في الحج رسالة حضارية
في مشاهده ومناسكه مناظر دعوية وحضارية خلابة، ومن المؤسف أن نصنع بجهلنا منه صورة متخلفة بدعوى الزحام والتسارع والفراغ الجزئي...!
في مشاهده ومناسكه مناظر دعوية وحضارية خلابة، ومن المؤسف أن نصنع بجهلنا منه صورة متخلفة بدعوى الزحام والتسارع والفراغ الجزئي...!
وفي الحج مرسالٌ لنا ومعالمُ وفي الحج ما نسمو به ودعائمُ
يوطّد إيمانا ويوسعُ أُمَّةً لها موعدٌ عند الإله وراحمُ
يأتي الحج ليجدّد لهذه الأمة دينها، ويعلي من إيمانها، ويجسّد وَحدتها، ويمحو عنها شيئا من المحازن، ويدفع بعض النكبات...! {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ} [الحج: 28].
ويأتي ليردها إلى خالقها، وإلى البيت العتيق
وفي الحج تجديدُ الشعائر كلِّها وجمعٌ على التوحيد والقلبُ مورقُ
وفيه دواءٌ للحشود وحملُهم على دعوة الآنام والربُ يُغدقُ
فمع ركنيته يحتوي على مقاصد حضارية تجعل منه رسالةً للعالم أجمع، وأن ديننا هو الحق، ومنهاجنا درب السلامة، وطوق النجاة في كوكب يشتعل بالفتن والشبهات والإلحاد،،! ونقول لأهل الإيمان: ازدادوا نورا وإيمانا بظهور دينكم، ونقول للحيارى: أما في مناسك الحج معتبر ومخبر لكم، وقد تاهت عقولكم، وصَدأت قلوبكم...؟!
ينذهل العالم كله، وأنتم في سكرتكم تعمهون،،،!
وبعضنا لم يحج بعد، وقد حاز الأموال، وتملك العقار والنفائس...!!
وتأتيه النفائسُ كلَّ حينٍ وما قصد المشاعرَ واستزارا!!
وبنظرة تأملية في مناسك الحج وأعماله، ندرك أن فيه رسالة حضارية، تتنوع دعوة وتوجيها وتأثيرا، وما من شك أنها ستؤثر قريبا أو بعيدا،،،! والمهم أن لا نيأس، ويشرق الأمل والعمل في حياتنا وأجسادنا، ومن ذلك أن الحج رسالة دعوية حضارية عالمية بما يلي:
١-رسالة بمجتمعه الوسيع:
حيث الجموع الغفيرة، والحشود المتدفقة كالسيل الهادر، فمن مئات الآلاف إلى (٣ ملايين) هذه الأزمنة، تكتظ بهم الساحات، وتغص بهم المشاعر، مما يعكس توهج الإسلام وشدة حبه وكثرة الداخلين فيه،،،! وهو ما يحمل الغرب لا سيما (فرنسا) مؤخراً، في التضييق على شعائر الإسلام كالحجاب واتهامه، وتجريم النقاب، ووضع رسوم جزائية على ارتدائه، إذ ليس المخالفة سببه أو الاٍرهاب كما يزعمون، بل خشية التمدد الإسلامي، وصيرورة الفضيلة في الفرنسيات، فيتنامى الحجاب، وتجف منابع الحرية لشهواتهم...!!
٢- بشعائره الجميلة:
فكل منسك فيه، يحمل درسا وعبرة، وتكتنفه موعظة وحكمة، وليس مجرد حركة ورياضة، قال صلى الله عليه وسلم: «إنما جُعل الطواف بالبيت وبالصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله». (أخرجه أحمد وأبو دَاوُدَ) .
٣-بآدابه الآسرة:
من الصبر والرحمة والسكينة وصنائع المعروف، والترفق بالخلائق، والإحسان المستديم، والذكر الصداح، وفي الحديث الصحيح «أيها الناس عليكم بالسكينةَ، فإن البرّ ليس بالإيضاع» (رواه البخاري)، أي عمل الخير ليس بالإسراع فيه وقت الزحام.
٤- بزيّه المتواضع:
والمكون من إزار ورداء، قد تغشاه التواضع وعلاه الفقر، وخالطه الانكسار، فيختفي من خلاله الكبر والاستعلاء، ويحس بافتقاره لدى الله، وأنه جاء تائبا معترفا، يرجو ما عند الله، وهو لباس المتواضعين، وقلما يلبسه إنسان ولا يحس بمسكنته، وفي الحديث الحسن «اللهم أحيني مسكينا وأمتني مسكينا، واحشرني في زمرة المساكين». (رواه الترمذي وغيره وحسنه بعضهم).
ومسكنة اللبس مع مسكنة القلب مذكرتان بالقبر والموت والاستعداد للقاء الحتمي، والذي لا مناص منه {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} [آل عمران: 185].
٥-بشعاره التوحيدي:
لبيك اللهم لبيك، يهل بها ويرتلها ويصدحُ بها حتى تتشرّبها نفسه، وتسكن في قلبه، وترتجّ لها الأماكن والعالم، ويعجبون منها غاية العجب.
٦- باستواء جنسياته:
حيث الآلاف من الأجناس والأعراق والشعوب والألوان، وكلهم في شعار واحد ودين واحد وإقبال واحد، مما يعني تجسيد الإخوة الإيمانية {فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} [آل عمران: 103].
٧- بالمسارعة الإيمانية:
والتي تستشعر قيمة الحج وشرف حمله، وكونك من أهله فتسارع في أيام جليلة، ربما لا تدركها بعد ذلك {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [آل عمران: 133].
٨- بشموخ الإسلام:
الآبي الذلة والهوان برغم محتل عات، أو غازٍ متجبر، أو نزاع قتال، فلا يزال فينا مشاعل للنور والهداية والتوحد {هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ} [الحج: 78].
وقال الحق تعالى {أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا} [النساء: 139].
فعلاء الحق ليس علوا شخصيا ولكنه إيماني فريد..!
٩-ببركات مشاعره:
كالمطاف والسعي، والمبيت، وزمزم وفي الحديث: «إنها طعام طعم، وشفاء سقم» (رواه البزار وأصله في صحيح مسلم رحمه الله) . وهو غياث هاجر وابنها إسماعيل عليهما السلام، وقد ألقوا قي واد غير زرع ولا أنيس، فذاك البئر من عهدهما وجعله الله نعمة ورحمة للعالمين وفي الحديث «يرحم الله أم اسماعيل لو تركت زمزم، أو لو لم تغرف، لكانت عَينا معينا» (كما في البخاري) .
١٠- بتراحم أهله:
وتوادهم وتآخيهم، بحيث يبدون إخوة للناظرين، وشركاء للمتأملين، اجتمعوا على سابق ميعاد عام، وليس خاصا، فألف بينهم، ووثق حبالهم، ووطد أواصرهم، قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ } [الحجرات: 10].
وينافي هذه الرسالة:
- التزاحم الشديد المفضي لكوارث سنوية وعدم تراحم بعضنا مع بعض.
- الإغلاظ على الفقير والعاجز والعجائز والعجم الآتين من أماكن بعيدة.
- بخل فئات بالطعام والمال والمكان، وميلانها للاستئثار وعدم استشعار إخوة الإسلام.
- الجدال ورفع الصوت ورغبة كل فريق في الانتصار علما أو حاجة أو بيعا وشراء.
- فعل المناسك بشدة واستعجال، وتجاهل الروحانية والأناة في أدائها، مما يعكس أثرا سلبيا لدى المشاهدين.
- إبداء سلوكيات مَشينة من النظر المحرم وإيذاء الناس، وإلقاء الزبالات في طريقهم
- رفع لحن العنصرية والعرقية الموحية بالتفكك الأممي، كمكتنا وكعبتنا وجمرتنا، والضيق بالسود والاعاجم، والله يقول {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا } [آل عمران: 97].
وقال {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13]. والواجب حسن الاستقبال وحفاوة الإكرام، ونزع كل نفَس عنصري، آتٍ بالتفرقة والنزاع.
وكما قيل:
أبي الإسلامُ لا أبَ لي سواه إذا افتخروا بقيسٍ أو تميمِ!
ومع محازن الأمة ومشكلاتها، يصنع لنا الحج كؤوسا من التفاؤل والمسرات الدافعة لمسيرة التعاون والتعاضد، وترك الفرقة والتنازع، قال تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 103].
وحد الله أمتنا وجمعها على خير، وأعز دينه وأولياءه... والسلام،،،،،
ومضة/الحج خطوة عملية للتوحد والتشاور والإصلاح..!
حمزة بن فايع الفتحي
رئيس قسم الشريعة بجامعة الملك خالد فرع تهامة، وخطيب جامع الفهد بمحايل عسير
- التصنيف: