ذلك خير وجميل ومهم والله سوف يجزي القائمين عليه المخلصين
بالحسنات لكن هل هذا هو سبيل تغيير الظلم والفساد والاستبداد الذي
جعله الله في سنن الحياة للتغيير بين الناس في القرآن الكريم؟ بلا شك
لا...
ومن أسباب قصور الفهم والتشتت هو الخلط أو الجهل في التفريق بين الدين
والتدين فكثير من الدعاة يدعون للتدين الشخصي ولكن فهم الإسلام العظيم
بشموله قاصر أو غائب عنهم فالإسلام دين شامل جاء برسالة عالمية لتغيير
حياة الناس وتحريرهم وهو ما عبر عنه ربعي بن عامر بقوله: "إن الله
أخرجنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن جور
الأديان إلى عدل الإسلام ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة"
فعظمة رسالة الإسلام أنه جاء لتحقيق العدل والقضاء على الظلم وأمر
أتباعه بالسعي لذلك.
فالسعي لرفع الظلم غاية وهدف إسلامي وهو من أسباب دخول الناس في دين
الله أفواجا.
فقد وجدوا دين لا يُفرق بين عربي ولا عجمي ولا أسود ولا أبيض.
وجدوا دين يقول نبيه صلى الله عليه وسلم: «والله لو أن فاطمة بنت محمد
سرقت لقطعت يدها» فآمنوا
به...
وقد أقام كثير من الدعاة حوائط صد للدعوة للتغيير فمنهم من يقول
بالرضا بالقدر والخشية من مآلات السعي للتغيير ومنهم من ينتظر المهدي
ومنهم من يخشى الفتن وهو واقع في أشد الفتنة ولا يأمن على أطفاله ليل
نهار بسبب ضغط الفساد اليومي من إعلام مفسد ومناهج تعليم فاسدة.
ومما يزيد في التعجب أنهم يعلمون أن الأنبياء لم يقوموا بالتغيير في
مجتمعهم إلا عبر سنة الله بالمدافعة والمغالبة والحق سبحانه يقول في
كتابه الكريم: {
وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ
لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى
العَالَمِينَ} [البقرة:251].
وقال تعالى : {
وَلَوْلا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ
لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ
فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ
يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ
} [الحج: 40].
وقد جاء في الحديث عن النُّعْمَانَ بْنِ بَشِيرٍ رَضِي اللَّهُ
عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«
مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالْوَاقِعِ
فِيهَا، كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ، فَأَصَابَ
بَعْضُهُمْ أَعْلاهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ
فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ الْمَاءِ، مَرُّوا عَلَى مَنْ
فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا
خَرْقًا، وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا
أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعاً، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ
نَجَوْا وَنَجَوْا جَمِيعا».
ويبقى أنني أتعجب من تعجب البعض لعدم وجود إسلاميين في قيادة ثورة
تونس ومهما كانت أسباب غياب الإسلاميين أقول إنها سنن الله في الحياة
من قام بالمدافعة وضحى لتحقيق تغيير الفساد والظلم تحققت له
السنن...
وأتعجب من تعجب بعض الإسلاميين من بعض الحركات الاحتجاجية العلمانية
ذات الصوت العالي وخشيتهم من سيطرتهم على الشارع وأقول لهم إنها السنن
في الحياة ليس لأعلى صوتاً ولكن لمن يسعى للتغيير..
وأخيراً أتوقف مع طائفة من الدعاة والإسلاميين وأقول لهم لابد أن
تنتبهوا وتفيقوا وتتركوا القوالب الموروثة التي تستكين للظالمين، وليس
بالأماني فقط يتحقق التغيير بل بالسعي فاجهروا بكلمة الحق واتخذوا كل
الوسائل والآليات السلمية للإصلاح بدون عنف وخروج عن الشريعة لأن
المسلمين يسعون لرضا الله بكل عمل، وإلا سوف تجدون أنفسكم معزولين عن
الناس ويقود الناس من يدعوهم إلى عبادة غير رب الناس كما حدث في تونس
فقد ركب الثورة الشعبية الشيوعيون والعلمانيون.
ممدوح إسماعيل محام وكاتب
عضو مجلس النقابة العامة للمحامين
elsharia5@hotmail.com
- التصنيف: